مصير الطغاة والمتكبرين والظلمة في كل زمان ومكان
قوله سبحانه: ﴿فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا﴾ [المزمل: ١٦] أي: أخذاً شديداً، وقصة فرعون درس لكل ظالم، أنه مهما طغى ومهما تجبر ومهما علا صوته ومهما ارتفعت رايته فإن له نهاية، فإن دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، يقول ربنا في سورة النازعات: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى﴾ [النازعات: ١٧ - ٢٠].
رغم وضوح الآيات البينات بين يدي فرعون إلا أنه كما قال الله عنه: ﴿فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى﴾ [النازعات: ٢١ - ٢٥] أخذه الله بقوله: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾ [النازعات: ٢٤] فأغرقه ودمره هو وأتباعه.
والله سبحانه وتعالى جعل فرعون آية لكل ظالم، قال الله سبحانه: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾ [يونس: ٩٢].
وقوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ﴾ [المزمل: ١٧] أي: كيف تدفعون عن أنفسكم ذلك العذاب يوم القيامة؟ ﴿إِنْ كَفَرْتُمْ﴾ [المزمل: ١٧] لأنكم كفرتم به وكذبتم به، فكيف تتقون ذلك اليوم؟ ﴿يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا﴾ [المزمل: ١٧] أي: أن الغلام الصغير يشيب من هوله كما قال سبحانه: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج: ٢]، وفي الحديث عند البخاري ومسلم عن أبي سعيد أن النبي ﷺ قال: (إن الله ينادي يوم القيامة: يا آدم أخرج بعث النار، يقول آدم: وما بعث النار؟ يقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين) أي: أن الناجي واحد، فشق ذلك على أصحاب النبي ﷺ فجثوا على ركبهم وعلاهم الخوف والهلع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم بالنسبة لسائر الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، وإني أسأل الله أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبر القوم، فقال: ثلث أهل الجنة، فكبر القوم، فقال: شطر أهل الجنة)، فأمة خير الأنام محمد ﷺ شطر أهل الجنة بهذا الحديث.


الصفحة التالية
Icon