فإن قيل: لِمَ قال تعالى: ﴿المولود له﴾ دون الوالد؟ أجيب: بأنه تعالى إنما ذكر ذلك ليعلم أنّ الوالدات إنما ولدن لهم؛ لأنّ الأولاد للآباء ولذلك ينتسبون إليهم لا إلى الأمّهات. وأنشد للمأمون بن الرشيد:

*فإنما أمّهات الناس أرعية مستودعات وللآباء أبناء*
فكان عليهم أن يرزقوهنّ ويكسوهنّ إذا أرضعن ولدهم ألا ترى أنه ذكره باسم الوالد حيث لم يكن هذا المعنى وهو قوله تعالى: ﴿واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً﴾ (لقمان، ٣٣) وقوله تعالى: ﴿بالمعروف﴾ يفسره ما يعقبه وهو قوله تعالى: ﴿لا تكلف نفس إلا وسعها﴾ أي: طاقتها فلا يكلف واحد منهما ما ليس في وسعه ﴿لا تضارّ والدة بولدها﴾ أي: بسببه، بأن تكره على إرضاعه أو تكلف فوق طاقتها ﴿ولا﴾ يضار ﴿مولود له بولده﴾ أي: بسببه، بأن يكلف فوق طاقته، وإضافة الولد إلى كلّ منهما للاستعطاف، وللتنبيه على أنّ الولد حقيق بأن يتفقا على استصلاحه، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو تضار بضمّ الراء بدل من قوله: لا تكلف والباقون بفتحها ﴿وعلى الوارث﴾ أي: وارث الأب، وهو الولد أي: على الوليّ في مال الولد ﴿مثل ذلك﴾ أي: الذي كان على الأب للوالدة من الرزق والكسوة، وقيل: هو وارث الولد الذي لو مات الولد لورثه، وقيل: الباقي من الأبوين أخذا من قوله ﷺ «اللهمّ متعنا بأسماعنا وأبصارنا واجعلهما الوارث ـ أي: الباقي ـ منا» والمعنى واجعل كل منهما في لزومه لنا مدّة الحياة كأنه باق بعد الموت ﴿فإن أرادا﴾ أي: الوالدان ﴿فصالاً﴾ أي: فطاماً له صادر ﴿عن تراض﴾ أي: اتفاق ﴿منهما وتشاور﴾ بينهما فتظهر مصلحة الولد فيه ﴿فلا جناح عليهما﴾ في ذلك، زاد على الحولين أو نقص، وهذه توسعة بعد التحديد، وإنما اعتبر تراضيهما مراعاة لصلاح الولد، حذراً أن يقدم أحدهما على ما يضرّ به لغرض أو غيره ﴿وإن أردتم﴾ خطاب للأولياء ﴿أن تسترضعوا﴾ مراضع غير الوالدات ﴿أولادكم﴾ يقال:
أرضعت المرأة الطفل واسترضعتها إياه، فحذف المفعول الأوّل للاستغناء عنه كما يقال: استنجحت الحاجة، ولا تذكر من استنجحته وكذلك حكم كل مفعولين يكون أحدهما عبارة عن الأوّل، هذا ما جرى عليه الزمخشريّ، من أن استرضع يتعدّى لمفعولين بنفسه، والجمهور على أنه إنما يتعدّى إلى
الثاني بحرف الجرّ، وتقديره هنا لأولادكم ﴿فلا جناح عليكم﴾ في ذلك ﴿إذا سلمتم﴾ إليهن ﴿ما آتيتم﴾ أي: أردتم إيتاءه لهن من الأجرة، كقوله تعالى: ﴿إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم﴾ (المائدة، ٦) وإنما قدّر ذلك؛ لأنّ ما تحقق إيتاؤه لا يتصوّر تسليمه في المستقبل، وقوله تعالى: ﴿بالمعروف﴾ صلة سلمتم أي: بالوجه المتعارف المستحسن شرعاً، وجواب الشرط محذوف، دل عليه ما قبله، وليس اشتراط التسليم لجواز الاسترضاع بل لسلوك ما هو الأولى والأصلح للطفل. وقرأ ابن كثير بقصر همزة أتيتم، من أتى إليه إحساناً إذا فعله ومنه قوله تعالى: ﴿إنه كان وعده مأتياً﴾ (مريم، ٦١) أي: مفعولاً والباقون بالمد وهم على مراتبهم، وقوله تعالى: ﴿واتقوا الله﴾ مبالغة في المحافظة على ما شرع في أمر الأطفال والمراضع ثم حثهم على ذلك وهدّدهم بقوله تعالى: ﴿واعلموا أنّ الله بما تعملون بصير﴾ لا يخفى عليه شيء منه.
﴿
والذين يُتوفَّون﴾
أي: يموتون ﴿منكم ويذرون﴾ أي: يتركون ﴿أزواجاً يتربصن﴾
بن الطفيل وأربد بن ربيعة أخا لبيد وفدا إلى رسول الله ﷺ قاصدين لقتله فأخذه عامر بالمجادلة ودار أربد من خلفه ليضربه بالسيف فتنبه له رسول الله ﷺ وقال: اللهمّ اكفنيهما بما شئت. فأرسل الله تعالى على أربد صاعقة فقتلته، ورمى عامر بغدة فمات في بيت سلولية فكان يقول: غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية فنزلت». «وعن الحسن أنه قال: كان رجل من طواغيت العرب بعث إليه النبيّ ﷺ نفراً يدعونه إلى الله تعالى ورسوله ﷺ فقال لهم: أخبروني عن رب محمد الذي تدعونني إليه مم هو؟ أمن ذهب أو فضة أو حديد أو نحاس؟ فاستعظم القوم مقالته فانصرفوا إلى النبيّ ﷺ فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا رجلاً أكفر قلباً ولا أعتى على الله منه. فقال ﷺ ارجعوا، إليه فرجعوا إليه فجعل لا يزيدهم على مقالته الأولى وقال: أجيب محمد إلى رب لا أراه ولا أعرفه فانصرفوا وقالوا: يا رسول الله، ما زادنا على مقالته الأولى وأخبث فقال: ارجعوا إليه فرجعوا فبينما هم عنده ينازعونه ويدعونه وهو يقول هذه المقالة إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رؤوسهم فرعدت وبرقت ورمت بصاعقة فأحرقت الكافر وهم جلوس فجاؤوا يسعون ليخبروا رسول الله ﷺ فاستقبلهم قوم من أصحاب رسول الله ﷺ فقالوا: احترق صاحبكم فقالوا: من أين علمتم؟ فقالوا: أوحى الله تعالى إلى النبيّ ﷺ ﴿ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله﴾ ». ﴿وهو شديد المحال﴾ واختلف المفسرون في قوله تعالى: ﴿وهو
شديد المحال﴾

فقال عليّ رضي الله عنه: شديد الأخذ. وقال ابن عباس: شديد الحول. وقال مجاهد: شديد القوة. وقال أبو عبيدة: شديد القوة والمغالبة. واختلف في قوله تعالى:
﴿له﴾، أي: الله ﴿دعوة الحق﴾ فقال عليّ: دعوة الحق التوحيد. وقال ابن عباس: شهادة أن لا إله إلا الله. وقال الحسن: الحق هو الله تعالى وكل دعاء إليه دعوة الحق. ﴿والذين يدعون﴾، أي: وهم الكفار. ﴿من دونه﴾، أي: غير الله وهي الأصنام ﴿لا يستجيبون﴾، أي: الأصنام ﴿لهم﴾، أي: الكفار ﴿بشيء﴾ مما يطلبونه من نفع أو دفع ضر ﴿إلا﴾، أي: الاستجابة ﴿كباسط﴾، أي: كاستجابة باسط ﴿كفيه إلى الماء﴾، أي: على شفير البئر يدعوه ﴿ليبلغ فاه﴾، أي: بارتفاعه من البئر إليه ﴿وما هو﴾، أي: الماء ﴿ببالغه﴾، أي: فاه أبداً؛ لأنه جماد لا يشعر بدعائه ولا يقدر على إجابته، فكذلك ما هم بمستجيبين لهم أبداً؛ لأنّ أصنامهم كذلك، وقيل: شبهوا في قلة فائدة دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه فبسط كفيه ناشراً أصابعهما، ولم يصل كفاه إلى ذلك الماء ولم يبلغ مطلوبه من مشربه، ثم أنه تعالى عمم في أنه لا يستجاب لهم بقوله تعالى: ﴿وما دعاء الكافرين إلا في ضلال﴾، أي: ضياع لا منفعة فيه؛ لأنهم إن دعوا الله لم يجبهم وإن دعوا آلهتهم لم تستطع إجابتهم، وقيل: المراد بالدعاء في الحالين العبادة وقوله تعالى:
﴿ولله يسجد من في السموات والأرض﴾ يحتمل أن يراد به السجود على حقيقته وهو وضع الجبهة، وعلى هذا فيكون قوله تعالى: ﴿طوعاً﴾ للملائكة والمؤمنين من الثقلين حالتي الشدّة والرخاء وقوله تعالى: ﴿وكرهاً﴾ للكافرين والمنافقين الذين أكرهوا على السجود بالسيف وأن يراد به التعظيم والاعتراف بالعبودية، فكل من السموات والأرض معترف بعبودية الله
ولا الصيف ولا الشتاء فإذاً الحكمة الظاهرة في تحريكهما وتسخيرهما، ولما كان قد يشكل على ذلك التفاوت في الرزق عند من لم يتأمّل حق التأمّل فيقول: ما بال الخلق متفاوتين في الرزق قال تعالى:
﴿الله﴾ أي: بما له من الإحاطة بصفات الكمال ﴿يبسط الرزق﴾ بقدرته التامّة امتحاناً ﴿لِمنْ يشاء من عباده﴾ على حسب ما يعلم من بواطنهم ﴿ويقدر﴾ أي: يضيق ﴿له﴾ بعد البسط أو لمن يشاء ابتلاء فظهر من ذلك قدرته وحكمته وأنت ترى الملوك وغيرهم من الأقوياء يفاوتون في الرزق بين عمالهم بحسب ما يعلمون من علمهم الناقص بأحوالهم فما ظنك بملك الملوك العالم علماً لا تدنو من ساحته ظنون ولا شكوك كما قال تعالى: ﴿إن الله﴾ أي: الذي له صفات الكمال ﴿بكل شيء﴾ أي: من المرزوقين ومن الأرزاق وكيف يمنع أو يساق وغير ذلك ﴿عليم﴾ يعلم مقادير الحاجات والأرزاق فهو على ذلك كله قدير يعلم ما يصلح العباد من ذلك وما يفسدهم ويعطيهم بحسب ذلك إن شاء وكم رام بعض الأقوياء إغناء فقير وإفقار غني فكشف الحال عن فساد ما راموا من الانتقال، ولما قال الله تعالى: ﴿الله يبسط الرزق﴾ ذكر اعترافهم بذلك بقوله تعالى:
﴿ولئن﴾ اللام لام قسم ﴿سألتهم من نزل من السماء ماءً﴾ بعد أن كان مضبوطاً في جهة العلو ﴿فأحيا به الأرض﴾ الغبراء وأشار بإثبات الجار إلى قرب الإنبات من زمان الممات فقال: ﴿من بعد موتها﴾ فصارت خضراء تهتز بعد أن لم يكن لها شيء من ذلك ﴿ليقولنّ الله﴾ معترفين بأنه الموجد للممكنات بأسرها أصولها وفروعها، ثم إنهم يشركون به بعض مخلوقاته الذي لا يقدر على شيء من ذلك فلما ثبت أنه الخالق بدءً وإعادة كما يشاهد في كل زمان قال منبهاً على عظمة صفاته اللازم من إثباتها صدق رسول الله ﷺ ﴿قل﴾ يا أفضل الخلق متعجباً منهم في جمودهم كيف يقرون بما يلزمهم التوحيد ثم لا يوحدون؟ ﴿الحمد لله﴾ الذي لا سميّ له وليس لغيره إحاطة من الأشياء فلزمتهم الحجة بما أقروا به من إحاطته وهم لا يثبتون ذلك بإعراضهم ﴿بل أكثرهم لا يعقلون﴾ فيناقضون حيث يقرون بأنه المبدئ لكل ما عداه ثم إنهم يشركون به غيره مما هم معترفون بأنه خلقه فهم لا يعرفون معنى الحمد حيث لم يعملوا به، ومنهم من آمن بعد ذلك فكان في الذروة من كمال العقل في التوحيد الذي يلزمه سائر الفروع، ومنهم من كان دون ذلك فكان نفي العقل عنه مقيداً بالكمال، ولما تبين بهذه الآيات أنّ الدنيا مبنية على الفناء والزوال والتقلع والارتحال وصح أن السرور بها في غير موضعه فلذلك قال مشيراً بعد سلب العقل عنهم إلى أنهم فيها كالبهائم يتهارجون:
﴿وما هذه الحياة الدنيا﴾ فحقرها بالإشارة ولفظ الدناءة مع الإشارة إلى هذا الاعتراف فهذا الاسم كاف في الإلزام بالاعتراف بالأخرى ﴿إلا لهو﴾ وهو الاستمتاع بلذات الدنيا ﴿ولعب﴾ وهو العبث وسميت بهما لأنها فانية، وقيل: اللهو الإعراض عن الحق، واللعب: الإقبال على الباطل، فإن قيل: قد قال تعالى في الأنعام: ﴿وما الحياة الدنيا﴾ (آل عمران، ١٨٥) ولم يقل ﴿وما هذه الحياة﴾ وقال ههنا: ﴿وما هذه الحياة﴾ فما فائدته أجيب بأن المذكور من قبل ههنا أمر الدنيا فأحيا به الأرض من بعد موتها فقال
القشيري: مسح بجناحه على وجوههم فعموا، ولم يهتدوا للخروج.
قال ابن جرير: والعرب تقول: طمست الريح الأعلام إذا دفنتها بما تسفي عليها، فانطلقوا هاربين مسرعين إلى الباب لا يهتدون إليه ولا يقعون عليه، بل يصادمون الجدران خوفاً مما هو أعظم من ذلك، وهم يقولون عند ذلك لوط سحر الناس، وما أدّتهم عقولهم إلى أن يؤمنوا فينجوا أنفسهم.
قال القشيري: وكذلك أجرى الله تعالى سنته في أوليائه بأن يطمس على قلوب أعدائهم حتى يلتبس عليهم كيف يؤذون أولياءه ويخلصهم من كيدهم. وقوله تعالى: ﴿فذوقوا عذابي ونذر﴾ أي: إنذاري وتخويفي، خطاب لهم أي: قلنا لهم على لسان الملائكة فذوقوا، فهو خطاب مع كل مكذب أي: إن كنتم تكذبون فذوقوا. قال القرطبي: والمراد من هذا الأمر الخبر أي: فأذقتهم عذابي الذي أنذرهم به لوط عليه السلام.
فإن قيل: النذر كيف تذاق؟ أجيب بأنّ المراد ثمرته وفائدته.
فإن قيل: إذا كان المراد بقوله تعالى: ﴿عذابي﴾ هو العذاب العاجل وبقوله تعالى: ﴿ونذر﴾ هو العذاب الآجل: فهما لم يكونا في زمان واحد، فكيف قال تعالى: ﴿فذوقوا﴾ ؟ أجيب: بأنّ العذاب الآجل أوّله متصل بآخر العذاب العاجل فهما كالواقع في زمان واحد، وهو قوله تعالى: ﴿أغرقوا فأدخلوا ناراً﴾ (نوح: ٢٥)
﴿ولقد صبحهم﴾ أي: أتاهم وقت الصباح؛ وقرأ نافع، وابن كثير، وابن ذكوان وعاصم بإظهار الدال عند الصاد؛ والباقون: بلا إظهار؛ وحقق المعنى بقوله تعالى: ﴿بكرة﴾ أي في أوّل نهار العذاب؛ وانصرف بكرة لأنه نكرة؛ ولو قصد به وقت بعينه امتنع الصرف للتأنيث والتعريف؛ ﴿عذاب﴾ أي: فقلع بلادهم ورفعها؛ ثم قلبها وحصبها بحجارة النار وخسفها وغمرها بالماء المنتن الذي لا يعيش به حيوان؛ ﴿مستقر﴾ أي ثابت عليهم غير زائل ليس بخيال ولا سحر كما قالوا عند الطمس، فإنه أهلكهم فاتصل بعذاب البرزخ المتصل بعذاب القيامة المتصل بالعذاب الأكبر في الطبقة التي تناسب أعمالهم من عذاب النار.
فقال لهم لسان الحال إن لم ينطق لسان المقال: ﴿فذوقوا﴾ أي: بسبب أفعالكم الخبيثة ﴿عذابي ونذر﴾.
تنبيه: قد علم من تكرير هذا أن سبب العذاب التكذيب بالإنذار لأي رسول كان، وكان استئناف كل قصة منبهاً على أنها أهل على حدتها لأن يتعظ بها.
﴿ولقد يسرنا﴾ أي: على مالنا من العظمة ﴿القرآن﴾ أي: الجامع الفارق بين الحق والباطل؛ ولو شئنا لأعليناه بما لنا من القدرة إلى حد تعجز القوى عن فهمه، كما أعليناه إلى رتبة وقفت القوى عن معارضته ﴿للذكر فهل من مدكر﴾ أي: فيخلص نفسه من مثل هذا الذي أوقع فيه هؤلاء أنفسهم ظناً منهم أن الأمر لا يصل إلى ما وصل إليه جهلاً منهم، وعدم اكتراث بالعواقب.
ولما انقضت قصة لوط عليه السلام أتبعها قصة موسى عليه السلام لأنها بعد قوم لوط؛ بقوله تعالى:
﴿ولقد جاء آل فرعون﴾ أي: فرعون ملك القبط بمصر؛ وقومه الذين إذا رآهم أحد كان كأنه فيهم لشدّة قربهم منه، وتخلقهم بأخلاقه ﴿النذر﴾ أي الإنذار على لسان موسى وهرون عليهما السلام؛ فلم يؤمنوا بل ﴿كذبوا﴾ أي: تكذيباً عظيماً مستهزئين ﴿بآياتنا﴾ التي أتاهم بها موسى عليه السلام ﴿كلها﴾ أي: التسع التي أوتيها وهي: العصا، واليد، والسنين، والطمس، والطوفان، والجراد، والقمل،


الصفحة التالية
Icon