سمات الحوادث وعلى ذلك مضت أئمة السلف وعلماء السنة انتهى.
وأما أئمة الخلف فإنهم يؤوّلون هذه الآية بنحو ما أوّلنا به وأمثالها، بحسب المقام وهو أحكم، ومذهب السلف أسلم، وكان مكحول ومالك والليث وأحمد يقولون في هذا وأمثاله: أمرّوها كما جاءت بلا كيف.
﴿وقضي الأمر﴾ أي: أمر هلاكهم وفرغ منهم ووضع الماضي موضع المستقبل لدنوّه وتيقن وقوعه ﴿وإلى الله ترجع الأمور﴾ في الآخرة فيجازيهم، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح التاء وكسر الجيم، والباقون بضمّ التاء وفتح الجيم وقوله تعالى:
﴿س٢ش٢١١/ش٢١٤ سَلْ بَنِى؟ إِسْرَا؟ءِيلَ كَمْءَاتَيْنَاهُم مِّنْءَايَة؟ بَيِّنَةٍ؟ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن؟ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا؟ الْحياةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَءَامَنُوا؟ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا؟ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّ؟نَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا؟ فِيهِ؟ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِs الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن؟ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيَ؟ابَيْنَهُمْ؟ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَءَامَنُوا؟ لِمَا اخْتَلَفُوا؟ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ؟؟ وَاللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا؟ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا؟ مِن قَبْلِكُم؟ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُوا؟ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَءَامَنُوا؟ مَعَهُ؟ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ؟ أَ؟ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾
﴿سل﴾ أمر للرسول أو لكل أحد ﴿بني إسرائيل﴾ توبيخاً ﴿كم آتيناهم﴾ كم استفهامية معلقة سل عن المفعول الثاني وهي ثاني مفعولي آتيناهم ومميزها ﴿من آية﴾ أي: معجزة ﴿بينة﴾ أي: ظاهرة في الدلالة على صدق من جاء بها كقلب العصا حية، وإبراء الأكمه والأبرص وفلق البحر وإنزل المنّ والسلوى فبدّلوها كفراً.
﴿ومن يبدّل نعمة الله﴾ أي: ما أنعم به عليه من الآيات لأنها سبب الهداية التي هي أجل النعم كفراً ﴿من بعدما جاءته﴾ أي: وصلته وتمكن من معرفتها ﴿فإنّ الله شديد العقاب﴾ فيعاقبه أشدّ عقوبة لأنه ارتكب أشدّ جريمة وهي التبديل.
﴿زين للذين كفروا الحياة الدنيا﴾ أي: حسنت في أعينهم وأشربت محبتها في قلوبهم، حتى تهالكوا عليها، وأعرضوا عن غيرها، والمزين في الحقيقة هو الله تعالى، إذ ما من شيء إلا وهو فاعله، وكل من الشيطان والقوّة الحيوانية، وما خلق الله فيها من الأمور البهيمية والأشياء الشهية مزين بالعرض، واختلف في سبب نزول هذه الآية فقيل: نزلت في مشركي العرب أبي جهل وأصحابه وكانوا يتنعمون بما بسط لهم في الدنيا من المال ويكذبون بالمعاد ﴿ويسخرون من الذين آمنوا﴾ أي: يستهزئون بالفقراء من المؤمنين قال ابن عباس: أراد بالذين آمنوا عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وصهيباً وبلالاً وخباباً وأمثالهم، وقال قتادة: نزلت في المنافقين عبد الله بن أبيّ وأصحابه كانوا يتنعمون في الدنيا، ويسخرون من ضعفاء المؤمنين وفقراء المهاجرين ويقولون: انظروا إلى هؤلاء الذين يزعم محمد أنه يغلب بهم، وقال عطاء: نزلت في رؤساء اليهود من بني قريظة والنضير وقينقاع سخروا من فقراء المهاجرين فوعدهم الله أن يعطيهم أموال بني قريظة والنضير بغير قتال.
﴿والذين اتقوا﴾ أي: الشرك وهم هؤلاء الفقراء ﴿فوقهم يوم القيامة﴾ لأنهم في أعلى عليين وهم في أسفل السافلين، أو حالهم غالبة لحالهم؛ لأنهم في كرامة وهم في هوان أو هم غالبون عليهم متطاولون يضحكون منهم، كما يتطاول هؤلاء عليهم في الدنيا، ويرون الفضل لهم عليهم، فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون.
روي عن أسامة بن زيد أنه قال: قال رسول الله ﷺ «وقفت على باب الجنة فرأيت أكثر أهلها المساكين، ووقفت على باب النار فرأيت أكثر أهلها النساء، وإذا أهل الجدّ محبوسون إلا من كان منهم من أهل النار فقد أمر به إلى النار».
وروي عن سهل سعد الساعدي أنه قال: مرّ رجل على رسول الله ﷺ فقال لرجل عنده جالس: «ما رأيك في هذا؟» قال رجل من أشراف الناس: هذا والله حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع قال: فسكت رسول الله ﷺ ثم مرّ رجل آخر فقال له رسول الله ﷺ «ما رأيك في هذا؟» فقال: يا رسول
العبادة، وكان ذلك جائزاً في الأمم السالفة، فنسخت في هذه الشريعة، وروي عن ابن عباس أنه قال: معناه خرّوا لله سجداً بين يدي يوسف عليه السلام، فيكون سجود شكر لله لأجل وجدان يوسف، ويدل عليه قوله تعالى ﴿ورفع أبويه على العرش وخرّوا له سجداً﴾ وذلك يشعر بأنهم صعدوا على السرير، ثم سجدوا لله تعالى، ولو أنهم سجدوا ليوسف لسجدوا له قبل الصعود على السرير؛ لأنّ ذلك أدخل في التواضع.
فإن قيل: هذا التأويل لا يطابق قول يوسف عليه السلام ﴿وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل﴾ والمراد منه قوله ﴿إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين﴾ (يوسف، ٤) أي: رأيتهم ساجدين لأجلي، أي: أنهم سجدوا لله لطلب مصلحتي والسعي في إعلاء منصبي، وإذا كان هذا محتملاً سقط السؤال قال الرازيّ: وعندي أنّ هذا التأويل متعين؛ لأنه يبعد من عقل يوسف ودينه أن يرضى بأن يسجد له أبوه مع سابقته في حقوق الولادة والشيخوخة والعلم والدين وكمال النبوّة أو أنهم جعلوا يوسف كالقبلة وسجدوا شكراً لنعمة وجدانه، فإنه يقال: صليت للكعبة كما يقال: صليت إلى الكعبة. /
قال حسان:
*ما كنت أعرف أنّ الأمر منصرف
... عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن
*أليس أوّل من صلى لقبلتكم
... وأعرف الناس بالآثار والسنن
ثم استأنف يوسف عليه السلام فقال ﴿قد جعلها ربي﴾، أي: الذي رباني بما أوصلني إليها ﴿حقاً﴾، أي: مطابقة للواقع لتأويلها وتأويل ما أخبرتني به أنت، والتأويل تفسير ما يؤول إليه معنى الكلام، وعن سلمان رضي الله تعالى عنه أنّ ما بين رؤياه وتأويلها أربعون سنة. وعن الحسن: أنه ألقي في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وبقي في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة، ثم وصل إلى أبيه وأقاربه وعاش بعد ذلك ثلاثاً وعشرين سنة، فكان عمره وعشرين سنة ﴿وقد أحسن﴾، أي: أوقع إحسانه ﴿بي﴾ تصديقاً لما بشرتني به من إتمام النعمة، وتعدية أحسن بالباء أدل على القرب من التعدية بإلى، وإن كان أصل أحسن أن يتعدّى بإلى كما قال تعالى: ﴿وأحسن كما أحسن الله إليك﴾ (القصص، ٧٧) وقيل: ضمن معنى لطف فتعدّى بالباء كقوله تعالى: ﴿وبالوالدين إحساناً﴾ (البقرة، ٨٣) وقال: ﴿إذ أخرجني من السجن﴾ ولم يذكر إخراجه من الجب لوجوه: أوّلها: أنه قال لإخوته: ﴿لا تثريب عليكم اليوم﴾ (يوسف، ٩٢) ولو ذكر واقعة الجب لكان ذلك تثريباً لهم فكان إهماله جارياً مجرى الكرم.
ثانيها: أنه لما خرج من الجب لم يصر ملكاً بل صيروه عبداً، وإنما صار ملكاً بعد إخراجه من السجن، فكان هذا الإخراج أقرب من أن يكون إنعاماً كاملاً. ثالثها: أنه لما خرج من الجب وقع في المضارّ الحاصلة بسبب تهمة المرأة ولما خرج من السجن وصل إلى أبيه وإخوته، فكان هذا أقرب إلى المنفعة مع أنّ اللفظ محتمل للجب أيضاً لكنه احتمال خفيّ، ولما كان يعقوب وولده بأرض كنعان وتحوّل إلى بدو قال ابن عباس: ومنه قدم على يوسف قال يوسف عليه السلام: ﴿وجاء بكم من البدو﴾، أي: من أطراف بادية فلسطين وذلك من أكبر النعم، كما جاء في الحديث: «من يرد الله به خيراً ينقله من البادية إلى الحاضرة» والبدو ضدّ الحاضرة، وهو من الظهور يقال: بدا يبدو إذا سكن في البادية، يروى عن عمر: إذا بدونا جفونا، أي: تخلقنا بأخلاق البدويين قال الواحدي: البدو بسط من الأرض يظهر فيه
وأرسلهم مبشرين ومنذرين كما قال تعالى:
﴿ولما جاءت﴾ وأسقط أن لأنه لم يتصل القول بأوّل المجيء بل كان قبله السلام والضيافة وعظم الرسل بقوله تعالى: ﴿رسلنا﴾ أي: من الملائكة تعظيماً لهم في أنفسهم ﴿إبراهيم بالبشرى﴾ أي: بإسحاق ولداً له ويعقوب ولداً لإسحاق عليهما السلام.
﴿قالوا﴾ أي: الرسل عليهم السلام لإبراهيم عليه السلام بعد أن بشروه وتوجهوا نحو سدوم ﴿إنا مهلكوا أهل هذه القرية﴾ أي: قرية سدوم، والإضافة لفظية لأنّ المعنى على الاستقبال، ثم عللوا ذلك بقولهم: ﴿إنّ أهلها كانوا ظالمين﴾ أي: غريقين في هذا الوصف فلا حيلة في رجوعهم عنه، فإن قيل قال تعالى في قوم نوح: ﴿فأخذهم الطوفان وهم ظالمون﴾ (العنكبوت، ١٤) ففي ذلك إشارة إلى أنهم كانوا على ظلمهم حين أخذهم ولم يقل فأخذهم وكانوا ظالمين وهنا قال: ﴿إنّ أهلها كانوا ظالمين﴾ ولم يقل وهم ظالمون؟ أجيب: بأنه لا فرق في الموضعين في كونهما مهلكين وهم مصرون على الظلم لكن هناك الإخبار من الله تعالى عن الماضي حيث قال فأخذهم وهم عند الوقوع في العذاب ظالمون وههنا الإخبار من الملائكة عن المستقبل حيث قالوا: ﴿إنا مهلكوا﴾ فذكروا ما أمروا به فإنّ الكلام عن الملك بغير إذنه سوء أدب، وهم كانوا ظالمين في وقت الأمر وكونهم يبقون كذلك لا علم لهم به، ولما قالت الملائكة لإبراهيم عليه السلام ذلك ﴿قال﴾ لهم مؤكداً تنبيهاً على حالة ابن أخيه ﴿إنّ فيها لوطاً﴾ ولم يقل عليه السلام إن منهم لوطاً لأنه نزيل عندهم فلذا جاء بالتصريح بالسؤال عنه ﴿قالوا﴾ أي: الرسل عليهم السلام له: ﴿نحن أعلم﴾ منك ﴿بمن فيها﴾ أي: من لوط وغيره ﴿لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين﴾ أي: الباقين في العذاب وهم الفجرة لتعم وجهها معهم الغبرة، وقرأ حمزة والكسائي بسكون النون الثانية وتخفيف الجيم بعدها، والباقون بفتح النون وتشديد الجيم بعدها.
﴿ولما أن جاءت رسلنا لوطاً﴾ أي: المعظمون بنا ﴿سيء﴾ أي: حصلت له المساءة والغم ﴿بهم﴾ أي: بسببهم مخافة أن يقصدهم قومه بسوء لما رأى من حسن أشكالهم وهو يظنّ أنهم من الناس لأنهم جاؤوا من عند إبراهيم عليه السلام إليه على صورة البشر، روي أنهم كانوا يجلسون مجالسهم وعند كل رجل منهم قصعة فيها حصاً فإذا مرّ بهم عابر سبيل حذفوه فأيهم أصابه كان أولى به، قيل: إنه كان يأخذه معه وينكحه ويغرّمه ثلاثة دراهم ولهم قاض بذلك، ولهذا يقال: أجور من قاضي سدوم.
﴿وضاق﴾ أي: بأعمال الحيلة في الدفع عنهم ﴿بهم ذرعاً﴾ أي: ذرعه أي: طاقته والأصل في ذلك أنّ من طالت ذراعه نال ما لا يناله قصيرها يضرب مثلاً في العجز والقدرة، ولما رأوه على هذه الحالة خفضوا عليه ﴿قالوا﴾ له ﴿لا تخف﴾ إنا رسل ربك لإهلاكهم ﴿ولا تحزن﴾ أي: على تمكنهم منا أو على أحد ممن يهلك فإنه ليس في أحد منهم خير يؤسف عليه بسببه فإنهم وصلوا في الخبث إلى حدّ لا مطمع في الرجوع عنه مع ملازمته لدعائهم من غير ملل ولا ضجر، ثم عللوا ذلك بقولهم مبالغين في التأكيد: ﴿إنا منجوك﴾ أي: مبالغون في إنجائك وقولهم: ﴿وأهلك﴾ منصوب على محل الكاف ﴿إلا امرأتك كانت من الغابرين﴾ فإن قيل: القوم عذبوا بسبب ما صدر منهم من الفاحشة وامرأته لم يصدر منها ذلك فكيف كانت من الغابرين معهم؟.
الجزاء الأوفى يليق بالمؤمنين الصالحين، لأنّ جزاء الطالح وافر قال تعالى: ﴿فإنّ جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً﴾ (الإسراء: ٦٣)
وذلك أن جهنم ضررها أكثر من نفع الآثام فهي في نفسها أوفر.
﴿وأنّ إلى ربك﴾ أي: المحسن إليك لا إلى غيره ﴿المنتهى﴾ أي: الانتهاء برجوع الخلائق ومصيرهم إليه فيجازيهم بأعمالهم وقيل: منه ابتداء المنة وإليه انتهاء الآمال، وروى أبو هريرة مرفوعاً «تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق فإنّ الله تعالى لا يحيط به الفكر» وفي رواية «لا تتفكروا في الله فإنكم لن تقدروا قدره» قال القرطبي: ومن هذا المعنى قوله ﷺ «يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول له من خلق ربك فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله تعالى» ولقد أحسن من قال:

*ولا تفكرن في ذي العلا عز وجهه فإنك تردى إن فعلت وتخذل*
*ودونك مخلوقاته فاعتبر بها وقل مثل ما قال الخليل المبجل*
وقيل: المراد من الآية التوحيد وفي المخاطب وجهان: أحدهما: أنه عام تقديره إلى ربك أيها السامع أو العاقل والثاني: أنه خطاب مع النبيّ ﷺ فعلى الأول يكون تهديداً وعلى الثاني يكون تسلية لقلب النبيّ ﷺ فعلى الأول تكون اللام في المنتهى للعهد المعهود في القران وعلى الثاني تكون للعموم أي إلى ربك كل منتهى.
وقوله تعالى: ﴿وأنه هو﴾ أي: لا غيره ﴿أضحك وأبكى﴾ يدل على أنّ كل ما يعمله الإنسان فبقضاء الله تعالى وخلقه حتى الضحك والبكاء، وروي أنه ﷺ مر على قوم من أصحابه وهم يضحكون فقال ﷺ «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً» فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال يا محمد إنّ الله يقول لك: ﴿وأنه هو أضحك وأبكى﴾ أي: قضى أسبابهما فرجع إليهم ﷺ فقال ما خطوت أربعين خطوة حتى أتاني جبريل فقال: ائت هؤلاء فقل لهم إن الله تعالى يقول: ﴿هو أضحك وأبكى﴾ أي قضى أسباب الضحك والبكاء وقال بسام بن عبد الله أضحك أسنانهم وأبكى قلوبهم وأنشد يقول:
*السنّ تضحك والأحشاء تحترق وإنما ضحكها زور ومختلق*
*يا رب باك بعين لا دموع لها ورب ضاحك سنّ ما به رمق*
وقال مجاهد والكلبي أضحك أهل الجنة في الجنة وأبكى أهل النار في النار، وقال الضحاك: أضحك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر وقال عطاء بن أبي مسلم: يعني أفرح وأحزن لأنّ الفرح يجلب الضحك، والحزن يجلب البكاء وقيل: إنّ الله تعالى خص الإنسان بالضحك والبكاء من سائر الحيوان وقيل: القرد وحده يضحك ولا يبكي وإنّ الإبل وحدها تبكي ولا تضحك وقال يونس بن الحسين: سئل طاهر المقدسي أتضحك الملائكة؟ فقال: ما ضحكوا ولا كل من دون العرش منذ خلقت جهنم وعن عائشة قالت: «لا والله ما قال رسول الله ﷺ قط إن الميت يعذب ببكاء أحد ولكنه قال إنّ الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذاباً وإنّ الله تعالى هو أضحك وأبكى».
تنبيه: قوله تعالى: ﴿وأنه هو أضحك وأبكى﴾ وما بعده يسميه البيانيون الطباق المتضادّ


الصفحة التالية
Icon