العقاب إليهم، واختلفوا في المراد بهذا البخل، فقال أكثر العلماء: المراد به منع الواجب واستدلوا بوجوه: أحدها: أنّ الآية دالة على الوعيد الشديد وذلك لا يليق إلا بالواجب وثانيها: أنّ الله تعالى ذمّ البخل، والتطوّع لا يذمّ على تركه وثالثها: قال عليه الصلاة والسلام: «وأي داء أدوأ من البخل»، وتارك التطوّع لا يليق به هذا الوصف وإنفاق الواجب على أقسام منها: إنفاقه على نفسه وعلى أقاربه الذين تلزمه مؤنتهم ومنها: الزكوات ومنها ما إذا احتاج المسلمون إلى دفع عدوّ يقصد أنفسهم وأموالهم فيجب عليهم إنفاق الأموال على من يدفعهم عنهم ومنها: دفع ما يسدّ رمق المضطرّ.
﴿سيطوّقون﴾ أي: سوف يطوّقون ﴿ما بخلوا به يوم القيامة﴾ اختلفوا في هذا الوعيد، فقال ابن عباس وابن مسعود: يجعل ما منعه من الزكاة حية يطوّقها في عنقه يوم القيامة تنهشه من فرقه إلى قدمه وتنقر رأسه تقول: أنا مالك. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ «من آتاه الله مالاً فلم يؤدّ زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوّقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه يعني شدقيه ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك ثم تلا: ﴿ولا يحسبن الذين يبخلون﴾ الآية»، وعن أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ «والذي نفسي بيده ـ أو الذي لا إله غيره أو كما حلف ـ ما من رجل تكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدّي حقها إلا أتى بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه تطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها كلما جازت عليه أخراها ردّت عليه أولاها حتى يقضي بين الناس» وقال مجاهد: معنى سيطوّقون سيكلفون أن يأتوا بما بخلوا به يوم القيامة أي: يؤمرون بأداء ما منعوا فلا يمكنهم الإتيان به فيكون ذلك توبيخاً وقيل: إنّ هذه الآية نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد ﷺ ونبوّته وأراد بالبخل كتمان العلم كما في سورة النساء: ﴿الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله﴾ (النساء، ٣٧)
ومعنى قوله: على هذا سيطوّقون أي: يحملون وزره وإثمه كقوله تعالى: ﴿يحملون أوزارهم على ظهورهم﴾ (الأنعام، ٣١)
وقوله تعالى: ﴿وميراث السموات والأرض﴾ في معناه وجهان أحدهما: أنّ له ما فيهما مما يتوارثه أهلهما من مال وغيره فهو الباقي الدائم بعد فناء خلقه وزوال أملاكهم فما لهم يبخلون عليه بملكه ولا ينفقونه في سبيله ونحوه قوله تعالى: ﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾ (الحديد، ٧)
والثاني: وبه قال الأكثرون: إنّ معناه أنه يفنى أهل السموات والأرض ويفنى الأملاك ولا مالك لها إلا الله فجرى هذا مجرى الوراثة، قال ابن الأنباري: يقال: ورث فلان علم فلان إذا انفرد به بعد أن كان مشاركاً فيه، وقال تعالى: ﴿وورث سليمان داود﴾ (النمل، ١٦)
لأنه انفرد بذلك الأمر بعد أن كان داود مشاركاً له فيه.
﴿وا بما تعملون﴾ من المنع والإعطاء ﴿خبير﴾ فيجازيكم به، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء على الغيبة والباقون بالتاء على الخطاب.
﴿س٣ش١٨١//ش١٨٦ لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُو؟ا؟ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ؟ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا؟ وَقَتْلَهُمُ ا؟ن؟بِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا؟ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَالِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ * الَّذِينَ قَالُو؟ا؟ إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَآ أَs نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ؟ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِى بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِى قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُو بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ * كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ؟ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ؟ وَمَا الْحياةُ الدُّنْيَآ إِs مَتَاعُ الْغُرُورِ * لَتُبْلَوُنَّ فِى؟ أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا؟ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُو؟ا؟ أَذًى كَثِيرًا؟ وَإِن تَصْبِرُوا؟ وَتَتَّقُوا؟ فَإِنَّ ذَالِكَ مِنْ عَزْمِ ا؟مُورِ﴾
﴿لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء﴾ قال الحسن ومجاهد لما نزل قوله تعالى: ﴿من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً﴾ (البقرة، ٢٤٥)
قالت اليهود: إنّ الله فقير ويستقرض منا ونحن أغنياء، وذكر الحسن: أنّ قائل هذه المقالة حييّ بن أخطب، وقال عكرمة والسديّ ومقاتل ومحمد بن إسحق: «كتب النبيّ ﷺ مع أبي بكر الصدّيق إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الإسلام وإلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة
مناسك الحج، وضحى وهذه السنة الحنيفية. الصفة الرابعة: قوله تعالى: ﴿ولم يك من المشركين﴾ أي: أنه عليه الصلاة والسلام كان من الموحدين في الصغر والكبر، وقد أبطل عبادة الأصنام والكواكب بقوله: ﴿لا أحب الآفلين﴾ (الأنعام، ٧٦)
ثم كسر تلك الأصنام حتى آل الأمر إلى أنّ القوم ألقوه في النار وذلك دليل إثبات الصانع مع ملك زمانه، وهو قوله: ﴿ربي الذي يحيي ويميت﴾ (البقرة، ٢٥٨)
. ثم طلب من الله تعالى أن يريه كيف يحيي الموتى ليحصل له زيادة الطمأنينة. قال الرازي: ومن وقف على علم القرآن علم أنّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان غريقاً في بحر علم التوحيد. الصفة الخامسة: قوله تعالى:
﴿شاكراً لأنعمه﴾ فإن قيل: لفظ الأنعم جمع قلة ونعمة الله تعالى على إبراهيم عليه السلام كانت كثيرة فلم قال: ﴿شاكراً لأنعمه﴾ ؟ أجيب: بأنه ذكر القلة للتنبيه على أنه كان لا يخل بشكر القليلة فكيف بالكثيرة. وروي أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يتغدّى إلا مع ضيف فلم يجد ذات يوم ضيفاً فأخر غداءه فإذا هو بقوم من الملائكة في صورة البشر فدعاهم إلى الطعام فخيلوا له أنّ بهم جذاماً فقال لهم: الآن وجبت مؤاكلتكم شكراً لله على أنه عافاني وابتلاكم بهذا البلاء. الصفة السادسة: قوله تعالى: ﴿اجتباه﴾ أي: اصطفاه للنبوّة واختاره لخلقه. الصفة السابعة: قوله تعالى: ﴿وهداه إلى صراط مستقيم﴾ أي: وهداه إلى دين الإسلام لأنه الصراط المستقيم، والدين القويم، ونظيره قوله تعالى: ﴿وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه﴾ (الأنعام، ١٥٣)
. الصفة الثامنة: قوله تعالى:
﴿وآتيناه في الدنيا حسنة﴾ قال قتادة: حببه للناس حتى أنّ أرباب الملل يتولونه ويثنون عليه، وأمّا المسلمون واليهود والنصارى فظاهر، وأمّا كفار قريش وسائر العرب فلا فخر لهم إلا به وتحقيق القول أنّ الله تعالى أجاب دعاءه في قوله: ﴿واجعل لي لسان صدق في الآخرين﴾ (الشعراء، ٨٤)
وقال آخرون: هو قول المصلي منا كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. وقيل: أولاداً أبراراً على الكبر. الصفة التاسعة: قوله تعالى: ﴿وإنه في الآخرة لمن الصالحين﴾ في الجنة. فإن قيل: لم لم يقل تعالى في أعلى مقامات الصالحين؟ أجيب: بأنه تعالى حكى عنه أنه قال: ﴿رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين﴾ (الشعراء، ٨٣)
فقال تعالى هنا: ﴿وإنه في الآخرة لمن الصالحين﴾ تنبيهاً على أنه تعالى أجاب دعاءه ثم إنّ كونه من الصالحين لا ينفي أن يكون في أعلى مقامات الصالحين، فإنّ الله تعالى بيّن ذلك في آية أخرى، وهي قوله تعالى: ﴿وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء﴾ (الأنعام، ٨٣)
. ولما وصف الله تعالى إبراهيم عليه السلام بهذه الصفات العالية الشريفة أمر نبيه محمداً ﷺ في أتباعه مشيراً إلى علو مرتبته بحرف التراخي بقوله تعالى:
﴿ثم أوحينا إليك﴾ يا أشرف الرسل. وقيل: أتي بثم للتراخي، أي: لتراخي أيامه عن أيام إبراهيم عليهما أفضل الصلاة والسلام. ﴿أن اتّبع ملة إيراهيم﴾ في التوحيد والدعوة إليه بالرفق وإيراد الدلائل مرّة بعد أخرى والمجادلة مع كل أحد على حسب فهمه، ولا بعد في أن يفهم ذلك الهجرة أيضاً. وقيل: كان النبيّ ﷺ مأموراً بشريعة إبراهيم عليهما الصلاة والسلام إلا ما نسخ منها وما لم ينسخ صار شرعاً له وقوله تعالى: ﴿حنيفاً﴾ حال من النبيّ ﷺ ويصح أن يكون حالاً من إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وقوله تعالى: ﴿وما كان من المشركين﴾ كرّره
محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» وروى أبو حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال رسول الله ﷺ «قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» وروى ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ «إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة»، وروى أبو هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً» وروى عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن رسول الله ﷺ أنه جاء ذات يوم والبشرى ترى في وجهه فقلنا: إنا لنرى البشرى في وجهك فقال: «جاءني جبريل فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول أما يرضيك أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشراً» وروى عامر بن ربيعة أنه سمع النبي ﷺ يقول: «من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة ما صلى علي، فليقلل العبد من ذلك أو ليكثر»، وروى أنس أن النبي ﷺ قال: «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات» وروى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام».
تنبيه: دلت الآية على وجوب الصلاة على النبي ﷺ لأن الأمر للوجوب قالوا: وقد أجمع العلماء أنها لا تجب في غير الصلاة فتعين وجوبها فيها والمناسب لها من الصلاة التشهد آخرها فتجب في التشهد آخر الصلاة أي: بعده وهو مذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد فالقائل بوجوبها في العمر مرة في غيرها محجوج بإجماع من قبله، ولحديث كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا فقال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إلى آخره» وقيل: تجب كلما ذكر، واختاره الطحاوي من الحنفية والحليمي من الشافعية لقول جابر: «إن النبي ﷺ رقى المنبر فلما رقى الدرجة الأولى قال: آمين، ثم رقى الثانية فقال: آمين ثم رقى الثالثة فقال: آمين فقالوا: يا رسول الله سمعناك تقول: آمين ثلاث مرات فقال: لما رقيت الدرجة الأولى جاءني جبريل فقال: شقي عبد أدرك رمضان فانسلخ منه ولم يغفر له فقلت: آمين، ثم قال: شقي عبد أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة فقلت: آمين، ثم قال: شقي عبد ذكرت عنده ولم يصل عليك فقلت: آمين»، وفي رواية رقي المنبر فقال: آمين آمين آمين قيل: يا رسول الله ما كنت تصنع هذا فقال: قال لي جبريل: رغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما لم يدخلاه الجنة فقلت: آمين، ثم قال رغم أنف عبد دخل عليه رمضان لم يغفر له فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت: آمين»، وكذلك قوله: ﴿وسلموا﴾ أمر فيجب السلام ولم يجب في غير الصلاة فيجب فيها وهو قولنا في التشهد سلام عليك أيها النبي إلخ، وذكر في السلام المصدر للتأكيد ولم يذكره في الصلاة لأنها كانت مؤكدة بقوله تعالى: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي﴾ وأقل الصلاة عليه اللهم صل على محمد، وأكملها اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد
وأعطوا من مهر المهاجرة ﴿الذين ذهبت أزواجهم﴾ أي: منكم من الغنيمة ﴿مثل ما أنفقوا﴾ أي: لفواته عليهم من جهة الكفار. روى الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: حكم الله تعالى بينهم فقال جلّ ثناؤه ﴿واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا﴾ فكتب إليهم المسلمون قد حكم الله تعالى بيننا بأنه إن جاءتكم امرأة منا أن توجهوا إلينا صداقها، وإن جاءتنا امرأة منكم وجهنا إليكم بصداقها، فكتبوا أما نحن فلا نعلم لكم عندنا شيئاً فإن كان لنا عندكم شيء فوجهوا به فأنزل الله تعالى: ﴿وإن فاتكم شيء من أزواجكم﴾ الآية. وقال ابن عباس: في قوله تعالى: ﴿ذلكم حكم الله﴾ أي: بين المسلمين والكفار من أهل العهد من أهل مكة يرد بعضهم على بعض. قال الزهري: ولولا العهد لأمسك النساء ولم يرد عليهم صداقاً، وقال قتادة ومجاهد: إنما أمروا أن يعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الفيء والغنيمة، وقالا: هي فيمن بيننا وبينه عهد، وقالا: فمعنى ﴿فعاقبتم﴾ فاقتصصتم ﴿فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل مثل ما أنفقوا﴾ أي: من المهور. وقال ابن عباس: معنى الآية إن لحقت امرأة مؤمنة بكفار أهل مكة، وليس بينكم وبينهم عهد، ولها زوج مسلم قبلكم فغنمتم فأعطوا هذا الزوج المسلم مهره من الغنيمة قبل أن تخمس. وقال الزهري: يعطي من مال الفيء، وعنه يعطى من صداق من لحق بها
تنبيه: محصل مذهب الشافعي في هذه الآية: أنّ الهدنة لو عقدت بشرط أن يردوا من جاءهم منا مرتداً صح، ولزمهم الوفاء به سواء أكان رجلاً أو امرأة، حرّاً أو رقيقاً، فإن امتنعوا من ردّه فناقضون للعهد لمخالفتهم الشرط، أو عقدت على أن لا يردوه جاز، ولو كان المرتدّ امرأة فلا يلزمهم ردّه لأنه ﷺ شرط ذلك في مهادنة قريش، حيث قال لسهل بن عمرو وقد جاء رسولاً منهم «من جاءنا منكم رددناه، ومن جاءكم منا فسحقاً سحقاً» ومثله ما لو أطلق العقد كما فهم بالأولى، ويغرمون فيهما مهر المرتدّة. فإن قيل: لم غرموا مهر المرتدّة، ولم نغرم نحن مهر المسلمة على ما تقدم من الخلاف؟ أجيب: بأنهم قد فوتوا عليه الاستتابة الواجبة علينا، وأيضاً المانع جاء من جهتها، والزوج غير متمكن منها بخلاف المسلمة الزوج متمكن منها بالإسلام، وكذا يغرمون قيمة رقيق ارتدّ دون الحرّ، فإن عاد الرقيق المرتد إلينا بعد أخذنا قيمته رددناها عليهم.
بخلاف نظيره في المهر لأنّ الرقيق بدفع القيمة يصير ملكاً لهم، والنساء لا يصرن زوجات.
فإن قيل: كونه يصير ملكاً لهم مبنى على جواز بيع المرتد للكافر، والصحيح خلافه.
أجيب: بأنّ هذا ليس مبنياً عليه لأن هذا ليس بيعاً حقيقة فاغتفر ذلك أجل المصلحة، وإن شرطنا عدم الرد.
فإن قيل: هل يغرم الإمام لزوج المرتدة ما أنفق من صداقها، لأنا بعقد الهدنة حلنا بينه وبينها، ولولاه لقاتلناهم حتى يردوها؟.
أجيب: بأنّ هذا ينبني على أنّ الإمام هل يغرم لزوج المسلمة المهاجرة ما أنفق، وقد تقدم الكلام على ذلك.
فائدة: روي عن ابن عباس أنه قال: لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين ست نسوة أم الحكم بنت أبي سفيان، وكانت تحت شداد بن عياض الفهري، وفاطمة بنت أبي أمية بن المغيرة أخت أم سلمة كانت تحت عمر بن الخطاب، فلما أراد عمر أن يهاجر أبت وارتدت، وبروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان، وعزة بنت عبد العزيز


الصفحة التالية
Icon