تعريف عام بما ورد في القرآن من الأعلام
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين وإله الآخرين، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن هذه دروس ستخصص إن شاء الله جل وعلا للحديث عن أعلام القرآن.
والعلم: هو أحد أنواع المعارف الست وأظهرها وأشهرها.
وينقسم إلى ثلاثة أقسام: اسم، ولقب، وكنية، وبكلٍ جاء القرآن، وهذا الكتاب الذي بين أيدينا -كلام الله جل وعلا- ضمنه الله جل وعلا أعلاماً ذكرها في ثنايا هذا الكتاب العظيم، إما مدحاً، وإما ذماً، إما بأسمائها، وإما بألقابها، وإما بكناها.
وقبل أن نشرع في البيان نقول: من المعلوم أن الرب تبارك وتعالى قال على لسان ملائكته: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا * رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ﴾ [مريم: ٦٤ - ٦٥].
ثم قال جل شأنه: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥].
أي: لا أحد مثله جل جلاله، كما قال سبحانه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١].
ولا يطلق لفظ الجلالة على أحد من الخلق، ولم يتسم أحد من الخلق بلفظ الجلالة، قال فرعون: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾ [النازعات: ٢٤]، ولم يقل: أنا الله.
فلفظ الجلالة (الله) لم تطلق إلا على الرب سبحانه وتعالى، لا رب غيره، ولا إله سواه، ولهذا فلن نعرج في دروسنا هذه على التعريف بالرب تبارك وتعالى؛ لأمور: أولها: ما من الله به على المسلمين من العلم به جل وعلا، وإن كان هذا لا يغني؛ فإن معرفة الله من أعظم ما يقرب إليه، لكن نمط الدرس لا يتكلم عن الله جل جلاله، ولا يتكلم عن الأنبياء والمرسلين، رغم أنهم أعلام صالحون، عليهم الصلاة والسلام، فنبينا محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح وإخوانهم جميعاً من النبيين والمرسلين، لن نتحدث عنهم في حديثنا عن أعلام القرآن؛ لأن الحديث عن الله سندرسه عن طريق المتون العقدية.
والحديث عن أنبياء الله ورسله سندرسه عن طريق السيرة، أو قصص المرسلين، وإنما سنعرج على أعلام غير الأنبياء والمرسلين.
فنقول: إن القرآن العظيم تضمن أعلاماً لأقوامٍ صالحين مثل: لقمان، وعزير، وذو القرنين، كأمثلة.
وتضمن أعلاماً لأقوامٍ فاسقين، مثل: قارون، وهامان، وفرعون، على القول: أن الفرعون اسم.
وتضمن أعلاماً لأمكنة: كالمدينة، وعرفات، وبكة، والبيت العتيق، والمشعر الحرام.
وتضمن أعلاماً على أزمنة، قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ﴾ [البقرة: ١٨٥]، فرمضان علم على شهر، وعلى زمان مخصوص.
وتضمن أعلاماً على أصنام، قال جل ذكره: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى﴾ [النجم: ١٩ - ٢٠].
فاللات والعزى ومناة أعلام على أصنام.
وتضمن أعلاماً على معارك، قال الله: ﴿يَوْمَ الْفُرْقَانِ﴾ [الأنفال: ٤١]، وقال جل ذكره: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾ [التوبة: ٢٥].
فهذه بعض أنواع الأعلام في القرآن العظيم، والتي سوف نتحدث عنها إن شاء الله.


الصفحة التالية
Icon