تفسير قوله تعالى: (أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون)
قال تعالى: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ﴾ [القلم: ٤٨] هل الذي تطلبه منهم يعجزون عن أدائه، فأثقلهم ذلك الأجر حتى لا يستطيعوا أن يؤدوه إليك،: ﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ [القلم: ٤٧]، ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ [القلم: ٤٨] أي: اصبر على إيذائهم، اصبر على سخريتهم، اصبر على اضطهادهم، اصبر على حصارك،: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [هود: ٤٩]، يا أصحاب الدعوات اصبروا، فإن مع العسر يسراً، وإن بعد الضيق فرجاً، وقبل الميلاد لابد من ألم الوضع، ومن أراد الورد لابد أن يصاب بشوك الورد.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)، فالابتلاء لابد منه، وطريق الدعوة محفوف بالمكاره، وقال سبحانه: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ [القلم: ٤٨]، وهو يونس بن متى، وقد جاء ذكره في سورة الأنبياء، وفي سورة الصافات، وفي سورة يونس، ولا يظن ظان أنه أفضل من يونس، كما يقول البعض يونس أخطأ في كذا، اعرف قدرك، الزم غرزك، عد إلى رشدك، فأنت تتحدث عن نبي من أنبياء الله، الذين قال الله فيهم: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ [الأنعام: ٩٠]، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لا يقول أحدكم: أنا أفضل من يونس بن متى عليه السلام)، نعم تعجل الخروج، أرسله الله إلى قومه فلما أعرضوا أراد أن يخرج إلى بلد آخر طمعاً في الدعوة، لكن قبل أن يأذن الله، فلما خرج من بين قومه مغاضباً على إعراضهم، وصل إلى شاطئ البحر فركب سفينة، وبينما هي في وسط البحر جاءها موج وريح عاصف واختل توازنها، فقرر من فيها أن يستهموا حتى يلقوا واحداً منهم في البحر؛ لأجل أن ينقذوا الباقين، وهذا أمر مشروع أن نضحي بالبعض لأجل الكل، قال تعالى: ﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾ [الصافات: ١٤١]، أقاموا القرعة، والقرعة معتبرة عندنا وفي شرع من قبلنا، فجاءت القرعة على يونس، نظروا إلى وجه به سمت الصالحين، فأعادوا القرعة فخرجت على يونس، ثم أعادوها فخرجت على يونس، فكان لابد أن ينفذ ما قدر الله، فألقي في البحر، وكان على موعد مع حوت بقدر ربه، فابتلعه الحوت وأصبح في ظلمات ثلاث: ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾ [النور: ٤٠]، سمع يونس تسبيح الحصى في جوف البحر: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٤٤]، فنادى بأعلى صوته وهو في بطن الحوت في ظلام الليل: ﴿لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٧]، فخرج التسبيح من يونس، فقالت الملائكة: يا رب صوت معروف من عبد معروف، قال تعالى: ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ﴾ [الصافات: ١٤٣] أي: في حال الرخاء،: ﴿لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات: ١٤٤]، ونستطيع أن نقول: إن العمل الصالح ينجي صاحبه، والعمل الصالح يفرج الكربات، فإن كنت في ضيق توسل بعملك الصالح.
أوحى الله تعالى إلى الحوت: ألا تأكل له لحماً، ولا تكسر له عظماً، ثم قال الله بعد ذلك: ﴿لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ [القلم: ٤٩]، فلما خرج إلى شاطئ البحر خرج مريضاً، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين، واليقطين: كل شجرة لا ساق لها، يقول ربنا سبحانه: ﴿وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ﴾ [الصافات: ١٤٦]، فلما عادت إليه قوته، أوحى الله إليه: أن عد إلى قومك يا يونس مرة أخرى، فعاد إليهم، فآمنوا جميعاً عن بكرة أبيهم، قال تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ [الصافات: ١٤٧] أي: بل يزيدون، ﴿فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [الصافات: ١٤٨].
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا، اللهم علمنا القرآن وخلقنا به، اللهم ارزقنا حب القرآن، وارزقنا نور القرآن، وارزقنا فهم القرآن، وارزقنا عطاء القرآن، ونور صدورنا بالقرآن، وبارك في أرزاقنا ببركة القرآن، واجعلنا من أهل القرآن.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
اللهم بلغنا رمضان، واغفر لنا فيه الذنوب، واستر لنا فيه العيوب.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وأمنا في بلادنا، وبدلنا بعد خوفنا أمناً، وبعد ضيقنا فرجاً، وبعد عسرنا يسراً.
اللهم فرج كرب المكروبين، وارفع الظلم عن المظلومين، واستجب لعبادك الموحدين، فأنت على كل شيء قدير، وأنت حسبنا ونعم الوكيل.
اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً.
ونعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا ي