تشريع الهدي والأضاحي لذكر الله
المقدم: عند الحديث في سورة الحج عن الأضاحي أو البدن جاءت آية معترضة بين (٣) آيات قبلها وبعدها: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحج: ٣٥]، جاءت بعد قوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٤]، ثم أكمل، ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٦].
فما معنى اعتراض آية الذكر هنا بين الثلاث آيات أو الأربع التي قبلها وبعدها؟ الشيخ: كل الدين ما شرع إلا ليذكر الله، لكنه خاطب الله الحجيج: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣]، في البقرة، وخاطب الله جل وعلا أهل الأمصار قال: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦].
فما أقيمت شعائر الدين إلا ليذكر الله، والآية التي جاءت في الوسط يقال: المرتبة العليا في ذكر الله أن يحضر القلب، ومن ذكر الله قراءة القرآن.
والناس عند قراءة القرآن ينقسمون إلى ٣ أقسام: قسم يتلو القرآن أو يتلى عليه القرآن ولا يتغير فيه شيء حال السماع.
وقسم يصرخ ويعلو صوته ويحدث له أمور قد يكون معذوراً فيها إن كان لا يشعر.
وقسم لا يعذر فيها إن كان يفعلها عمداً.
لكن الصواب عند قراءة القرآن ٣ أحوال: قشعريرة الجلد، ووجل القلب، وذرف العين، هذه هي التي قال الله فيها: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال: ٢]، إلى أن قال: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ [الأنفال: ٤]، هذه المرتبة العليا.
الشيخ: وبعض الفضلاء إذا خطب أو حدث أو وعظ على منبر أو ما أشبه ذلك، فعندما يأتي عند ذكر النار إما يرددها كثيراً أو يصعق أو يرفع صوته أو غير ذلك، وهو حسن النية لكن قلة الفقه مثل: جريج العابد، لو لم يكن يريد الجنة ما ابتنى صومعة وترك الناس وأخذ يعبد الله، لكن قلة فقهه جعلته يرد أمه ٣ مرات بحجة أنه يقيم صلاة نافلة، حتى دعت عليه أمه، فقبل الله دعوتها ثم نجاه الله لعبادته.
لكن القرآن يتلى بهدوء وسكينة ولا حاجة لما يسمى بين قوسين بالصراخ، أو الترداد بعض الأحيان أو حتى الوقوف على أشياء لا يحسن الوقوف عليها.
بعض الناس يخطئ ويقول: إن النبي ﷺ عرج به وهو لابس النعلين وأنه لبس نعليه فوق السموات السبع مع أنه قيل لموسى: ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ [طه: ١٢] وهو في الأرض، فنعل النبي ﷺ فوق السبع السموات، فهو يريد أن يعظم النبي صلى الله عليه وسلم.
ونحن نقول: أما تعظيم النبي ﷺ فهو ثابت لا يحتاج إلى هذا كله، وهذا تكلف ما أنزل الله به من سلطان، ولم ينقل عن النبي ﷺ أنه عرج به ونعلاه في رجليه، بل جاء أنه استيقظ من النوم.
موضوع الشاهد قال الله: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٢٣]، وقال: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة: ٨٣]، وقال: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ [مريم: ٥٨].
فهؤلاء الفضلاء على خير عظيم في نياتهم ومقصدهم في مرادهم لكن من حقهم علينا أن نبين لهم أين الصواب.