تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)
قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢]، اللهم نضر وجوهنا يا رب العالمين، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها، فبلغها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع)، فهل تريد لوجهك نضارة في الدنيا والآخرة؟ بلغ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢]، من الحسن والنضارة والبهاء والسرور، وفي سورة عبس: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ﴾ [عبس: ٣٨ - ٣٩].
وفي سورة الغاشية: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ [الغاشية: ٨ - ٩].
وفي سورة آل عمران: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران: ١٠٦]، تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدع والأهواء، تبيض وجوه أهل السنة وأهل التوحيد، وتسود وجوه الفرق الضالة من المعتزلة، والخوارج، والمرجئة، والروافض، والجماعات الحزبية الضالة.
فيوم القيامة تبيض وجوه الذين رضوا بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد ﷺ نبياً ورسولاً.
قال تعالى: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٣]، وهذا الآية فاصلة في إثبات عقيدة أهل السنة في أن الله عز وجل يرى في الآخرة، والخوارج والمعتزلة أنكروا الرؤية.
وهل الله يرى في الدنيا؟
ﷺ لا، وهل تمكن؟ الجواب: نعم، لكن مع عدم تحققها؛ لأن موسى عليه السلام طلبها فقال: ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣]، يقول علماء السلف: لن يطلب موسى ما هو غير ممكن، ولا يطلب إلا ممكناً، لكنه ما وقع، ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف: ١٤٣]، و (لَنْ) هنا للتأبيد الدنيوي وليس التأبيد على الدوام، وقد وقع أقوام في فهم خاطئ لهذه الآية فقالوا: (لَنْ) تفيد عدم الإمكانية في الدنيا والآخرة، فأجاب عليهم الشيخ خليل هراس في شرحه للواسطية رحمه الله، فقال: ولو تأملوا القرآن لوجدوا أن (لن) تفيد التأبيد الدنيوي أحياناً، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا﴾ [البقرة: ٩٥] أي: الموت، وفي الآخرة قال: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ [الزخرف: ٧٧].
إذاً: في الآخرة يتمنون الموت، والآية تقول: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ﴾ [البقرة: ٩٥] فالنفي هنا للدنيا وليس للآخرة، وقد جاءت الأحاديث المتواترة في إثبات الرؤية، يقول علماؤنا: مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتاً واحتسب ورؤية شفاعة والحوض ومسح خفين وهذي بعض أي: مما تواتر من الأحاديث حديث: (من كذب علي متعمداً).
وحديث: (من بنى لله بيتاً ولو كمفحص قطاة).
و (رؤية) يعني: رؤية الله في الآخرة، فإن أحاديثها بلغت حد التواتر، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم عياناً، كما ترون القمر ليلة البدر، لا يحول بينكم وبين رؤيته سحاب، لا تضامون في رؤيته)، يعني: هذا تشبيه الرؤية بالرؤية، كما ترون القمر لا يحول بينكم وبينه شيء، وهو قد اكتمل في ليلة البدر، فسترون ربكم عز وجل، وهذا هو أفضل نعيم لأهل الجنة، ففي حديث مسلم أن النبي ﷺ قال: (يأتي ربنا إلى أهل الجنة فيقول: يا أهل الجنة هل تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: يا ربنا! ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ ألم تنجنا من النار؟ فيكشف رب العالمين الحجاب عن وجهه فينظرون إلى وجهه في يوم المزيد، ثم تلا: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦])، وفسر الزيادة بأنها النظر إلى وجه الله عز وجل.
واسمع إلى استنباط الإمام الشافعي في قوله تعالى في سورة المطففين: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: ١٥]، قال: حجب قوماً بمعصيتهم، وسيراه قوم بطاعتهم.
ولذلك الرؤيا ثابتة في الآخرة، وهي أعظم نعيم أهل الجنة.
وانظروا إلى التأويل الفاسد، وماذا صنع بالأمة، فما ضاعت الأمة إلا بسبب التأويل، فمثلاً: بعض الناس الآن يقولون: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: ٩٩] واليقين ليس الموت، وإنما عندهم اليقين رفع التكاليف الشرعية، فيدخل الواحد منهم إلى حجرته فلا يصلي جمعة ولا جماعة، ولا يصوم؛ لأنه أتاه اليقين، وهذا تأويل فاسد، فانظروا إلى التأويل الفاسد ماذا صنع بالأمة؟! ويقول أحدهم وهو مسئول لجامعة، ينبغي أن تكون هي الجامعة العلمية التي تصدر العلم إلى الدنيا، يقول: ذهب سيدي أحمد الرفاعي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأخرج