بإظهار تاء التأنيث عند السين، والباقون بالإدغام، ومعنى إنباتها سبع سنابل أن يخرج منها ساق يتشعب منه سبع شعب لكل واحدة سنبلة، وهذا التمثيل تصوير الأضعاف كأنها مصوّرة بين عيني الناظر.
فإن قيل: كيف صح هذا التمثيل ولم نر سنبلة فيها مائة حبة؟ أجيب: بأنّ ذلك موجود في الدخن والذرة وغيرهما، وربما فرخت ساق البرة في الأرض القوية المغلة فبلغ حبها هذا المبلغ، وعلى تقدير عدم وجوده هو غير مستحيل وما لا يكون مستحيلاً يجوز ضرب المثل به وتأوّل ذلك الضحاك فقال: كل سنبلة أنبتت مائة حبة.
فإن قيل: هلا قال الله تعالى سبع سنبلات، لأنه جمع قلة كما قال الله تعالى ﴿وسبع سنبلات خضر﴾ (يوسف، الآيات: ٤٣ ـ ٤٦) ؟ أجيب: بما تقدّم في قوله تعالى ﴿ثلاثة قروء﴾ (البقرة، ٢٢٨).
﴿وا يضاعف لمن يشاء﴾ بفضله تلك المضاعفة أو يضاعف على هذا ويزيد لمن شاء ما بين سبعين إلى سبعمائة إلى ما شاء من الأضعاف مما لا يعلمه إلا الله على حسب حال المنفق من إخلاصه وتعبه، ومن أجل ذلك تتفاوت الأعمال في مقادير الثواب ﴿وا واسع﴾ أي: غنيّ يعطي عن سعة ﴿عليم﴾ بنية المنفق وقدر إنفاقه وبمن يستحق المضاعفة.
﴿الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله﴾ أي: طاعته، قال الكلبيّ: نزلت في عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما، جاء عبد الرحمن بأربعة آلاف درهم صدقة إلى رسول الله ﷺ فقال: كان عندي ثمانية آلاف درهم فأمسكت منها لنفسي وعيالي أربعة آلاف وأربعة آلاف أقرضتها ربي، فقال له رسول الله ﷺ «بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت» وأمّا عثمان فجهز المسلمين في غزوة تبوك بألف بعير بأقتابها وأحلاسها وألف دينار.
قال عبد الرحمن بن سمرة جاء عثمان بألف دينار في جيش العسرة فصبّها في حجر النبيّ ﷺ فرأيت النبيّ ﷺ يدخل فيها يده ويقلبها ويقول: «ما ضرّ ابن عفان ما عمل بعد اليوم وقال: يا رب عثمان رضيت عنه فارض عنه».
﴿ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً﴾ أي: على المنفق عليه بقولهم مثلاً: قد أحسنت إليه وجبرت حاله، فيعدّدون عليه النعمة، فحذر الله عباده المن بالصنيعة، واختص به صفة لنفسه؛ لأنه من العباد تعيير وتكدير ومن الله إفضال وتذكير وكان السلف يقولون: إذا صنعتم صنيعة فانسوها، والعرب يمتدحون بترك المن ويذمون عليه فمن الأوّل قول القائل:

*زاد معروفك عندي عظما أنه عندك مستور حقير*
*تتناساه كأن لم تأته وهو في العالم مشهور كبير*
ومن الثاني قول القائل
*وإنّ امرأ أسدى إليّ صنيعة وذكرنيها مرّة لبخيل*
وقيل: طعم الآلاء أحلى من المنّ، وهي أمر من الآلاء مع المنّ، ويطلق المنّ أيضاً على النعمة، يقال: لفلان عليّ منة أي: نعمة وأنشد ابن الأنباري:
*فمني علينا بالسلام فإنما كلامك ياقوت ودرّ منظم
وقال تعالى: ﴿لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً﴾ (آل عمران، ١٦٤) الآية ﴿ولا أذى﴾ له كأن يذكر ذلك إلى من لا يحب وقوفه عليه، أو يتطاول عليه بسبب ما أنعم عليه، وثم للتفاوت بين الإنفاق وترك المن
زيد عرضه مصون وماله مبذول.
الرابع: أن تكون أعمالهم بدلاً من قوله: ﴿مثل الذين كفروا﴾، والتقدير مثل أعمالهم وقوله تعالى: ﴿كرماد﴾ هو الخبر. وقيل: غير ذلك. وقوله تعالى:
﴿ألم تر﴾، أي: تنظر خطاب للنبيّ ﷺ والمراد به أمّته، وقيل: لكل واحد من الكفرة على الالتفات. ﴿أنّ الله خلق السموات﴾ على عظمها وارتفاعها ﴿والأرض﴾ على تباعد أقطارها واتساعها، وقوله تعالى: ﴿بالحق﴾، أي: بالحكمة، والوجه الذي يحق أن تخلق عليه متعلق بخلق. وقرأ حمزة والكسائي بألف بعد الخاء وكسر اللام، ورفع القاف، وخفض الأرض. والباقون بغير ألف بعد الخاء، وفتح اللام والقاف، ونصب الأرض. ﴿إن يشأ يذهبكم﴾ أيها الناس ﴿ويأت﴾ بدلكم ﴿بخلق جديد﴾ أطوع منكم، رتب ذلك على كونه خالق السموات والأرض استدلالاً به عليه، فإن من خلق أصولهم وما يتوقف عليه تخليقهم قدر أن يبدلهم بخلق آخر، ولم يمتنع عليه كما قال تعالى:
﴿وما ذلك على الله بعزيز﴾، أي: بممتنع، فإنه تعالى قادر بذاته، ولا اختصاص له بمقدور دون مقدور، ومن هذا شأنه كان حقيقاً أن يؤمن به، ويعبد رجاء ثوابه وخوفاً من عقابه يوم الجزاء. ولما ذكر تعالى أصناف عذاب هؤلاء الكفار، وذكر عقبه أن أعمالهم تصير محبطة باطلة ذكر كيفية مجادلتهم عند تمسك أتباعهم بهم وكيفية افتضاحهم عندهم بقوله تعالى:
﴿وبرزوا﴾، أي: الخلائق من قبورهم ﴿لله جميعاً﴾ والتعبير فيه وفيما يأتي بالماضي، وإن كان معناه الاستقبال لتحقق وقوعه؛ لأنّ كل ما أخبر الله تعالى عنه فهو حق وصدق وكائن لا محالة، فصار كأنه قد حصل ودخل في الوجود، ونظيره: ﴿ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار﴾ (الأعراف، ٤٤)
تنبيه: البروز في اللغة الظهور بعد الاستتار، وهو في حق الله تعالى محال، فلا بدّ من تأويله وهو من وجهين:
الأوّل: أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش، ويظنون أنّ ذلك خاف على الله تعالى، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عن أنفسهم، وعلموا أنّ الله تعالى لا تخفى عليه خافية.
الثاني: أنهم خرجوا من قبورهم، فبرزوا لحساب الله تعالى وحكمه. ثم حكى الله تعالى؟ عنهم أنّ الضعفاء يقولون للرؤوساء هل تقدرون على دفع عذاب الله تعالى عنا بقوله تعالى: ﴿فقال الضعفاء﴾، أي: الأتباع جمع ضعيف يريد به ضعفاء الرأي ﴿للذين استكبروا﴾، أي: المتبوعين الذين طلبوا الكبر، وادّعوه فاستغووهم به حتى تكبروا على الرسل، وقوله تعالى: ﴿إنا كنا لكم تبعاً﴾ يصح أن يكون مصدراً نعت به للمبالغة، أو على إضمار مضاف وأن يكون جمع تابع، أي: تابعين لكم في تكذيب الرسل، فكنتم سبب ضلالنا، وقد جرت عادة الأكابر بالدفع عن أتباعهم المساعدين لهم على أباطيلهم ﴿فهل أنتم﴾، أي: في هذا اليوم ﴿مغنون﴾، أي: دافعون ﴿عنا من عذاب الله﴾، أي: من انتقامه ﴿من شيء﴾ فإن قيل: فما الفرق بين من في عذاب الله وبين من في شيء؟ أجيب: بأنّ الأولى للتبيين، والثانية للتبعيض، كأنه قيل: هل أنتم مغنون عنا بعض الشيء الذي هو من بعض عذاب الله؟ ويجوز أن يكونا للتبعيض معاً بمعنى هل أنتم مغنون عنا بعض شيء هو بعض عذاب الله، وعند هذا حكى الله تعالى عن الذين استكبروا أنهم قالوا: ﴿لو هدانا الله﴾، أي: الذي له صفات الكمال ﴿لهديناكم﴾، أي: لو أرشدنا الله تعالى لارشدناكم، ودعوناكم إلى الهدى، ولكنه لم يهدنا، فضللنا
﴿يكفرون﴾ أي: بيأسهم من روح الله، جواب سدّ مسدّ الجزاء ولذلك فسر بالاستقبال. تنبيه: سمى النافعة رياحاً والضارّة ريحاً لوجوه: أحدها: أنّ النافعة كثيرة الأنواع كثيرة الأفراد فجمعها لأن في كل يوم وليلة تهب نفحات من الرياح النافعة ولا تهب الريح الضارّة في أعوام بل الضارّة لا تهب في الدهور. ثانيها: أنّ النافعة لا تكون إلا رياحاً وأما الضارة فنفخة واحدة تقبل كريح السموم. ثالثها: جاء في الحديث أنّ ريحاً هبت فقال عليه الصلاة والسلام: «اللهمّ اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً» إشارة إلى قوله تعالى ﴿فأرسلنا عليهم الريح العقيم﴾ (الذاريات: ٤١)
وقوله تعالى ﴿ريحاً صرصراً﴾ إلى قوله ﴿تنزع الناس﴾ (القمر: ١٩ ـ ٢٠)
ولما علم الله تعالى نبيه ﷺ وجوه الأدلة ووعد وأوعد لم يزدهم دعاؤه إلا فرارا وكفراً وإرصاداً قال تعالى:
﴿فإنك لا تسمع الموتى﴾ أي: ليس في قدرتك إسماع الذين لا حياة لهم فلا نظر ولا سمع، أو موتى القلوب إسماعاً ينفعهم لأنه مما اختص به الله تعالى، وهؤلاء مثل الأموات؛ لأنّ الله تعالى قد ختم على مشاعرهم ﴿ولا تسمع الصم﴾ أي: الذين لا سماع لهم ﴿الدعاء﴾ إذا دعوتهم. ولما كان الأصم قد يحس بدعائك إذا كان مقبلاً بحاسة بصره قال تعالى ﴿إذا ولوا﴾ وذكر الفعل ولم يقل ولت إشارة إلى قوّة التولي لئلا يظنّ أنه أطلق على المجانبة مثلاً ولهذا قال تعالى ﴿مدبرين﴾ وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بتسهيل الهمزة الثانية في الوصل، والباقون بالتحقيق وإذا. وقف حمزة وهشام على الدعاء وأبدلا الهمزة ألفاً مع المدّة والتوسط والقصر.
﴿وما أنت بهادي العمي﴾ أي: بموجد لهم هداية ﴿عن ضلالتهم﴾ إذا ضلوا عن الطريق، وقرأ حمزة بتاء الخطاب مفتوحة وسكون الهاء والعمي بنصب الياء، والباقون بالباء الموحدة مكسورة وفتح الهاء والعمي بالخفض. تنبيه: قد جعل الله تعالى الكافر بهذه الصفات وهو أنه شبهه أولاً بالميت، وإرشاد الميت محال والمحال أبعد من الممكن، ثم بالأصم وإرشاد الأصم صعب فإنه لا يسمع الكلام وإنما يفهم بالإشارة والإفهام بالإشارة صعب، ثم بالأعمى وإرشاد الأعمى أيضاً صعب فإنك إذا قلت له مثلاً: الطريق عن يمينك فإنه يدور إلى يمينه لكنه لا يبقى عليه بل يتحير عن قريب، فإرشاد الأصم أصعب. ولهذا تكون المعاشرة مع الأعمى أسهل من المعاشرة مع الأصم الذي لا يسمع لأنّ غايته الإفهام وليس كل ما يفهم بالكلام يفهم بالإشارة فإنّ المعدوم والغائب لا إشارة إليه، فبدأ أولاً بالميت لأنه أعلى ثم بالأدون منه وهو الأصم، وقيده بقوله تعالى: ﴿إذا ولوا مدبرين﴾ ليكون أدخل في الامتناع لأنّ الأصم، وإن كان يفهم فإنما يفهم بالإشارة فإذا ولى لا يكون نظره إلى المشير، فامتنع إفهامه بالإشارة أيضاً ثم بأدنى منه وهو الأعمى لما مرّ. ثم قال تعالى.
﴿إن﴾ أي: ما ﴿تسمع﴾ أي: سماع إفهام وقبول ﴿إلا من يؤمن بآياتنا﴾ أي: القرآن فأثبت للمؤمن استماع الآيات فلزم أن يكون المؤمن حياً سميعاً بصيراً لأن المؤمن ينظر في البراهين ويسمع زواجر الوعظ فتظهر منه الأفعال الحسنة ويفعل ما يجب عليه ﴿فهم مسلمون﴾ أي: مطيعون كما قال تعالى عنهم ﴿وقالوا سمعنا وأطعنا﴾ (البقرة: ٢٨٥)
ولما أعاد تعالى دليل الآفاق بقوله تعالى: ﴿الله الذي يرسل الرياح﴾ أعاد دليلاً من دلائل الأنفس وهو خلق الآدمي وذكر
أم سلمة: قالت: «قلت لرسول الله ﷺ يا رسول الله أخبرني عن قوله تعالى: ﴿خيرات حسان﴾ ؛ قال: خيرات الأخلاق حسان الوجوه». وقال أبو صالح: لأنهنّ عذارى أبكار؛ قال الحكيم الترمذي: فالخيرة ما اختارهنّ الله تعالى فأبدع خلقهنّ باختياره، فاختيار الله تعالى لا يشبهه اختيار الآدميين، فوصفهنّ بالحسن فإذا وصف الله تبارك وتعالى خالق الحسن شيئاً بالحسن فانظر ما هناك وقال الرازي: في باطنهنّ الخير وفي ظاهرهنّ الحسن.
﴿فبأي آلاء﴾ أي: نعم ﴿ربكما﴾ أي: الكامل الإحسان إليكما ﴿تكذبان﴾ أبنعمة ما جعل لكم من الفواكه أم غيرها؟.
ثم زاد في وصفهنّ بقوله تعالى: ﴿حور﴾ جمع حوراء وهي الشديدة سواد العين الشديدة بياضها ﴿مقصورات﴾ والمقصورات المحبوسات المستورات ﴿في الخيام﴾ وهي الحجال، فلسن بالطوّافات في الطرق؛ قاله ابن عباس، والنساء تمدح بملازمتهنّ البيوت كما قال قيس بن الأسلت:
*وتكسل عن جيرانها فيزرنها وتعتل من إتيانهنّ فتعذر*
ويقال امرأة مقصورة وقصيرة وقصورة بمعنى واحد، قال كثير عزة:
*وأنت التي حببت كلّ قصيرة إليّ ولم يعلم بذاك القصائر*
*عنيت قصيرات الحجال ولم أرد قصار الخطا شر النساء البحاتر*
والخيام: جمع خيمة، وهي: أربعة أعواد تنصب وتسقف بشيء من نبات الأرض، وجمعها خيم، كتمرة وتمر، وتجمع الخيم على خيام فهو جمع الجمع؛ وأمّا ما يتخذ من شعر أو وبر أو نحوه فيقال له: خباء، وقد يطلق عليه خيمة تجوّزاً. وقال عمر: الخيمة درة مجوّفة. وقاله ابن عباس قال: وهي فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب. وفي الحديث: «أنّ في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها: ستون ميلاً؛ في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمنون». وقال أبو عبد الله الحكيم الترمذي: قال: بلغنا أن سحابة أمطرت من العرش فخلقن أي: الحور العين من قطرات الرحمة، ثم ضرب على كل واحدة خيمة على شاطىء الأنهار سعتها أربعون ميلاً وليس لها باب، حتى إذا دخل وليّ الله تعالى بالخيمة انصدعت الخيمة عن باب ليعلم وليّ الله أنّ أبصار المخلوقين من الملائكة والخدم لم تأخذها، فهي مقصورة قد قصرها الله عن أبصار المخلوقين. وقال مجاهد: معناه قصرن أطرافهنّ وأنفسهنّ على أزواجهنّ فلا يبغين بدلاً. وقال ﷺ «لو أنّ امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت على أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها».
فائدة: اختلفوا أيما أكثر حسناً وأتم جمالاً، الحور أم الآدميات؛ فقيل: الحور لما ذكر في وصفهنّ في القرآن والسنة، ولقوله ﷺ في دعائه في صلاة الجنازة: «وأبدله زوجاً خيراً من زوجه». وقيل: الآدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف روي ذلك مرفوعاً. وقيل: إن الحور العين المذكورات في القرآن هن المؤمنات من أزواج النبيين والمؤمنين، يخلقن في الآخرة على أحسن صورة، قاله الحسن البصري، قال ابن عادل: والمشهور أن الحور العين لسن من نساء أهل الدنيا، إنما هنّ مخلوقات في الجنة لأنّ الله تعالى قال: ﴿لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جانّ﴾ وأكثر نساء أهل الدنيا مطموثات ا. هـ. لكن مرّ أنه


الصفحة التالية
Icon