وإياها تأوّل إلا أنهم اختلفوا في المذهب، فمن أسقط الفدية عن الكبير فإنه رجع إلى أصل الفرض في الصيام، فقال: إنما أوجبه الله عز وجل قبل النسخ على المطيقين دون غيرهم وخيّرهم بين أن يصوموا أو يطعموا، فقال عز وجل: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ثم نسخ الفدية عنهم وألزمهم الصّوم حتما، وسكت عمن لا يطيق فلم يذكره في الآية فصار فرض الصيام زائلا عنهم كما زال فرض الزكاة والحج عن المعدمين الذين لا يجدون إليهما سبيلا فهذه حجتهم. وأبى الآخرون ذلك، فذهبوا فيما نرى إلى أن الزكاة والحج لا يشبهان الصيام فرّق بينهما الكتاب والسنة وذلك أن الله عز وجل جعل من الصوم بدلا أوجبه على كل من حال بينه وبين الصيام وهو الفدية كما جعل التيمم بدلا من الطهور واجبا على كل من أعوزه (١) الماء، وكما جعل الإيماء بدلا من الركوع والسجود على من لم يقدر عليهما ولم يجعل من الزكاة والحج بدلا على من لم يجد إليهما سبيلا، فهذا هو الحد المفرق بين الحكمين، وإلى هذا القول كان يذهب من ذكرنا من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في إيجاب الفدية على الشيخ والشيخة وبهذا كان يأخذ سفيان وأهل العراق يرون الفدية واجبة على الكبير، إلا أنهم قالوا: لكل يوم نصف صاع، وقال الآخرون: يجزيه المدّ من ذلك، فهذه الطائفة الثالثة. وأما الرابعة: فالحوامل والمراضع وفيهن اختلف الناس قديما وحديثا، فقال بعضهم: إذا ضعفن عن الصيام وخافت إحداهن على نفسها أو ولدها أفطرت وأطعمت كل يوم مسكينا، فإذا فطمت ولدها قضته، فأوجبوا عليهما الإطعام والقضاء جميعا، وقال بعضهم: عليهما الإطعام ولا قضاء، وقال آخرون: بل عليهما (٢) القضاء ولا إطعام، وممن رأى الإطعام مع القضاء ابن عمر ومجاهد.
١٠٦ - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن أبي مريم (٣)

(١) أعوزه: من العوز بالفتح: العدم وسوء الحال.
النهاية ٣/ ٣٢٠. قلت: أعوزه الماء أصبح معدوما لديه.
(٢) في المخطوط (عليهم) والصواب التثنية.
(٣) هو سعيد بن أبي مريم الجمحي.


الصفحة التالية
Icon