عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- فمن وراءه (١) مع أنه في النظر على هذا أصح ولا يكون المتكلم بالفاحشة أعظم جرما من راكبها، ألا ترى أنهم لا يختلفون في العاهر أنه مقبول الشهادة إذا تاب فراميه بها أيسر جرما إذا نزع عما قال وأكذب نفسه، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له وإذا قبل الله عز وجل التوبة من عبده كان العباد بالقبول أولى، مع أن مثل هذا الاستثناء موجود في مواضع من القرآن، من ذلك قوله عز وجل: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ثم قال بعد ذلك: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا (٢) فليس يختلف المسلمون أن هذا الاستثناء ناسخ للآية من أولها وأن التوبة لهؤلاء جميعا بمنزلة واحدة، وكذلك قوله عز وجل في الطهور حين قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ثم قال: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً (٣) فصار التيمم لاحقا بمن وجب عليه الاغتسال كما لحق من وجب عليه الوضوء في سنة النبي- صلّى الله عليه وسلم- حين أمر عمارا (٤) وأبا ذر (٥) بذلك، وعلى هذا المعنى تأول من رأى شهادة القاذف جائزة لأنه كلام واحد بعضه معطوف على بعض وبعضه تابع بعضا، ثم انتظمه الاستثناء وأحاط به.

(١) في المخطوط بلا همز والصواب إثباتها.
(٢) سورة المائدة آية ٣٤.
(٣) سورة النساء آية ٤٣.
(٤) عمار بن ياسر بن عامر بن مالك العنسي، أبو اليقظان، مولي بني مخزوم، صحابي جليل مشهور، من السابقين الأولين، بدري، قتل مع علي بصفّين سنة سبع وثلاثين.
(التقريب ٢/ ٤٨).
(٥) أبو ذر الغفاري: الصحابي المشهور، اسمه جندب بن جنادة على الأصح، تقدم إسلامه وتأخرت هجرته، فلم يشهد بدرا، ومناقبه كثيرة جدا، مات سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان.
(التقريب ٢/ ٤٢٠).


الصفحة التالية
Icon