اختلاف العلماء أسبابه وآدابه
الحمد لله رب العالمين الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماءٍ مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [فاطر: ٣].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
ثم أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! مع استكمالنا لتفسير أول آية من سورة القلم، وقد بدأنا بفضل العلم والعلماء، والآداب والآفات التي يجب على طالب العلم أن يتحلى بها وأن يتخلى عنها، نستكمل هذه الموضوع الهام بعنوان: اختلاف العلماء أسبابه وآدابه.
المتأمل في الساحة اليوم يجد أن مرضاً خطيراً قد دب في جسدها، ألا وهو تسفيه البعض للبعض إذا ما اختلفوا في حكم شرعي، والتعريض به، بل الولاء والبراء لشخصه، وهذا ليس من دأب سلفنا الصالح.
إن من نعمة الله على هذه الأمة أنها ما اختلفت في أصول دينها، فإن أصولها ثابتة، ومصادرها ثابتة، لم يختلف فيها أحد، وإنما الخلاف وقع في الفرعيات والأحكام الفقهية لأسباب سأبينها بضرب أمثلة لكل سبب، ثم نعقب بالآداب، وهذا هو الأهم بعد معرفة أسباب الخلاف بين العلماء: أن نتعلم آدب الخلاف؛ لأننا الآن إن اختلفنا يمزق بعضنا بعضاً، وهذا ما كان من دأب السلف، كانوا يختلفون، لكن المخالف ما حمل على المخالف له أبداً، وإنما كان يوقره ويقدره، والعلم رحم بين أهله.
إن اعتقاد رأي واحد من آراء الفقهاء، ثم المقاتلة عليه وتسفيه المخالف له والطعن فيه، ليس من هدي السلف على الإطلاق.