مراتب العلم
مراتب العلم ستة: علم، جهل مركب، جهل بسيط، ظن، وهم، شك.
مثال: سأل سائل فقال: متى كانت غزوة بدر؟ فأجاب آخر: غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة، فهذا نسميه: علماً؛ لأنه أدرك الشيء على حقيقته.
وقال آخر: غزوة بدر كانت في السنة الثالثة للهجرة، فهذا نسميه: جهلاً مركباً؛ لأنه أدرك الشيء على غير حقيقته، وما أكثر الجهل المركب في زماننا هذا، فتجد من يأتي بفتوى ليس لها أصل في الشرع ولا في دين الله، ويصدرها للناس، والآن نحن في سوق مفتوح للفتوى، يقول من شاء ما شاء بغير ضابط ولا رابط، حتى قال أحدهم لمن يصلون التراويح: يكفيكم أن تقرءوا التشهد في الصلاة إلى (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، ثم تسلمون في كل الركعات.
يا هذا أتريد للمصلين أن يصلوا إحدى عشرة ركعة ولا يصلون فيها على النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟! لصالح من هذا؟ يقول ابن قدامة في العدة: ومن ترك واجباً من واجبات الصلاة متعمداً فقد بطلت صلاته، والصلاة على النبي ﷺ واجبة؛ لأن الله يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦].
وآخر يخرج علينا في زمان الفتن والمحن، في زمان وسد فيه الأمر إلى غير أهله، يخرج في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة فيقول: لا بأس بفوائد البنوك، ويجوز أن تعمر بها المساجد.
إن المشركين كان عندهم ورع قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، فقد تعاهدوا على ألا يدخلوا في بيت الله مالاً من حرام، ونحن الآن نجد من يفتي بجواز دخول المال الحرام إلى بيوت الله!! ماذا بعد يا قوم؟ وماذا ننتظر بعد ذلك؟ إذاً: الجهل المركب هو: إدراك الشيء على غير حقيقته، وهذا شأن الملأ الذين كانوا مع العزيز في سورة يوسف: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ [يوسف: ٤٣]، أتدري ما قال الملأ؟ لقد أجابوه لكن بجهل مركب، فقالوا: ﴿أَضْغَاثُ أَحْلامٍ﴾ [يوسف: ٤٤]، أي: هذه ليست رؤيا وإنما حلم من الشيطان، فأجابوا خطأً، ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ﴾ [يوسف: ٤٤]، ولو قالوا له: لا ندري لأفتوه.
وقال آخر: غزوة بدر لا أدري متى وقعت، فهذا نسميه: جهلاً بسيطاً، وثلث العلم (لا أدري)، يقول عمر رضي الله عنه: العلم ثلاثة: آية محكمة، سنة ماضية، لا أدري.
ومن ترك (لا أدري) أصيبت مقاتله، لذلك جاء في سيرة الإمام مالك أنه جاءه رجل من أقصى البلاد يحمل مسائل في جعبته، فسأل الإمام عن أربعين مسألة فأجاب عن أربع، وعن البقية بلا أدري.
وهذا محمد بن واسع من علماء المالكية كان إذا سئل عن الطلاق قال: لا أدري، اذهب إلى غيري، فقيل له: لمَ؟ قال: يا قوم! أخطئ في الفتوى، فيستمتع الرجل بزوجته على الفراش، وأنا أقذف بها في نار جهنم.
فهؤلاء قوم عندهم ورع، فما جعلوا أجسادهم معبراً إلى نار جهنم، أما الآن فنحن نعيش فوضى البعد عن كتاب الله وعدم التأصيل العلمي المنهجي.
والظن أن يقول قائل: غزوة بدر كانت في السنة الثانية للهجرة، واحتمال أن تكون في السنة الثالثة للهجرة، فهو أدرك وقدم الاحتمال الراجح، وأخر الاحتمال المرجوح.
والوهم أن يقول: غزوة بدر كانت في السنة الثالثة للهجرة، واحتمال أن تكون في السنة الثانية للهجرة، فأخر الراجح وقدم المرجوح.
والشك أن يقول: لا أدري، احتمال أن تكون في السنة الثانية أو الثالثة للهجرة، فاستوى عنده الأمران.


الصفحة التالية
Icon