بالحسن إشعاراً بفضله وأنه المعتدّ به عند الله ﴿وا يحب المحسنين﴾ أي: فيكثر لهم الثواب.
﴿س٣ش١٤٩/ش١٥٣ يَا؟أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُو؟ا؟ إِن تُطِيعُوا؟ الَّذِينَ كَفَرُوا؟ يَرُدُّوكُمْ عَلَى؟ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا؟ خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلَـ؟ـاكُمْ؟ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ * سَنُلْقِى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا؟ الرُّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُوا؟ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ؟ سُلْطَانًا؟ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ؟ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ * وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ؟؟ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ؟؟ حَتَّى؟ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِى ا؟مْرِ وَعَصَيْتُم مِّن؟ بَعْدِ مَآ أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ؟ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ا؟خِرَةَ؟ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ؟ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ؟ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * إِذْ تُصْعِدُونَ وَتَلْوُ؟نَ عَلَى؟ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِى؟ أُخْرَ؟ـاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمَّ؟ابِغَمٍّ لِّكَيْ تَحْزَنُوا؟ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَمَآ أَصَابَكُمْ؟ وَاللَّهُ خَبِيرُ؟ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾
﴿يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا﴾ أي: اليهود والنصارى فيما يأمرونكم به وقال علي: يعني المنافقين في قولهم للمؤمنين عند الهزيمة: ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا في دينهم ولو كان محمد نبياً لما قتل ﴿يردّوكم على أعقابكم﴾ أي: إلى الكفر ﴿فتنقلبوا خاسرين﴾ الدنيا والآخرة أمّا خسران الدنيا فلأنّ أشق الأشياء على العقلاء في الدنيا الإنقياد إلى العدوّ وإظهار الحاجة إليه وأمّا خسران الآخرة، فالحرمان عن الثواب المؤبد والوقوع في العقاب المخلد.
﴿بل الله مولاكم﴾ أي: ناصركم وحافظكم على دينكم ﴿وهو خير الناصرين﴾ فاستغنوا به عن ولاية غيره ونصره.
﴿سنلقي﴾ أي: سنقذف ﴿في قلوب الذين كفروا الرعب﴾ أي: الخوف وذلك أنّ الكفار لما هزموا المسلمين في أحد أوقع الله الرعب في قلوبهم فتركوهم وفرّوا منهم من غير سبب، حتى روي أنّ أبا سفيان صعد الجبل ونادى يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت، فقال عليه الصلاة والسلام: «إن شاء الله» وقيل: لما ذهبوا متوجهين إلى مكة، فلما كانوا في بعض الطريق ندموا وقالوا: ما صنعنا شيئاً قتلنا أكثرهم ولم يبق منهم إلا الشريد تركناهم ارجعوا حتى نستأصلهم بالكلية، فلما عزموا على ذلك ألقى الله الرعب في قلوبهم. وقرأ ابن عامر والكسائي بضم العين والباقون بالسكون ﴿بما أشركوا﴾ أي: بسبب إشراكهم ﴿با ما لم ينزل به سلطاناً﴾ أي: حجة على عبادته وهو الأصنام وهذا كقوله: ولا ترى الضبّ بها ينحجر، أي: ليس بها ضب فلا ينحجر فكذلك هؤلاء ليس لهم حجة أصلاً، وأصل السلطنة القوة ومنه السليط لقوة اشتعاله والسلاطة بحدة اللسان ﴿ومأواهم النار وبئس مثوى﴾ أي: مأوى ﴿الظالمين﴾ أي: الكافرين هي.
﴿ولقد صدقكم الله وعده﴾ قال محمد بن كعب القرظي: لما رجع رسول الله ﷺ وأصحابه إلى المدينة من أحد وقد أصابهم ما أصابهم قال ناس من أصحابه: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر؟ فأنزل الله هذه الآية؛ لأنّ النصر كان للمسلمين في الابتداء كما قال تعالى: ﴿إذ تحسونهم﴾ أي: تقتلونهم من حسه إذا أبطل حسه وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار ذال إذ عند التاء والباقون بالإدغام ﴿بإذنه﴾ أي: بإرادته ﴿حتى إذا فشلتم﴾ أي: جبنتم عن القتال ﴿وتنازعتم﴾ أي: اختلفتم ﴿في الأمر﴾ أي: أمر النبيّ ﷺ بالمقام في سفح الجبل للرمي حين انهزم المشركون، فقال بعضكم: نذهب فقد نصر أصحابنا وقال آخرون: لا تخالفوا أمر النبيّ فاثبتوا مكانكم، فثبت عبد الله بن جبير أمير الرماة في نفر دون العشرة ونفر الباقون للنهبى وهو المعنى بقوله تعالى: وعصيتم أي: أمر النبي وتركتم المركز لطلب الغنيمة ﴿من بعدما أراكم﴾ أي: الله ﴿ما تحبون﴾ من الظفر والغنيمة وانهزام العدوّ وجواب إذا محذوف دل عليه ما قبله أي: منعكم نصره ويجوز أن يكون المعنى صدقكم الله وعده إلى وقت فشلكم وذلك أنّ رسول الله ﷺ جعل أحداً خلف ظهره واستقبل المدينة وأقام الرماة عند الجبل وأمرهم أن يثبتوا في مكانهم ولا يبرحوا سواء كانت الدولة للمسلمين أو عليهم، فلما أقبل المشركون جعل الرماة يرشقون خيلهم، والباقون يضربونهم بالسيوف حتى انهزموا
وأشار إلى القسم الثاني بقوله تعالى: ﴿وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً﴾ وأشار إلى القسم الثالث بقوله تعالى: ﴿والله﴾ أي: الذي له الجلال والإكرام ﴿جعل لكم﴾ أي: من غير حاجة منه تعالى ﴿مما خلق﴾ من شجر وجبال وأبنية وغيرها. وقوله تعالى: ﴿ظلالاً﴾ جمع ظل تتقون به شدّة الحرّ. وقوله تعالى: ﴿وجعل لكم﴾ مع غناه المطلق ﴿من الجبال أكناناً﴾ جمع كنّ موضع تسكنون فيه من الكهوف والبيوت المنحوتة فيها ﴿وجعل لكم﴾ أي: امتناناً منه عليكم ﴿سرابيل﴾ جمع سربال. قال الزجاج: كل ما لبسته فهو سربال من قميص أو درع أو جوشن أو غيره، أي: وسواء كان من صوف أو كتان أو قطن أو غير ذلك ﴿تقيكم الحرّ﴾ ولم يقل تعالى والبرد لتقدّمه في قوله تعالى: ﴿فيها دفء﴾ (النحل، ٥)
. وقيل: إنه اكتفى بأحد المتقابلين. وقيل: كان المخاطبون بهذا الكلام العرب وبلادهم حارّة فكان حاجتهم إلى ما يدفع الحرّ فوق حاجتهم إلى ما يدفع البرد كما قال تعالى: ﴿ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها﴾ وسائر أنواع الثياب أشرف إلا أنه تعالى ذكر ذلك النوع لأنه كان الفهم بها أشدّ واعتيادهم للبسها أكثر، ولما كانت السرابيل نوعاً واحداً لم يكرّر لفظ جعل فقال: ﴿وسرابيل﴾ أي: دروعاً من حديد وغيرها ﴿تقيكم بأسكم﴾ أي: حربكم، أي: في الطعن والضرب فيها. ولما عدّد الله تعالى أنواع نعمه قال: ﴿كذلك﴾ أي: كإتمام هذه النعمة المتقدّمة ﴿يتمّ نعمته عليكم﴾ في الدنيا والدين بالبيان والهداية لطريق النجاة والمنافع والتنبيه على دقائق ذلك ﴿لعلكم﴾ يا أهل مكة ﴿تسلمون﴾ أي: تخلصون لله الربوبية وتعلمون أنه لا يقدر على هذه الأنعامات أحد سواه، وقيل: تسلمون من الجراح بلبس الدروع.
﴿فإن تولوا﴾ فلم يقبلوا منك وآثروا لذات الدنيا ومتابعة الآباء والمعاداة في الكفر ﴿فإنما عليك﴾ يا أفضل الخلق ﴿البلاغ المبين﴾ هذا جواب الشرط وفي الحقيقة جواب الشرط محذوف، أي: فقد تمهد عذرك بعد ما أدّيت ما وجب عليك من التبليغ فذكر سبب العذر وهو البلاع ليدل على المسبب وذلك لأنّ تبلغيه سبب في عذره فأقيم السبب مقام المسبب وهذا قبل الأمر بالقتال، ثم إنه تعالى ذمّهم بأنهم
﴿يعرفون نعمة الله﴾ أي: الملك الأعظم التي تقدّم عدّ بعضها في هذه السورة وغيرها ﴿ثم ينكرونها﴾ بعبادتهم غير المنعم بها، وقال السدي: نعمة الله يعني محمداً ﷺ أنكروه وكذبوه. وقيل: نعمة الله هي الإسلام وهو من أعظم النعم التي أنعم الله تعالى بها على عباده، ثم إنّ كفار مكة أنكروه وجحدوه، واختلف في معنى قوله تعالى: ﴿وأكثرهم الكافرون﴾ مع أنهم كلهم كانوا كافرين على وجوه؛ الأوّل: إنما قال تعالى: ﴿وأكثرهم﴾ لأنه كان فيهم من لم تقم عليه الحجة، ممن لم يبلغ حدّ التكليف أو كان ناقص العقل فأراد بالأكثر البالغين الأصحاء. الثاني: أن يكون المراد بالكافر الجاحد المعاند وكان فيهم من لم يكن معانداً بل كان جاهلاً بصدق الرسول وما ظهر له كونه نبياً حقاً من عند الله. الثالث: أنه ذكر الأكثر والمراد الجميع لأنّ أكثر الشيء يقوم مقام الكل، فذكر الأكثر كذكر الجميع، وهذا كقوله تعالى: ﴿الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون﴾ (الزمر، ٢٩)
ولما بين تعالى من حال القوم أنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها وذكر أيضاً من حالهم أن أكثرهم كافرون أتبعه بالوعيد فذكر حال يوم القيامة بقوله تعالى: ﴿ويوم﴾ أي: وخوّفهم
ذلك وغيره ﴿عليماً﴾ فيعلم من يليق بالختم ومن يليق بالبدء.
قال الأستاذ ولي الدين الملوي في كتابه حصن النفوس: في سؤال القبر واختصاصه ﷺ بالأحمدية والمحمدية علماً وصفه برهان على ختمه، إذ الحمد مقرون بانقضاء الأمور مشروع عنده ﴿وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين﴾ وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «مثلي ومثل الأنبياء كمثل قصر أحكم بنيانه، ترك منه موضع لبنة فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنائه إلا موضع تلك اللبنة لا يعيبون بسواها، فكنت أنا موضع تلك اللبنة ختم بي البنيان وختم بي الرسل» وقال عليه الصلاة والسلام: «إن لي أسماء أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي يمحو الله تعالى بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الله تعالى الناس على قدمي، وأنا العاقب» والعاقب الذي ليس بعده نبي.
ولما كان ما أثبته لنفسه سبحانه وتعالى من إحاطة العلم مستلزماً للإحاطة بأوصاف الكمال قال تعالى:
﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي: ادعوا ذلك بألسنتهم ﴿اذكروا الله﴾ الذي هو أعظم من كل شيء تصديقاً لدعواكم ذلك ﴿ذكراً كثيراً﴾ قال ابن عباس: لم يفرض الله تعالى على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً، ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر، فإنه لم يجعل له حداً ينتهي إليه، ولم يعذر أهله في تركه إلا مغلوباً على عقله. وأمرهم به في الأحوال فقال تعالى: ﴿فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم﴾ (النساء: ١٠٣)
وقال تعالى: ﴿اذكروا الله ذكراً كثيراً﴾ أي: بالليل والنهار والبر والبحر والصحة والسقم في السر والعلانية، وقال مجاهد: الذكر الكثير: أن لا ينساه أبداً، فيعم ذلك سائر الأوقات وسائر ما هو أهله من التقديس والتهليل والتمجيد.
﴿وسبحوه بكرة وأصيلا﴾ أي: أول النهار وآخره خصوصاً، وتخصيصهما بالذكر للدلالة على فضلهما على سائر الأوقات؛ لكونهما مشهودين. كإفراد التسبيح من جملة الإذكار لأنه العمدة فيها، وقال البغوي: وسبحوه أي: صلوا له بكرة أي: صلاة الصبح، وأصيلا يعني صلاة العصر. وقال الكلبي: وأصيلا يعني صلاة الظهر والعصر والعشاءين وقال مجاهد: معناه قولوا سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فعبر بالتسبيح عن إخوانه، وقيل: المراد من قوله تعالى: ﴿ذكراً كثيراً﴾ هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب والمحدث.
وعن أنس لما نزل قوله تعالى: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي﴾ (الأحزاب: ٥٦)
وقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله ما أنزل الله تعالى عليك خيراً إلا أشركنا فيه أنزل الله تعالى:
﴿هو الذي يصلي عليكم﴾ أي: يرحمكم ﴿وملائكته﴾ أي: يستغفرون لكم، فالصلاة من الله تعالى رحمة، ومن الملائكة استغفار للمؤمنين، فذكر صلاته تحريضاً للمؤمنين على الذكر والتسبيح. قال السدي: قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: أيصلي ربنا؟ فكبر هذا الكلام على موسى، فأوحى الله تعالى إليه قل لهم: إني أصلي، وإن صلاتي رحمتي وقد وسعت رحمتي كل شيء، وقيل: الصلاة من الله: هي إشاعة الذكر الجميل له في عباده. وقيل: الثناء عليه. واستغفار الملائكة ودعاؤهم للمؤمنين ترحم عليهم، وهو سبب للرحمة من حيث أنهم مجابو الدعوة، فقد اشتركت الصلاتان، واللفظ المشترك يجوز استعماله في معنييه معاً، وكذلك الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ جائز. قال الرازي: وينسب هذا القول للشافعي رحمه الله تعالى
وتدعو لي، وأدعو لك فقال برصيصا: إني لفي شغل عنك، فإن كنت مؤمناً فإن الله سيجعل لك فيما أدعو للمؤمنين نصيباً إن استجاب الله لي، ثم أقبل على صلاته وترك الأبيض، فأقبل الأبيض يصلي فلم يلتفت إليه برصيصا
أربعين يوماً، فلما التفت بعدها رآه قائماً يصلي فلما رأى برصيصا شدة اجتهاد الأبيض، قال له: ما حاجتك؟ قال: حاجتي أن تأذن لي أن أرتفع إليك فأذن له فارتفع إليه في صومعته فأقام حولاً يتعبد فلا يفطر إلا في كل أربعين يوماً مرة، ولا ينفتل من صلاته إلا كذلك وربما مد إلى الثمانين فلما رأى برصيصا اجتهاده تقاصرت إليه نفسه وأعجبه شأن الأبيض فلما حال الحول قال الأبيض برصيصا إن لي صاحباً غيرك ظننت أنك أشد اجتهاداً
مما رأيت، وكان بلغنا عنك أنك غير الذي رأيت فدخل من ذلك على برصيصا أمر شديد، وكره مفارقته للذي رآه من شدة اجتهاده فلما ودعه الأبيض قال له: إن عندي دعوات أعلمكها تدعو بهن فهن خير مما أنت فيه، يشفي الله تعالى بها المريض، ويعافي بها المبتلى والمجنون، قال برصيصا: أني أكره هذه المنزلة لأن في نفسي شغلاً، وإني أخاف إن علم به الناس يشغلوني عن عبادة ربي عز وجل، فلم يزل به الأبيض حتى علمه ثم انطلق حتى أتى إبليس فقال: والله قد أهلكت الرجل. فانطلق الأبيض فتعرض لرجل فجننه، ثم جاءه في صورة رجل مطبب، فقال لأهله: إن بصاحبكم جنوناً أفأعالجه؟ قالوا: نعم، فقال: إني لا أقوى على جنيته، ولكن سأرشدكم إلى من يدعو الله تعالى فيعافيه. انطلقوا إلى برصيصا فإن عنده الاسم الذي إذا دعا به أجيب، فانطلقوا به إليه فسألوه فدعا بتلك الكلمات فذهب عنه الشيطان، فكان الأبيض يفعل ذلك بالناس ويرشدهم إلى برصيصا فيدعو لهم فيعافون. فانطلق الأبيض فتعرض لجارية من بنات ملوك بني إسرائيل، وكان لها ثلاثة أخوة، وكان أبوهم هو الملك فلما مات استخلف أخاه فكان عمها ملك بني إسرائيل قصد لها وخنقها، ثم جاء إليهم في صورة رجل مطبب فقال أفأعالجها؟ قالوا: نعم، قال: إن الذي عرض لها مارد لا يطاق ولكن سأرشدكم إلى رجل تثقون به تدعونها عنده، إذا جاءها شيطانها دعا لها حتى تعلموا أنها قد عوفيت فتردونها صحيحة، قالوا: ومن هو؟ قال: برصيصاً، قالوا: كيف لنا أن يجيبنا إلى هذا وهو أعظم شأناً من ذلك، قال: ابنوا صومعة إلى جنب صومعته، ولتكن لزيق صومعته حتى يشرف عليها فإن قبلها وإلا فتضعونها في صومعتها، ثم قولوا له: هي أمانة عندك فاحتسب أمانتك. فانطلقوا إليه فسألوه ذلك فأبى، فبنوا صومعة على ما أمرهم به الأبيض، ووضعوا الجارية في صومعتها، وقالوا: يا برصيصا هذه أختنا أمانة عندك فاحتسب فيها، ثم انصرفوا فلما انفتل برصيصا من صلاته عاين الجارية، وما هي عليه من
الجمال فوقعت في قلبه، ودخل عليه أمر عظيم فجاءها الشيطان فخنقها فكانت تكشف عن نفسها وتتعرض لبرصيصا، فجاء الشيطان وقال: ويحك واقعها فلم تجد مثلها وستتوب بعد ذلك، ويتم لك ما تريد من الأمر فلم يزل به حتى واقعها فلم يزل على ذلك يأتيها حتى حملت وظهر حملها، فقال له الشيطان: ويحك يا برصيصا قد افتضحت فهل لك أن تقتلها وتتوب، فإن سألوك فقل ذهب بها شيطانها ولم أقو عليه، فدخل فقتلها ثم انطلق بها فدفنها إلى جانب الجبل، فجاء الشيطان وهو يدفنها ليلاً فأخذ بطرف إزارها فبقي خارجاً من التراب، ثم