تفسير قوله تعالى: (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك)
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وهدانا من ضلال، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، وهو مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه، يقلبها كيف شاء وحسبما أراد.
فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، واللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك.
وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد: فلا زلنا مع تفسير سورة القلم، ولقاؤنا اليوم مع قول ربنا سبحانه: ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ [القلم: ٥١ - ٥٢].
إن هذه الآيات تتحدث عن الإيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم، والمتأمل في مرحلة الإيذاء في الدعوة سواء في العهد المكي أو المدني يجد أن وسائل الإيذاء متعددة ومتطابقة، ولغة الظلم واحدة، فالآية قد جمعت بين نوعين من الإيذاء: الإيذاء البصري بالعين، والإيذاء القولي باللسان، يقول الله تعالى: ﴿لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ﴾ [القلم: ٥١]، فهذا إيذاء بالبصر، ويقول تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ [القلم: ٥١]، وهذا إيذاء باللسان.


الصفحة التالية
Icon