صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان أراه ما خلا الوالد، والولد فلما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: إني لأستحي من الله أن أردّ شيئاً قاله أبو بكر.
وذهب طاوس أنّ الكلالة من لا ولد له وهي إحدى الروايتين عن ابن عباس وأحد القولين عن عبد الله بن عمر، وسأل رجل عقبة عن الكلالة فقال: ألا تعجبون من هذا؟ سألني وما أعضل بأصحاب رسول الله ﷺ شيء ما أعضلت بهم الكلالة، وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: ثلاث لأن يكون النبيّ بينهنّ لنا أحب إلينا من الدنيا وما فيها الكلالة والخلافة وأبواب الربا. وقال سعيد بن أبي طلحة: خطب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال: إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة ما راجعت رسول الله ﷺ في شيء ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ فيه حتى طعن بإصبعه في صدري وقال: «يا عمر ألا يكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن» وقوله: «ألا يكفيك آية الصيف» أراد أنّ الله تعالى أنزل في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء وهي التي في أوّل سورة النساء، والأخرى في الصيف وهي التي في آخرها، وفيها من البيان ما ليس في آية الشتاء، فلذلك أحاله عليها.
وقوله تعالى: ﴿أو امرأة﴾ عطف على رجل أي: أو امرأة تورث كلالة ﴿وله﴾ أي: الرجل ﴿أخ أو أخت﴾ واكتفى بحكم الرجل عن حكم المرأة لدلالة العطف على تشاركهما فيه، ويصح أن يعود الضمير على الموروث الكلالة فيشمل الرجل والمرأة ﴿فلكل واحد منهما السدس﴾ وقد أجمعوا على أنّ المراد به الأخ والأخت من الأم ﴿فإن كانوا﴾ أي: الأخت والأخوات من الأم ﴿أكثر من ذلك﴾ أي: من واحد ﴿فهم شركاء في الثلث﴾ يستوي فيه ذكورهم وإناثهم؛ لأنّ الإدلاء بمحض الأنوثة ﴿من بعد وصية يوصى بها أو دين﴾ وقوله تعالى: ﴿غير مضارّ﴾ حال من ضمير يوصى أي: غير مدخل الضرر على الورثة بأن يوصى بأكثر من الثلث، وعن قتادة: كره الله الضرار في الحياة وعند الممات ونهى عنه.
وعن الحسن المضارّة في الدين أن يوصي بدين ليس عليه، ومعناه الإقرار، وقوله تعالى: ﴿وصية من الله﴾ مصدر مؤكد ليوصيكم أي: يوصيكم بذلك وصية كقوله: ﴿فريضة من الله﴾ (النساء، ١١)
﴿وا عليم﴾ بما دبره لخلقه من الفرائض ﴿حليم﴾ بتأخير العقوبة عمن خالفه.
تنبيه: خصت السنة توريث من ذكر بمن ليس فيه مانع من قتل أو اختلاف دين أو رق.u
﴿تلك﴾ أي: الأحكام المذكورة في أمر اليتامى والوصايا والمواريث ﴿حدود الله﴾ أي: شرائعه التي حدّها لعباده ليعملوا بها ولا يتعدّوها ﴿ومن يطع الله ورسوله﴾ فيما حكما به ﴿يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ وقوله تعالى: ﴿خالدين فيها﴾ حال مقدرة كقولك: مررت برجل معه صقر صائداً به غداً ﴿وذلك الفوز العظيم﴾.
﴿ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده﴾ أي: الله ﴿يدخله ناراً﴾ وقوله تعالى: ﴿خالداً فيها﴾ حال كما مرّ، ولا يجوز أن يكون (خالدين) و (خالداً) صفتين لجنات ونار؛ لأنهما جريا على غير من هما له، فلا بدّ من الضمير وهو قولك: خالدين هم فيها وخالداً هو فيها هذا على مذهب البصريين، أما على مذهب الكوفيين فهو جائز عندهم عند أمن اللبس كما هنا، وهو الراجح كما جرى عليه ابن مالك وغيره ﴿وله عذاب مهين﴾
نقصان، كما أن القمر الذي هو أنقص من الشمس كذلك. قال ابن عباس: جعل الله نور الشمس سبعين جزءاً ونور القمر كذلك فمحى من نور القمر تسعة وستين جزءاً فجعلها مع نور الشمس. وحكي أن الله تعالى أمر جبريل فأمر بجناحه على وجه القمر ثلاث مرّات فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور. وسأل ابن ذكوان علياً رضي الله عنه عن السواد الذي في القمر قال هو أثر المحو. تنبيه: المراد من الآيتين بعض الليل والنهار فالإضافة للبيان أي: أنه تعالى جعلهما دليلين للخلق على مصالح الدين والدنيا، أمّا الدين فلأن كل واحد منهما مضاد للآخر مغاير له مع كونهما متعاقبين على الدوام وهو من أقوى الدلائل على أنهما غير موجودين بذاتهما بل لا بدّ لهما من فاعل يدبرهما ويقدّرهما بالمقادير المخصوصة، وأمّا في الدنيا فلأن مصالح الدنيا لا تتم إلا بالليل والنهار فلولا الليل ما حصل السكون والراحة ولولا النهار لما حصل الكسب والتصرّف وقيل الليل والنهار ظرفان والتقدير وجعلنا آيتين في الليل والنهار والمراد بالآيتين على هذا إمّا الشمس والقمر وإمّا تكوير هذا على هذا وهذا على هذا ثم ذكر تعالى بعض المنافع المرتب على ذلك بقوله تعالى: ﴿لتبتغوا﴾
أي: تطلبوا طلباً شديداً ﴿فضلاًمن ربكم﴾ أي: المحسن إليكم فيهما بضياء هذا تارة ونور هذا أخرى ﴿ولتعلموا﴾ بفصل هذا عن هذا ﴿عدد السنين والحساب﴾ لأن الحساب يبنى على أربع مراتب الساعات والأيام والشهور والسنين، والعدد للسنين والحساب لما دون السنين وهي الشهور والأيام والساعات وبعد هذه المراتب الأربعة لا يحصل إلا التكرار كأنهم رتبوا العدد على أربع مراتب الآحاد والعشرات والمئات والألوف وليس بعدها إلا التكرار. ولما ذكر تعالى أحوال آيتي الليل والنهار وهما من وجه دليلان قاطعان على التوحيد ومن وجه آخر نعمتان عظيمتان من الله تعالى على أهل الدنيا، وقد ذكر تعالى في آيات كثيرة منافعهما كقوله تعالى: ﴿وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً﴾ (النبأء: ١٠، ١١)
. وكقوله تعالى: ﴿جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله﴾ (القصص، ٧٣)
وشرح تعالى حالهما وفصل ما فيهما من وجوه الدلالة على الخالق، ومن وجوه النعم العظيمة على الخلق، كان ذلك تفصيلاً نافعاً وتبياناً كاملاً فلا جرم، قال تعالى: ﴿وكل شيء﴾ أي: لكم إليه حاجة في مصالح دينكم ودنياكم ﴿فصلناه تفصيلاً﴾ أي: بيناه تبييناً، وهو كقوله تعالى: ﴿ما فرّطنا في الكتاب من شيء﴾ (الأنعام، ٣٨)
وكقوله تعالى: ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء﴾ (النحل، ٨٩)
وقوله: ﴿تدمّر كل شيء بأمر ربها﴾ (الأحقاف، ٢٥)
. وإنما ذكر تعالى تفصيلاً لأجل توكيد الكلام وتقريره، فكأنه قال: فصلناه حقاً. ولما بين تعالى أنه أوصل إلى الخلق أصناف الأشياء النافعة لهم في الدنيا والدين مثل آيتي الليل والنهار وغيرهما كان منعماً عليهم بوجود النعم وذلك يقتضي وجوب اشتغالهم بخدمته وطاعته فلا جرم كل من ورد عرصة القيامة فإنه يكون مسؤولاً عن أعماله وأقواله كما قال تعالى:
﴿وكل إنسان ألزمناه﴾ أي: بعظمتنا ﴿طائره﴾ أي: عمله الذي قدرناه عليه من خير وشرّ، لأن العرب كانوا إذا أرادوا الإقدام على عمل من الأعمال وأرادوا أن يعرفوا أن ذلك العمل يسوقهم إلى خير أو إلى عمل شرّ اعتبروا أحوال الطير وهو أنه يطير بنفسه أو يحتاج إلى إزعاجه وإذا طار فهو يطير متيامناً أو متياسراً
فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما، وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما وقيل: كانوا يتخذون صور الأنبياء والملائكة والصالحين في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة قيل: إن هذا كان أول الأمر، فلما تقادم الزمن قال لهم إبليس: إن آباءكم كانوا يعبدون هذه الصور فعبدوا الأصنام ولم تكن التصاوير ممنوعة في شريعتهم كما أن عيسى عليه السلام كان يتخذ صوراً من الطين فينفخ فيها فتكون طيراً.
﴿وجفان﴾ أي: قصاع وصحاف يؤكل فيها، واحدتها جفنة ﴿كالجوابي﴾ جمع جابية وهي الحوض الكبير يجبى إليه الماء أي: يجتمع يقال: كان يجلس على الجفنة الواحدة ألف رجل يأكلون منها، وقرأ ورش وأبو عمرو بإثبات الياء بعد الباء الموحدة في الوصل دون الوقف، وابن كثير بإثباتها وقفاً ووصلاً، والباقون بالحذف وقفاً ووصلاً.
ولما ذكر القصاع على وجه يتعجب منه ذكر ما يطبخ فيه طعام تلك الجفان بقوله تعالى: ﴿وقدور راسيات﴾ أي: ثابتات ثباتاً عظيماً لأنها لكبرها كالجبال لها قوائم لا يحركن عن أماكنها لعظمهن، ولا يبدلن ولا يعطلن وكان يصعد عليها بالسلالم وكانت باليمن.
ولما ذكر المساكن وما يتبعها أتبعها الأمر بالعمل بقوله تعالى: ﴿اعملوا﴾ أي: وقلنا لهم اعملوا أي: تمتعوا واعملوا على مزيد قربهم بحذف أداة النداء وعلى شرفهم بالتعبير بالآل بقوله تعالى: ﴿آل داود﴾ وقوله تعالى ﴿شكراً﴾ يجوز فيه أوجه: أحدها: أنه مفعول به أي: اعملوا الطاعة سميت الصلاة ونحوها شكراً لسدها مسده. ثانيها: أنه مصدر من معنى اعملوا كأنه قال: اشكروا شكراً بعملكم، أو اعملوا عمل شكر. ثالثهما: أنه مفعول من أجله أي: لأجل الشكر، واقتصر على هذا البقاعي. رابعها: أنه مصدر واقع موقع الحال أي: شاكرين. خامسها: أنه منصوب بفعل مقدر من لفظه تقديره: واشكروا شكراً. سادسها: أنه صفة لمصدر اعملوا تقديره عملاً شكراً أي: ذا شكر.
تنبيه: كما قال تعالى عقب قوله سبحانه ﴿أن اعمل سابغات﴾ :﴿اعملوا صالحاً﴾ قال عقب ما تعمله الجن له ﴿اعملوا آل داود شكراً﴾ إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يجعل الإنسان نفسه مستغرقة في هذه الأشياء، وإنما الإكثار من العمل الصالح الذي يكون شكراً، وقوله تعالى ﴿وقليل﴾ خبر مقدم وقوله تعالى ﴿من عبادي﴾ صفة له وقوله تعالى ﴿الشكور﴾ مبتدأ والمعنى: أن العامل بطاعتي المتوفر الدواعي بظاهره وباطنه من قلبه ولسانه ويديه على الشكر بأن يصرف جميع ما أنعم الله تعالى به عليه فيما يرضيه قليل، ومع ذلك لا يوفي حقه لأن توفيقه للشكر نعمة تستدعي شكراً آخر لا إلى نهاية، ولذلك قيل: الشكور من يرى عجزه عن الشكر، وعبر بصيغة فعول إشارة إلى أن من يقع منه مطلق الشكر كثير، وأقل ذلك حال الاضطرار وقيل: المراد من آل داود عليه السلام هو داود نفسه وقيل: داود وسليمان وأهل بيتهما عليهما السلام قال جعفر بن سليمان: سمعت ثابتاً يقول: كان داود عليه السلام نبي الله ﷺ قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تك تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود عليه السلام قائم يصلي، وقال ﷺ في صلاة النافلة: «أفضل الصلاة صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه» وقال في صوم التطوع: «أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً» وروي عن عمر رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقول: اللهم
عليه أحد.
وعند صاحبيه والشافعي لا بد من كلام يسمى خطبة، ولها أركان وشروط مذكورة في الفقه.
فإن قيل: كيف يفسر ذكر الله بالخطبة، وفيها ذكر غير الله؟
أجيب: بأن ما كان من ذكر رسوله والثناء عليه وعلى خلفائه الراشدين، وأتقياء المؤمنين والموعظة والتذكير فهو في حكم ذكر الله، وأما ما عدا ذلك من ذكر الظلمة وألقابهم والثناء عليهم والدعاء لهم، وهم أحق بعكس ذلك فمن ذكر الشيطان.
وهو من ذكر الله على مراحل فإن المنصت للخطبة إذا قال لصاحبه: صه فقد لغا، أفلا يكون الخطيب المغالي في ذلك لاغياً نعوذ بالله من غربة الإسلام، ومن نكد الأيام وقد خاطب الله تعالى المؤمنين بالجمعة دون الكافرين تشريفاً لهم وتكريماً، فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ ثم خصه بالنداء وإن كان قد دخل في عموم قوله تعالى: ﴿وإذا ناديتم إلى الصلاة﴾ ليدل على وجوبه وتأكد فرضه. وقال بعض العلماء: كون الصلاة الجمعة ههنا معلوم بالإجماع لا من نفس اللفظ، وقال ابن العربي: وعندي إنه معلوم من نفس اللفظ بنكتة، وهي قوله تعالى: ﴿من يوم الجمعة﴾ وذلك يفيده لأن النداء الذي يختص بذلك اليوم هو نداء تلك الصلاة، وأما غيرها فهو عام في سائر الأيام، ولو لم يكن المراد به نداء الجمعة لما كان لتخصيصه بها وإضافته إليها معنى فلا فائدة فيه.
واختلف في معنى قوله تعالى: ﴿فاسعوا﴾ أي: لتكونوا أولياء الله ولا تتهاونوا في ذلك. فقال الحسن: والله ما هو سعي على الأقدام، ولكن سعي بالقلوب والنية، وقال الجمهور: السعي: العمل لقوله تعالى: ﴿ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن﴾ (الإسراء: ١٩)
كقوله تعالى: ﴿إن سعيكم لشتى﴾ (الليل: ٤)
وقوله تعالى: ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾ (النجم: ٣٩)
وعن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، ولكن أئتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» واختلفوا أيضاً: في معنى قوله تعالى: ﴿إلى ذكر الله﴾ أي: الملك الأعظم، فقال سعيد بن المسيب: هو موعظة الإمام، وقال غيره: الخطبة والصلاة المذكرة بالملك الأعظم الذي من انقطع عن خدمته هلك.
ولما أمر بالمبادرة إلى تجارة الآخرة قال تعالى ناهياً عن تجارة الدنيا التي تعوق عن الجمعة ﴿وذروا البيع﴾ أي: اتركوا البيع والشراء؛ لأن اسم البيع يتناولهما جميعاً، وإنما يحرم البيع والشراء عند الأذان الثاني. وقال الزهري: عند خروج الإمام، وقال الضحاك: إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء. وإنما خص البيع من بين الأمور الشاغلة عن ذكر الله تعالى، لأن يوم الجمعة يوم تهبط الناس فيه من بواديهم وقراهم، وينصبون إلى المصر من كل أوب ووقت هبوطهم واجتماعهم، واختصاص الأسواق إذا انتفخ النهار وتعالى الضحى، ودنا وقت الظهيرة وحينئذ تنجز التجارة ويتكاثر البيع والشراء، فلما كان ذلك الوقت مظنة للذهول بالبيع عن ذكر الله والمضي إلى المسجد قيل: بادروا تجارة الآخرة، واتركوا تجارة الدنيا، واسعوا إلى ذكر الله ﴿ذلكم﴾ أي: الأمر العالي الرتبة من فعل السعي، وترك الاشتغال بالدنيا ﴿خير لكم﴾ لأن الأمر الذي أمركم به الذي له الأمر كله، وهو يريد تطهيركم في أديانكم وأبدانكم وأموالكم وبيده إسعادكم وإشقاؤكم.
فإن قيل: إذا كان البيع في هذا الوقت محرماً فهل هو فاسد؟.
أجيب: بأن عامة العلماء على أن ذلك لا يوجب فساد البيع، قالوا:


الصفحة التالية
Icon