المناسبة بين قول الله تعالى في أول سورة النجم: (والنجم إذا هدى) وبين قوله: (ما ضل صاحبكم وما غوى)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ عن الله رسالاته، ونصح له في برياته، فجزاه الله أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه حلقة جديدة مباركة من برنامجكم: معالم بيانية في آيات قرآنية.
والآيات التي نحن بشأن الحديث عنها في هذا اللقاء المبارك: هي فاتحة سورة النجم، قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ [النجم: ١ - ٢].
وما نريد أن نميط اللثام عنه تحديداً في هذا اللقاء المبارك هي: المناسبة ما بين القسم بالنجم وما بين جواب القسم وهو قول الله جل وعلا: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ [النجم: ٢].
بداية -أيها المباركون- نقول: إن سورة النجم سورة مكية عند أكثر أهل التفسير، جرت على نسق السور المكية في العناية بأمر العقيدة وإثبات الرسالة، كما كان فيها بيان وإشارة إلى رحلة المعراج.
واختلف العلماء أولاً في المقصود بكلمة النجم في هذه السورة، وهذا المدخل ضروري حتى نحرر ما نراه صواباً ثم نبني عليه.
فذهب فريق من العلماء إلى أن النجم هنا: نزول القرآن منجماً على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فتعني كلمة النجم عندهم الجملة من القرآن وقت نزولها؛ لأن القرآن نزل منجماً، وهذا في ظني وإن قال به بعض الأفاضل والأكابر إلا أنه رأي مرجوح.
وقال بعض العلماء: إن النجم هو: النجم المعروف الذي في السماء، وهو النجم في الأرض وهو: نوع من الشجر لا ساق له، ثم اختلفوا في تحديد ماهية النجم على القول بأن النجم هو النجم الذي في السماء، وهو أول ما يتبادر إلى الذهن عند إطلاقه، وهذا هو الذي ينبغي اعتماده في ظني؛ لأن لغة القرآن يجب أن تنصرف أولاً إلى ما هو شائع ظاهر من كلام العرب، لكن القائلين بأن النجم في الآية في قول الرب تبارك وتعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى﴾ [النجم: ١] هو النجم الذي في السماء اختلفوا في أي نجم هو؟ فذهبت طائفة إلى أن المراد بالنجم: كوكب الزهرة، وذهب بعضهم وهم الأكثر: إلى أنه الثريا، وقال آخرون بغير ذلك.
والقول الثالث الذي نعتمده ونبني عليه: أن المقصود بالنجم هو جنس النجم في السماء فلا يحدد نجم بعينه، وأن الله يقسم بالنجوم جملة في السماء، وهذا القول اختاره العلامة ابن سعدي رحمة الله تعالى عليه، وهو الذي تميل إليه النفس أكثر.
هذا ما تحرر من بيان معنى قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَالنَّجْمِ﴾ [النجم: ١] الآن نميط اللثام عن قول الله جل وعلا: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ [النجم: ٢] أي: المناسبة ما بين القسم بالنجم وذكر صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؟ والجواب عن هذا أن يقال: المناسبة أن النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، والوحي في الأرض، بل إن حاجة الناس للوحي أعظم من حاجتهم إلى النجوم.
والمعنى: أن الوحي في الأرض منزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فكما أن الناس يهتدون بالنجوم في ظلمات البر والبحر فإن ما بين أيديهم من الوحي الذي أعطاه الله جل وعلا لنبيه ﷺ هم أحوج إليه من حاجتهم إلى النجم، وكما أن النجوم زينة في السماء فإن كلام الله زينة في القلوب وزينة في الأرض.
وزاد عليه بعض العلماء أن قالوا: إن الله جل وعلا علم من العرب أنها تستخدم النجم في الهداية وتطمئن إليه في زرعها وفي أسفارها، فأقسم الله بالنجم لصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
أي: كما أنكم تطمئنون للنجوم، وتعرفون أن النجم لا يخرج عن مساره، وما أضل النجم أبداً ولا تغيرت هدايته، فإن الله الذي سخر لكم النجم هو الذي بعث لكم النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا تفسير وتبرير وتحرير أكثر من حسن؛ لأن فيه ربطاً بين ما يراه المؤمن من نور النبوة، من نور الوحي الذي أعطاه الله جل وعلا سيد الأنبياء ﷺ فيسوقه ذلك الهدى إلى مرضاة الله جل وعلا، وبين ما يراه التائهون في ظلمات البر والبحر من اهتدائهم بالنجوم كما قال الله جل وعلا: ﴿وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٦].
بقي أن نبين -أيها المباركون- أن هذه السورة كذلك كما ذكرت صدق نبوة محمد ﷺ فإن الله قال في حقه: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ [النجم: ٢].
والضلالة: عدم العلم بالشيء، أما الغواية: فهي ترك العمل بالعلم، فالله تعالى ينفي وينزه نبيه عليه الصلاة والسلام عن الجهل، فأثبت بذلك له العلم بالحق، ثم أثبت له الهداية.
ومعنى ذلك: أن النبي ﷺ علم الحق وعمل به، ولا ريب أنه عليه الصلاة والسلام ما من صفة كمال إلا وأعطاه الرب تبارك وتعالى إياها، قال شوقي وما أجمل ما قال: فإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء وإذا خطبت فللمنابر هزة تعرو الندي وللقلوب بكاء صلوات الله وسلامه عليه بكرة وأصيلاً.
هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ تحريره، حول قول الرب جل وعلا: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ [النجم: ١ - ٢].
أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما قلناه وبما سمعناه.
وصلى الله على محمد وعلى آله.
والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.