﴿هي مواقيت﴾ جمع ميقات أي: معالم ﴿للناس﴾ يعلمون بها أوقات زرعهم ومتاجرهم ومحال ديونهم وصيامهم وإفطارهم وعدد نسائهم وأيام حيضهنّ ومدّة حملهنّ وغير ذلك.
وقوله تعالى: ﴿والحج﴾ عطف على الناس أي: يعلمون بها وقته أداء وقضاء، هذه هي الحكمة الظاهرة في ذلك، ولهذا خالف بين الأهلة وبين الشمس فلو استمرّت الأهلة على حالة لم يعرف حال ما ذكر، ولما كان الناس في الجاهلية وفي أوّل الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج أو العمرة لم يدخل حائطاً ولا بيتاً ولا داراً من بابه فإن كان من أهل المدر نقب نقباً في ظهر بيته ويدخل منه ويخرج، أو يتخذ سلماً فيه فيصعد منه، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط، ولا يدخل ولا يخرج من الباب حتى يحل من إحرامه ويرون ذلك براً، إلا أن يكون من الحمس وهم: قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وبنو عامر بن صعصعة، وبنو نضر بن معاوية، سموا حمساً لشدّتهم في دينهم، والحماسة: الشدّة والصلاة، فدخل رسول الله ﷺ ذات يوم بيتاً لبعض الأنصار فدخل رجل من الأنصار يقال له رفاعة بن تابوت على أثره من الباب وهو محرم فأنكروا عليه، فقال له رسول الله ﷺ «لم دخلت من الباب وأنت محرم؟» قال: رأيتك دخلت فدخلت على أثرك فقال له رسول الله ﷺ «فإني أحمس» فقال الرجل: فإن كنت أحمس فإني أحمس رضيت بهداك وبسمتك ودينك فأنزل الله تعالى ﴿وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البر﴾ أي: ذا البر ﴿من اتقى﴾ الله، بترك مخالفته، ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنهم سألوا عن الحكمة في اختلال حال القمر وعن حكم دخولهم بيوتهم من غير أبوابها أو أنه تعالى لما ذكر أنها مواقيت الحج، وهذا أيضاً من أفعالهم في الحج ذكره للاستطراد، وأنهم لما سألوا عما لا يعنيهم ولا يتعلق بعلم النبوّة وتركوا السؤال عما يعنيهم وهو معرفة الحلال والحرام، ويختص بعلم النبوّة، عقب بذكره جواب ما سألوه تنبيهاً على أنّ اللائق بهم أن يسألوا عن أمثال ذلك، ويهتموا بالعلم بها، أو على أنّ المراد به التنبيه على تعكيسهم السؤال وتمثيلهم بحال من ترك باب البيت،
ودخل من ورائه، والمعنى وليس البرّ أن تعكسوا في مسائلكم ولكن من اتقى ذلك ولم يجسر على مثله.
﴿وائتوا البيوت من أبوابها﴾ في الإحرام كغيره؛ إذ ليس في العدول برأ، وباشروا الأمور من وجوهها التي يجب أن تباشر عليها والمراد توطين النفوس وربط القلوب على أنّ جميع أفعال الله تعالى حكم وصواب من غير اختلاج شبهة، ولا اعتراض شك في ذلك حتى لا يسأل عنه كما في السؤال من الاتهام بمقارنة الشك لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
﴿واتقوا الله﴾ في تغيير الأحكام ﴿لعلكم تفلحون﴾ لكي تفوزوا بالهدى والبرّ، وقرأ ورش وأبو عمرو وحفص البيُوت بضمّ الباء حيث جاء معرفاً كان أو منكراً، وكسرها الباقون، ولا خلاف في وليس البرّ هنا، أنّ الراء مرفوعة للجميع، وقرأ نافع وابن عامر: ولكن بكسر النون مخففة ورفع الراء، والباقون بفتح النون مشدّدة ونصب الراء، ولما صدّ المشركون رسول الله ﷺ عن البيت عام الحديبية، وذلك أنّ رسول الله ﷺ خرج مع أصحابه للعمرة، وكانوا ألفاً وأربعمائة فساروا حتى نزلوا الحديبية فصدهم المشركون
أخاه عنده فرد الحكم إليهم ليتمكن من حبسه عنده على حكمهم ﴿كذلك﴾، أي: الجزاء ﴿نجزي الظالمين﴾ بالسرقة، قال أصحاب يوسف: فلا بد من تفتيش رحالكم، فردوهم إلى يوسف عليه السلام فأمر بتفتيشها بين يديه.
﴿فبدأ بأوعيتهم﴾ ففتشها ﴿قبل وعاء أخيه﴾ لئلا يتهم فلم يجد فيها شيئاً ﴿ثم﴾، أي: بعد تفتيش أوعيتهم والتأني في ذلك ﴿استخرجها﴾، أي: السقاية أو الصاع؛ لأنه يذكر ويؤنث ﴿من وعاء أخيه﴾ فلما خرج الصاع من وعاء بنيامين نكس أخوته رؤوسهم من الحياء، وأقبلوا على بنيامين يلومونه ويقولون: له إيش الذي صنعت فضحتنا وسوّدت وجوهنا يا ابن راحيل مازال لنا منكم بلاء حتى أخذت هذا الصاع. فقال بنيامين: بل بنوا راحيل مازال لهم منكم بلاء ذهبتم بأخي فاهلكتموه في البرية إنّ الذي وضع هذا الصاع في رحلي هو الذي وضع البضاعة في رحالكم، فأخذ بنيامين رقيقاً.
وقيل: إنّ المنادي وأصحابه هم الذين تولوا تفتيش رحالهم وهم الذين استخرجوا الصاع من رحله فأخذوه برقبته وردّوه إلى يوسف عليه السلام. تنبيه: هاهنا همزتان مختلفتان من كلمتين قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بإبدال الثانية ياء، والباقون بالتحقيق. ﴿كذلك﴾، أي: مثل ذلك الكيد ﴿كدنا ليوسف﴾ خاصة بأنّ علمناه إياه جزاء لهم على كيدهم بيوسف عليه السلام في الابتداء، وقد قال يعقوب ليوسف عليهما السلام: ﴿فيكيدوا لك كيداً﴾ (يوسف، ٥) والكيد من الخلق الحيلة، ومن الله تعالى التدبير بالحق، فالمراد من هذا الكيد هو أنّ الله تعالى ألقى في قلب إخوته بأن حكموا أنّ جزاء السارق هو أن يسترق لا جرم لما ظهر الصاع في رحله حكموا عليه بالاسترقاق، وصار ذلك سبباً لتمكن يوسف عليه السلام من إمساك أخيه عند نفسه. ولما كان الكيد يشعر بالحيلة والخديعة، وهو في حق الله تعالى محال حمل على الغاية، ونهايته هنا إلقاء الإنسان من حيث لا يشعر في أمر مكروه لا سبيل له إلى دفعه، فالكيد في حق الله تعالى محال على هذا المعنى، وقيل: المراد بالكيد هاهنا إنّ أخوة يوسف سعوا في إبطال أمره، والله تعالى نصره وقوّاه وأعلى أمره وقوله تعالى: ﴿ما كان﴾، أي: يوسف ﴿ليأخذ أخاه في دين الملك﴾، أي: حكمه بيان للكيد؛ لأنّ جزاءه كان عنده الضرب وتغريم مثلي ما أخذ لا أنه يستبعد، وقوله تعالى: ﴿إلا أن يشاء الله﴾ فيه وجهان:
أحدهما: أنه استثناء منقطع تقديره: ولكن بمشيئة الله أخذه في دين الملك، وهو دين آل يعقوب عليه السلام إنّ الاسترقاق جزاء السارق.
والثاني: أنه مفرغ من الأحوال العامّة والتقدير ما كان ليأخذه في كل حال إلا في حال التباسه بمشيئة الله، أي إذنه في ذلك. ولما كان يوسف عليه السلام إنما تمكن من ذلك بعلو درجته وتمكنه ورفعته بعدما كان فيه عندهم من الصغار كان ذلك محل عجب فقال تعالى التفاتاً إلى مقام التكلم: ﴿نرفع درجات من نشاء﴾، أي: بالعلم كما رفعنا درجته، وكان الأصل درجاته ولكنه عمم؛ لأنه أدل على العظمة، فكان أليق بمظهرها، وفي هذه الآية دليل على أنّ العلم أشرف المقامات وأعلى الدرجات؛ لأنّ الله تعالى لما هدى يوسف عليه السلام إلى هذه الحيلة مدحه لأجل ذلك ورفع درجته على إخوته، ووصف إبراهيم عليه السلام بقوله تعالى: ﴿نرفع درجات من نشاء﴾ عندما حكى عنه دلائل التوحيد والبراءة
بالعفو عن العقاب أتم البشرى بالامتنان بالثواب فقال عاطفاً على ما تقديره ولنثبتنّ لهم حسناتهم ﴿ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون﴾ أي: أحسن جزاء ما عملوه وهو الصالحات، وأحسن نصب بنزع الخافض وهو الباء، ولما كان من جملة العمل الصالح الإحسان إلى الوالدين ذكر ذلك بقوله تعالى:
﴿ووصينا الإنسان بوالديه﴾ أي: وإن عليا ﴿حسناً﴾ أي: برّاً بهما وعطفاً عليهما أي: وصيناه بإيتاء والديه حسناً أو بإيلاء والديه حسناً لأنهما سبب وجود الولد وسبب بقائه بالتربية المعتادة والله تعالى سبب له في الحقيقة بالإرادة وسبب بقائه بالإعادة للسعادة فهو أولى بأن يحسن العبد حاله معه، فيطيعهما ما لم يأمراه بمعصية الله تعالى كما قال: تعالى: ﴿وإن جاهداك لتشرك بي﴾ وقوله تعالى ﴿ما ليس لك به علم﴾ أي: لا علم لك بإلهيته موافق للواقع فلا مفهوم له أو أنه إذا كان لا يجوز أن يتبع فيما لا يعلم صحته فبالأولى أن لا يتبع فيما يعلم بطلانه ﴿فلا تطعهما﴾ في ذلك كما جاء في الحديث: «لا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى» ولا بد من إضمار القول إن لم يضمر قبل، ثم علل ذلك بقوله تعالى: ﴿إليّ مرجعكم﴾ أي: من آمن منكم ومن كفر ومن برّ والديه ومن عق، ثم تسبب عنه قوله تعالى: ﴿فأنبئكم بما كنتم تعلمون﴾ أي: أخبركم بصالح أعمالكم وسيئها فأجازيكم عليها نزلت هذه الآية في سعد بن أبي وقاص الزهري وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس: «روي أنها لما سمعت بإسلامه قالت له: يا سعد بلغني أنك قد صبأت فوالله لا يظلني سقف بيت من الضِّح ـ وهو بكسر الضاد المعجمة وبحاء مهملة الشمس ـ والريح، وإن الطعام والشراب عليّ حرام حتى تكفر بمحمد وكان أحب أولادها إليها فأبى سعد ولبثت ثلاثة أيام لا تنتقل من الضح ولا تأكل ولا تشرب فلم يطعها سعد بل قال: والله لو كانت مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما كفرت بمحمد ﷺ ثم جاء سعد إلى النبيّ ﷺ وشكا إليه فنزلت هذه الآية وهي التي في لقمان والتي في الأحقاف فأمره ﷺ «أنْ يداريها ويترضاها بالإحسان».
وروي أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي وذلك أنه هاجر مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما مترافقين حتى نزلا المدينة فخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام أخواه لأمّه أسماء بنت مخرمة امرأة من بني تميم بن حنظلة فنزلا بعياش وقالا له: إنّ من دين محمد صلة الأرحام وبرّ الوالدين وقد تركت أمك لا تأكل ولا تشرب ولا تأوي بيتاً حتى تراك وهي أشد حباً لك منا فاستشار عمر فقال: هما يخدعانك ولك عليّ أن أقسم مالي بيني وبينك فما زالا به حتى أطاعهما وعصى عمر فقال عمر: أمّا إذا عصيتني فخذ ناقتي فليس في الدنيا بعير يلحقها فإن رابك منهما ريب فارجع فلما انتهوا إلى البيداء قال أبو جهل: إن ناقتي قد كلت فاحملني معك قال: نعم فنزل ليوطئ لنفسه وله فأخذاه وشدّاه وأوثقاه وجلده كل واحد منهما مائة جلدة وذهبا به إلى أمه فقالت: لا تزال في عذاب حتى ترجع عن دين محمد فنزلت رضي تعالى الله عنه وأرضاه ونفعنا به في الدنيا والآخرة، ولما كان التقدير فالذين أشركوا وعملوا السيئات لندخلنهم في المفسدين ولكنه طواه لدلالة السياق عليه عطف عليه زيادة في الحث على الإحسان إلى الوالدين قوله تعالى:
﴿والذين آمنوا وعملوا﴾ تحقيقاً لإيمانهم ﴿الصالحات لندخلهم في الصالحين﴾ أي: الأنبياء والأولياء بأن نحشرهم معهم، أو ندخلهم وهم
في الصلوات فيكون لكلّ عرجة نزلة فرأى ربه في بعضها.
وروي عن ابن عباس أنّ النبيّ ﷺ رأى ربه بفؤاده مرتين وعنه أنه رأى ربه بعينه وعلى أنّ المرئي هو الله تعالى فيكون قوله تعالى: ﴿عند سدرة المنتهى﴾ ظرفاً للرائي كما إذا قال القائل رأيت الهلال فيقال له: أين رأيته فيقول: على السطح، وقد يقول: عند الشجرة الفلانية، وأمّا قول من قال: بأنّ الله تعالى في مكان فذلك باطل، وإن قيل: بأنّ المرئي جبريل عليه السلام فظاهر.
الآية بأنه لا يلزم من الرؤية وجود الكلام حال الرؤية فيجوز وجود الرؤية من غير كلام، وبأنه عام مخصوص بما تقدّم من الأدلة.
وأمّا قوله ﷺ «نور أنّى أراه» فقال الماوردي: الضمير في أراه عائد إلى الله تعالى ومعناه: إنه خالق النور المانع من رؤيته أي رؤية إحاطة كما مرّ إذ من المستحيل أن تكون ذات الله نوراً إذ النور من جملة الأجسام والله تعالى منزه عن ذلك فإن قيل: هلا قيل أفتمارونه على ما رأى بصيغة الماضي لأنهم إنما جادلوه حين أسري به فقالوا: صف لنا بيت المقدس وأخبرنا عن عيرنا في الطريق وغير ذلك مما جادلوه به وما الحكمة في إبرازه بصيغة المضارع أجيب: بأنّ التقدير أفتمارونه على ما يرى فكيف وهو قد رآه في السماء فماذا تقولون فيه.
والواو في قوله تعالى: ﴿ولقد رآه﴾ يحتمل أن تكون عاطفة ويحتمل أن تكون للحال أي: كيف تجادلونه فيما رآه وهو قد رآه ﴿نزلة أخرى﴾ على وجه لا شك فيه.
تنبيه: قوله تعالى: ﴿نزلة﴾ فعلة من النزول كجلسة من الجلوس فلا بدّ من نزول، واختلفوا في ذلك النزول. وفيه وجوه:
الأوّل: أنّ الضمير في رآه عائد إلى جبريل أي رأى جبريل نزلة أخرى أي رأى جبريل في صورته التي خلق عليها نازلاً من السماء مرّة أخرى وذلك أنه رآه في صورته مرتين مرة في الأرض ومرّة في السماء ﴿عند سدرة المنتهى﴾ قال الرازي: ويحتمل أن تكون النزلة لمحمد صلى الله عليه وسلم
الثاني: أن الضمير عائد إلى الله تعالى أي رأى الله نزلة أخرى، وهذا قول من قال في قوله تعالى: ﴿ما كذب الفؤاد ما رأى﴾ هو الله تعالى وقد قيل: إنّ النبي ﷺ رأى ربه بقلبه مرتين وعلى هذا ففي النزول وجهان: أحدهما: قول من يجوز على الله الحركة من غير تشبيه. وثانيهما: أنّ نزوله بمعنى القرب بالرحمة والفضل، الثالث: أن محمداً رأى الله تعالى نزلة أخرى والمراد من النزلة: ضدّها وهي العرجة كأنه قال: رآه عرجة أخرى قال ابن عباس: نزلة أخرى هو أنه كان للنبيّ ﷺ عرجات في تلك الليلة لمسألة التخفيف في الصلوات فيكون لكلّ عرجة نزلة فرأى ربه في بعضها.
وروي عن ابن عباس أنّ النبيّ ﷺ رأى ربه بفؤاده مرتين وعنه أنه رأى ربه بعينه وعلى أنّ المرئي هو الله تعالى فيكون قوله تعالى: ﴿عند سدرة المنتهى﴾ ظرفاً للرائي كما إذا قال القائل رأيت الهلال فيقال له: أين رأيته فيقول: على السطح، وقد يقول: عند الشجرة الفلانية، وأمّا قول من قال: بأنّ الله تعالى في مكان فذلك باطل، وإن قيل: بأنّ المرئي جبريل عليه السلام فظاهر.
تنبيه: إضافة السدرة إلى المنتهى تحتمل وجوهاً:
أحدها: إضافة الشيء إلى مكانه كقولك أشجار بلدة كذا، فالمنتهى حينئذ موضع لا يتعدّاه ملك، قال هلال بن كيسان: سأل ابن عباس كعباً عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال كعب: إنها سدرة في أصل العرش على رؤوس حملة العرش وإليها ينتهي علم الخلائق، وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله تعالى، وقيل: ينتهي إليها ما هبط من فوقها ويصعد من تحتها، وقال كعب: تنتهي إليها الملائكة والأنبياء، وقال الربيع: تنتهي إليها أرواح المؤمنين.
وثانيها: إضافة الملك إلى مالكه كقولك: دار زيد وشجر زيد وحينئذ المنتهى فيه محذوف تقديره سدرة المنتهى إليه قال الله تعالى: ﴿إلى ربك المنتهى﴾ (النجم: ٤٢)
فالمنتهى إليه هو الله تعالى وإضافة السدرة إليه حينئذ كإضافة البيت إليه للتشريف والعظيم، كما يقال في التسبيح يا غاية رغبتاه ويا منتهى أملاه.
وثالثها: إضافة المحل إلى الحال فيه كقولك كتاب الفقه وعلى هذا فالتقدير سدرة عندها منتهى العلوم فتتلقى هناك.
قال البقاعي: وذلك والله أعلم ليلة الإسراء في السنة الثالثة عشرة من النبوّة قبل الهجرة بقليل بعد أن ترقى في معارج الكمالات من السنين على عدد السموات وما بينها من المسافات فانتهى إلى منتهى سمع فيه صرير الأقلام.
وعظمها بقوله تعالى: ﴿عندها﴾ أي: السدرة ﴿جنة المأوى﴾ أي: التي لا مأوى في الحقيقة غيرها وهي الجنة التي وعدها المتقون كقوله تعالى: ﴿دار المقامة﴾ (فاطر: ٣٥)
وقيل هي جنة أخرى عندها تكون أرواح الشهداء تأوي إليها وقيل هي جنة الملائكة.
وقوله تعالى: ﴿إذ﴾ معمول لرأى أي: رأى من آيات ربه الكبرى حين ﴿يغشى السدرة﴾ وهي شجرة النبق وقوله تعالى: ﴿ما يغشى﴾ تعظيم وتكثير لما يغشاها واختلفوا فيما يغشاها فقيل: فراش أو جراد من ذهب وهو قول ابن عباس وابن مسعود والضحاك قال الرازي: وهذا ضعيف لأنّ ذلك لا يثبت إلا بدليل سمعي، فإن صح فيه خبر وإلا فلا وجه له ا. هـ. قال القرطبي ورواه ابن مسعود وابن عباس مرفوعاً إلى النبيّ ﷺ وقال أيضاً عن النبيّ ﷺ إنه قال «رأيت السدرة يغشاها فراش من ذهب، ورأيت على كلّ ورقة ملكاً قائماً يسبح الله تعالى وذلك قوله عز من قائل: ﴿إذ يغشى السدرة ما يغشى﴾ » وقيل: ملائكة تغشاها كأنهم طيور يرتقون إليها متشوقين متبركين بها زائرين كما يزور الناس الكعبة وروي في حديث المعراج عن أنس أنّ رسول الله ﷺ قال: «ذهب بي إلى سدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كقلال هجر قال: فلما غشيها من أمر الله تعالى ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله تعالى يقدر أن ينعتها من حسنها، فأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة».
وقيل: يغشاها أنوار الله تعالى، لأنّ النبيّ ﷺ لما وصل إليها تجلى ربه لها كما تجلى للجبل