تفسير قوله تعالى: (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية)
﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ﴾ [الحاقة: ٦]، أي: باردة، ﴿عَاتِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٦] أي: شديدة الهبوب، ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ [الحاقة: ٧]، أي: متتابعة، ﴿فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى﴾ [الحاقة: ٧]، قال ابن كثير: كانت الريح ترفع الرجل إلى أعلى ثم تقلبه على رأسه، فيصطدم رأسه بالأرض فيصبح جسده كجذع النخلة التي ليس لها رأس، لذلك ربنا يقول: ﴿فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٧]، أي: جذع نخل خالٍ نتن.
اللهم يا رب العالمين نسألك أن ترسل على اليهود ريحاً، اللهم أرسل عليهم ريحاً تجعلهم كأعجاز نخل منقعر، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ، وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
وبعد: قال تعالى: ﴿وَأَمَّا عَادٌ﴾ [الحاقة: ٦]، أي: قوم هود، ﴿فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٦]، والريح يمكن أن تكون ريح رحمة، ويمكن أن تكون ريح عذاب، وانظر في كتاب بدء الوحي عند البخاري من قول ابن عباس: (كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة في رمضان)، فما وجه الشبه بين جود رسول الله وبين الريح المرسلة؟ قال الحافظ ابن حجر: الريح المرسلة خيرها يعم، فلا يفرق بين أرض وأرض، وكذلك جود النبي محمد ﷺ في رمضان لم يكن يفرق بين غني وفقير، فكان يعطي الجميع عليه الصلاة والسلام، ولذلك ربنا يقول: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا﴾ [الأعراف: ٥٧]، أي: مبشرات، فتأتي بالغيث، وهناك ريح مدمرة، وريح عاصفة، ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ [المدثر: ٣١].
ثم يقول الله عز وجل: ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٨]، أي: لم ينج منهم أحد، فكلهم قد أهلكوا؛ لذلك من سجن ابن تيمية وعذبه في القلعة لا أحد يعرفه؛ لأن الذي يحارب العلم والعلماء لا بد أن تكون له خاتمة سيئة، وأن يندثر فلا يكون له ذكر بين الناس، لكن لا أحد يجهل ابن تيمية، وكذلك لا أحد يعرف الذي جلد ابن حنبل في بغداد، لكن ابن حنبل يوم أن مات شيع جنازته ألف ألف رجل، يعني: مليون، حتى عجزت حمامات مساجد بغداد أن تكفي الناس، ففتح الناس بيوتهم ليتوضأ الجميع، حتى ينالوا شرف الصلاة على ابن حنبل، وهؤلاء هم العلماء، أما الظلمة فقد أراحوا واستراحوا؛ ولذلك قال لهم قبل موته: بيننا وبينكم الجنائز.
وهذا القول هو للظالمين في عصره.