معنى إتمام الحج والعمرة
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فقد قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]، إلى آخر الآية.
نبدأ بالحديث عن معنى الإتمام.
الشيخ: باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
قال ربنا وهو أصدق القائلين: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]، والإتمام قد اختلف الناس فيه، فذهب بعضهم إلى أن معنى الإتمام: الإتيان بأفعال الحج كاملة، وهذا هو الظاهر المتبادر إلى الذهن، لكن لا ريب أن الإنسان مطالب بالإتيان بجميع التكاليف الشرعية كاملة، فلا يستفاد على هذا التفسير المتبادر كبير معنى.
وقد اختلف الناس في الإتمام على أقوال: فمنهم من قال إن المعنى أن يتم الإنسان أفعال الحج والعمرة، وكأنهم أرادوا بهذا التفريق بين من نوى نافلة غير الحج والعمرة، ومن نوى نافلة الحج والعمرة، ومعلوم أن من تطوع بنافلة غير الحج والعمرة لا يلزمه الإتمام.
فعلى هذا المعنى يصبح المقصود أن الإنسان إذا حج تطوعاً لا يجوز له الخروج منه.
المعنى الثاني وهو منقول عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقاله ابن عباس وسعيد بن جبير وبعض السلف؛ قالوا: إن المعنى أن تأتي بها من دويرة أهلك، وهؤلاء لا يقولون إن الحج لا يقع إلا من دويرة الأهل؛ لكنهم يقولون إن الإنسان إذا كان قد أخرجه الحج من دويرة أهله، فهذا الذي أتم الحج والعمرة لله، وأما من خرج لغير الحج ثم بدا له أن يحج أو أن يعتمر فيقولون: إن الحج مجزئ وإن العمرة مجزئة، ولا خلاف في قبولها إن شاء الله إن كانت صحيحة مستوفية أركانها وواجباتها؛ لكنهم يقولون: إنه لا يدخل ضمن قول الله: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]، وبتعبير أوضح: ليست في صفاتها المثلى، أو ليست في صورة كمالها.
وإنهم يقولون: إنه لا معنى للآية إلا هذا؛ لأن كل عمل أنت مطالب أن تتمه، ولا بد أن يكون في الآية عندهم زيادة في المعنى؛ لأن الله ما قال: وأتموا الصلاة لله، ولم يقل: وأتموا الزكاة لله، ولم يقل: وأتموا الصيام لله؛ لأنه لا بد أن يكون كل شيء لله، ولا بد أن يكون كل شيء تاماً، لكنهم قصدوا أن تمامها أن تأتي بها من دويرة أهلك.
وهناك معنى ثالث ضعفه كثيراً ممن له معرفة بالصناعة الفقهية، وقد قيل: إنه منقول عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أن معنى قول الله جل وعلا: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: ١٩٧]، مع قول الله: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]، أنه ينبغي أن يكون الحج في أشهر الحج، وأما العمرة فلا تكون في أشهر محدودة، ولكن لا تكون في أشهر الحج، فكان بعضهم يرى أن من تمامها أن يؤتى بها في محرم، وبعضهم ييسر فيقول: الإتمام هو الانفكاك بين إحرامهما، فيحرم بالحج لوحده، ثم يهل بالعمرة من دويرة أهله لوحده، أو يسبق بالعمرة ثم يعود فيهل بالحج، المهم التفريق بينهما، وإن كان المشهور الذي ينسبونه إلى عمر أن تكون العمرة في غير أشهر الحج.
وهذا يمكن أن يجاب عليه يجاب عنه بأن النبي ﷺ اعتمر في أشهر الحج، فقد ثبت أنه اعتمر أربع عمرات كلهن في ذي القعدة، وذو القعدة بالاتفاق من أشهر الحج.
فهذا يرد هذا القول، وإن كان الذي يشكل فعل الشيخين أبي بكر وعمر في أنهما حجا بعد النبي ﷺ مفردين، وكذلك نقل عن عثمان أنه حج مفرداً، ولعل هذا يبين أن علماء الأمة عندما يختلفون لا بد من سبب ظاهر لاختلافهم، فلكل منهم وجهة، ولما حررنا المسألة وجدنا أن لكل منهم ذريعة في قوله وفعله، وهذا مبني على أن الاختلاف في أكثره رحمة، واحترام الرأي المقابل أمر مطلوب، قال الشاطبي في الموافقات: وواجب عند اختلاف الفهم إحسان الظن بأهل العلم.
المقدم: هل يمكن أن يقال: إن الشطر الأول من هذه الآية يحمل على بقيتها: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦]، فيكون الإتمام هو الأصل، فإذا لم يستطع الإنسان الإتمام فإنه في حكم المحصر؟ الشيخ: هذا قول قوي، لكن أقول: إني لا أعلم أحداً قال ذلك.