منزلة الخلق الحسن في الإسلام
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، ، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [فاطر: ٣]، خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وهدانا من ضلال، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
ثم أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب، لقاؤنا اليوم بحول الله وفضله وتوفيقه مع قول الله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: ٤]، إننا في زمن انهارت فيه كثير من الأخلاقيات، واختلطت فيه الأوراق، ومن ثم ينبغي علينا أن نبين معنى الخلق، لغة واصطلاحاً، ثم نطرح سؤالاً مؤداه: هل الخلق فطري في الإنسان أم مكتسب؟ ثم نبين حسن الخلق مع الخالق، وحسن الخلق مع المخلوق.
لقد جاءت النصوص الشرعية تبين منزلة حسن الخلق، منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق).
(جاء رجل إلى النبي ﷺ من بين يديه وقال: يا رسول الله ما الدين؟ قال: حسن الخلق، فجاء عن يمينه فقال: ما الدين؟ قال: حسن الخلق، فجاء عن يساره وقال: ما الدين؟ قال: حسن الخلق، ثم أتاه من ورائه فقال: يا رسول الله ما الدين؟ فالتفت إليه وقال: أما تفقه).
وآخر يقول: (يا رسول الله أوصني، قال: لا تغضب).
وهو القائل صلى الله عليه وسلم: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض).
وحينما ذكر له امرأة كثيرة الصلاة، كثيرة الصيام، كثيرة التهجد لكنها تؤذي جيرانها قال: (هي في النار).
أحبتي الكرام! لا ثمرة لطاعتنا إن لم تتصف بحسن الخلق، فالصلاة شرعت لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.
والحج شرع قال ربنا فيه: ﴿فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٧].
والزكاة قال الله في شأنها: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: ١٠٣].
ويقول عليه الصلاة والسلام في حق الصيام: (من لم يدع قول الزور أو العمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، لا قيمة لصلاتك، لا قيمة لعبادتك إن لم تتوج بحسن الخلق.
حسن الخلق يا عباد الله الذي انهار في زماننا، هناك صلاة، وحفظ للقرآن، لكن أين الخلق الحسن؟ قال رجل للأحنف بن قيس: إن قلت كلمة ستسمع عشراً، فقال له الأحنف: وأنت إن قلت عشراً فلن تسمع واحدة.
إنه حسن الخلق الذي علمنا إياه نبينا محمد ﷺ الذي قال لقومه الذين آذوه وأخرجوه، وسبوه، ولعنوه، وطردوه: (ما تظنون أني فاعل بكم، قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم قال: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء).
وهو القائل أيضاً: (اعف عن من ظلمك، وصل من قطعك)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.