قال أبو عبيد فمن قرأ هذه القراءة التي قرأ بها عبيد بن عمير ومجاهد وعطاء وكثير عن القراء، منهم أبو عمرو بن العلاء (١) وغيره من أهل البصرة فإنهم يريدون بالنسخ ما نسخه الله عز وجلّ لمحمد- صلّى الله عليه- من اللوح المحفوظ فأنزله عليه. فيصير المنسوخ على هذا التأويل وبهذه القراءة جميع القرآن (٢) يقولون: لأنه نسخ للنبي- صلّى الله عليه- من أم الكتاب فأنزله عليه، ويكون النسأ: ما أخره الله عز وجل وتركه في أم الكتاب فلم ينزله، وكذلك النسأ في التأويل إنما هو التأخير، ومنه قوله عز وجل: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ (٣) هو في التفسير تأخيرهم تحريم المحرّم إلى صفر.
وكذلك حديث النبي- صلّى الله عليه- «من سرّه النسيء في الأجل والمدّ في الرزق فليصل رحمه» (٤).
١١ - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال سمعت عبّاد بن عبّاد المهلبي يحدثه عن يزيد الرّقاشي عن أنس عن النبي- صلّى الله عليه.
قال أبو عبيد: فهذا الذي أراد عطاء (٥) بقوله: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ قال: ما نزل من القرآن، وبقوله: (أو ننسأها) قال نؤخرها.
قال أبو عبيد: وهو مذهب من قرأ بهذه القراءة وتأول هذا التأويل.

(١) أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن العريان بن عبد الله بن الحصين المازني النحوي البصري المقري، أحد الأئمة القراء السبعة. قال في التقريب: ثقة من علماء العربية من الخامسة، مات سنة أربع وخمسين وهو ابن ست وثمانين سنة.
(التهذيب ١٢/ ١٧٨، التقريب ٢/ ٤٥٤).
(٢) كتبت في المخطوط «القراء» وكتب في هامشه صواب ذلك «القرآن» فأعدنا الصواب إلى مكانه في النص.
(٣) التوبة آية (٣٧).
(٤) رواه البخاري في صحيحه بلفظ مقارب ج ٣، كتاب البيوع «باب من أحب البسط في الرزق» ص ٨، ورواه الإمام أحمد في المسند ٥/ ٢٧٩ ط دار الفكر.
(٥) هو عطاء بن أبي رباح.


الصفحة التالية
Icon