اللواط عند الشافعيّ رضي الله تعالى عنه لكن المفعول به لا رجم عليه وإن كان محصناً بل يجلد ويغرّب، وقيل: نزلت آية ﴿واللاتي يأتين الفاحشة﴾ في المساحقات وآية ﴿واللذان يأتيانها منكم﴾ في اللواطين.
﴿إنما التوبة على الله﴾ أي: إن قبول التوبة كالمحتوم على الله تفضلاً منه بمقتضى وعده؛ لأنه تعالى وعد بقبول التوبة فإذا وعد شيئاً لا بدّ أن ينجز وعده؛ لأن الخلف في وعده سبحانه وتعالى محال ﴿للذين يعملون السوء﴾ أي: المعصية وقوله تعالى: ﴿بجهالة﴾ في موضع الحال أي: يعملون السوء جاهلين أي: سفهاً فإن ارتكاب الذنب مما يدعو إليه السفه والشهوة لا ما تدعو إليه الحكمة والعقل، وعن مجاهد: من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع أي: يخرج من جهالته، وقال قتادة: أجمع أصحاب رسول الله ﷺ على أن كل ما عصي به الله فهو جهالة عمداً كان أو لم يكن، وكل من عصى الله تعالى فهو جاهل ﴿ثم يتوبون من﴾ زمن ﴿قريب﴾ أي: قبل أن يغرغروا لقوله تعالى: ﴿حتى إذا حضر أحدهم الموت﴾ وقوله ﷺ «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» رواه الترمذي وحسنه. وعن عطاء ولو قبل موته بفواق ناقة، وعن الحسن إن إبليس قال حين أهبط إلى الأرض: وعزتك لا أفارق ابن آدم ما دام روحه في جسده فقال: وعزتي وجلالي لا أغلق عليه باب التوبة ما لم يغرغر. والغرغرة تردّد الروح في الحلق.
تنبيه: معنى (من) في قوله تعالى ﴿من قريب﴾ التبعيض أي: يتوبون بعض زمان قريب كأنه سمى ما بين وجود المعصية وبين حضور الموت زمناً قريباً؛ لأن أمد الحياة قريب لقوله تعالى: ﴿قل متاع الدنيا قليل﴾ (النساء، ٧٧)
ففي أي جزء تاب من أجزاء هذا الزمان فهو تائب من قريب وإلا فهو تائب من بعيد ﴿فأولئك يتوب الله عليهم﴾ أي: يقبل توبتهم.
فإن قيل: ما فائدة ذلك بعد قوله تعالى: ﴿إنما التوبة على الله﴾ ؟ أجيب: بأنّ ذلك وعد بالوفاء بما وعد به وكتبه على نفسه كما يعد العبد الوفاء بما عليه ﴿وكان الله عليماً﴾ بخلقه ﴿حكيماً﴾ في صنعه بهم.
﴿وليست التوبة للذين يعملون السيآت﴾ أي: الذنوب ﴿حتى إذا حضر أحدهم الموت﴾ أي: أخذ في النزع ﴿قال﴾ عند مشاهدة ما هو فيه ﴿إني تبت الآن﴾ حين لا يقبل من كافر إيمان ولا من عاص توبة قال تعالى: ﴿فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا﴾ (غافر، ٨٥)
ولذلك لم ينفع إيمان فرعون حين أدركه الغرق ﴿ولا الذين يموتون وهم كفار﴾ أي: إذا تابوا في الآخرة عند معاينة العذاب لا ينفعهم ذلك، ولا تقبل توبتهم، فسوى سبحانه وتعالى بين الذين سوفوا توبتهم إلى حضور الموت وبين الذين ماتوا على الكفر في أنه لا توبة لهم؛ لأنّ حضور الموت أوّل أحوال الآخرة، فكما أن المصرين على الكفر قد فاتتهم التوبة على اليقين فكذلك المسوف إلى حضور الموت لمجاوزة كل منهما أوان التكليف والاختيار وقوله تعالى: ﴿أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً﴾ أي: مؤلماً تأكيد لعدم قبول توبتهم وبيان أن العذاب أعده لهم لا يعجزه عذابهم متى شاء والاعتداد التهيئة من العتاد وهو العدة، وقيل: أصله أعددنا أبدلت الدال الأولى تاء.
﴿يأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء﴾ أي: ذواتهنّ ﴿كرهاً﴾ نزلت في أهل المدينة كانوا في الجاهلية، وفي أوّل الإسلام إذا مات الرجل وله امرأة وللرجل عصبة وألقى ثوبه على امرأة الميت أو على خبائها صار أحق بها من نفسها ومن غيره، ثم إن شاء تزوّجها بصداقها الأوّل وإن
من الخير والشرّ وإنه غير مجبور على عمل بعينه أصلاً لأنّ قوله تعالى: ﴿من اهتدى﴾ إلى آخره إنما يليق بالقادر على الفعل المتمكن منه كيف شاء وأراد، أمّا المجبور على أحد الطرفين الممنوع عن الطرف الثاني فهذا لا يليق به، هذا مذهب أهل السنة والجماعة فاتبعه ترشد ثم إنه تعالى أعاد تقرير أنّ كل أحد مختص بأثر عمل نفسه بقوله تعالى: ﴿ولا تزر﴾ أي: نفس ﴿وازرة﴾ أي: آثمة أي: لا تحمل ﴿وزر﴾ نفس ﴿أخرى﴾ بل إنما تحمل وزرها فقط. فإن قيل: ورد أنّ المظلوم يأخذ من حسنات الظالم فإذا لم يوف يؤخذ من سيئات المظلوم وتطرح على الظالم؟ أجيب: بأنّ ذلك بسببه فهو كفعله. فإن قيل: قد ورد أن الميت ببكاء أهله؟ أجيب: بأنّ ذلك محمول على ما إذا أوصى بذلك وكان ذلك الفعل كقول طرفة بن العبد:
*إذا مت فانعيني بما أنا أهله
... وشقي عليّ الجيب يا ابنة معبد
وعليه حمل الجمهور الأخبار الواردة بتعذيب الميت على ذلك. فإن قيل: ذنب الميت فيما إذا أوصى أو أمر بذلك فلا يختلف عذابه بامتثالهم وعدمه؟ أجيب: بأنّ الذنب على السبب يعظم بوجود المسبب وشاهده «من سن سنة سيئة» الخ وقال الشيخ أبو حامد: إنّ ما ذكر محمول على الكافر وغيره من أهل الذنوب. ثم قال تعالى:
﴿وما كنا﴾ أي: على ما لنا من القدرة ﴿معذبين﴾ أحداً ﴿حتى نبعث رسولاً﴾ يبين له ما يجب عليه فمن بلغته دعوته فخالف أمره واستكبر عن اتباعه عذبناه بما يستحقه وهذا أمر قد تحقق بإرسال آدم عليه السلام ومن بعده من الأنبياء الكرام عليهم السلام في جميع الأمم قال تعالى: ﴿ولقد بعثنا في كل أمّة رسولاً﴾ (النحل، ٣٦)
. وقال تعالى: ﴿وإن من أمّة إلا خلا فيها نذير﴾ (فاطر، ٢٤)
فإنّ دعوتهم إلى الله تعالى قد انتشرت وعمت الأقطار واشتهرت. فإن قيل: الحجة لازمة لهم قبل بعثة الرسول لأنّ معهم أدلة العقل التي بها يعرف الله تعالى وقد أغفلوا النظر وهم متمكنون منه، واستحقاقهم العذاب لإغفالهم النظر فيما معهم، وكفرهم لذلك لا لإغفال الشرائع التي لا سبيل إليها إلا بالتوقيف، والعمل بها لا يصح إلا بعد الإيمان؟ أجيب: بأنّ بعثة الرسول من جملة التنبيه على النظر والإيقاظ من رقدة الغفلة لئلا يقولوا: ﴿إنا كنا عن هذا غافلين﴾ (الأعراف، ١٧٢)، فهلا بعثت إلينا رسولاً ينبهنا على النظر في أدلة العقل، وفي الآية دليل على أن لا وجوب قبل الشرع.
فائدة: في حكم أهل الفترتين بين نوح وإدريس وبين عيسى ومحمد ﷺ وهم ثلاثة عشر قسماً؛ ستة سعداء وأربعة أشقياء وثلاثة تحت المشيئة، فأمّا السعداء فقسم وحّد الله تعالى بنور وجده في قلبه كقس بن ساعدة فإنه كان يقول إذا سئل هل لهذا العالم إله؟ قال: البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام يدل على المسير. وقسم وحد الله تعالى بما تجلى لقلبه من النور الذي لا يقدر على دفعه، وقسم ألقى في نفسه واطلع من كشفه على منزلة محمد ﷺ فآمن من به في عالم الغيب، وقسم اتبع ملة حق ممن تقدمة، وقسم طالع في كتب الأنبياء فعرف شرف محمد ﷺ فآمن به وقسم آمن بنبيه الذي أرسل إليه وأدرك رسالة محمد ﷺ وآمن به فله أجران. وأما الأشقياء فقسم عطل لا عن نظر بل عن تقليد، وقسم عطل بعدما أثبت لا عن استقصاء بنظر، وقسم أشرك عن
الخشب.
تنبيه: قد تقدم أن كل شيء أثبت لمن قبل نبينا ﷺ من الأنبياء عليهم السلام من الخوارق ثبت له مثله وأعظم منه إما له نفسه أو لأحد من أمته، وهذا الذي ذكر لسليمان عليه السلام من حفظه بعد موته سنة لا يميل قد ثبت مثله لشخص من هذه الأمة من غير شيء يعتمد عليه، قال القشيري في رسالته في باب أحوالهم عند الخروج من الدنيا، وقال أبو عمران الإصطخري: رأيت أبا تراب في البادية قائماً ميتاً لا يمسكه شيء انتهى.
فائدة: روي أن سليمان عليه السلام كان عمره ثلاثاً وخمسين سنة، ومدة ملكه أربعون سنة، وملك يوم ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة وابتدأ في بناء بيت المقدس لأربع سنين مضين من ملكه، وروي أن داود عليه السلام أسس بناء بيت المقدس في موضع فسطاط موسى عليه السلام فمات قبل أن يتم فوصى به إلى سليمان عليه السلام فأمر الشياطين بإتمامه.
ولما بقي من عمله سنة سأل الله تعالى أن يعمي عليهم موته حتى يفرغوا منه، وليبطل دعواهم علم الغيب، وروي أن إفريدون جاء ليصعد كرسيه فلما دنا منه ضرب الأسدان ساقه فكسراها فلم يجسر أحد بعد يدنو منه.
ولما بين تعالى حال الشاكرين لنعمه بذكر داود وسليمان عليهما السلام، بين حال الكافرين لأنعمه بحكاية أهل سبأ فقال تعالى:
﴿لقد كان لسبأ﴾ أي: القبيلة المشهور روى أبو سبرة النخعي عن أبي قرة بن مسيك القطيعي قال: قال رجل: يا رسول الله أخبرني عن سبأ أكان رجلاً أو امرأة أو أرضاً قال: «كان رجلاً من العرب وله عشرة من الولد تيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة، فأما الذين تيامنوا فكندة والأشعريون والأزد ومذحج وأنمار وحمير فقال رجل: وما أنمار قال: الذين منهم خثعم وبجيلة، وأما الذين تشاءموا فلخم وجذام وعاملة وغسان وسبأ يجمع هذه القبائل كلها» والجمهور على أن جميع العرب ينقسمون إلى قسمين: قحطانية وعدنانية، فالقحطانية: شعبان سبأ وحضرموت، والعدنانية: شعبان: ربيعة ومضر، وأما قضاعة فمختلف فيها فبعضهم نسبها إلى قحطان، وبعضهم إلى عدنان، قيل: إن قحطان أول من قيل له أنعم صباحاً وأبيت اللعن، قال بعضهم: وجميع العرب منسوب إلى إسماعيل بن إبراهيم وليس بصحيح، فإن إسماعيل عليه السلام نشأ بين جرهم بمكة وكانوا عرباً، والصحيح أن العرب العاربة كانوا قبل إسماعيل عليه السلام منهم عاد وثمود وطسم وجديس وأهم وجرهم والعماليق يقال: إن أهماً كان ملكاً ويقال: إنه أول من سقف البيوت بالخشب المنشور، وكانت الفرس تسميه آدم الأصغر وبنوه قبيلة يقال لها وبار هلكوا بالرمل أساله الله عليهم فأهلكهم وطم مناهلهم وفي ذلك يقول بعض الشعراء:
*وكر دهر على وبار... فهلكت عنوة وبار*
واسم سبأ: عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان وسمي سبأ قيل: لأنه أول من سبأ في العرب قاله السهيلي، ويقال: إنه أول من تتوج، وذكر بعضهم أنه كان مسلماً وله شعر يشير فيه بوجود النبي ﷺ وقال في سليمان عليه السلام:
*سيملك بعدنا ملك عظيم... نبي لا يرخص في الحرام*
*ويملك بعده منهم ملوك... يدينوه القياد بكل دامي*
الزمخشري: وكانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر وبعد الفجر مغتصة بالمبكرين إلى الجمعة يمشون بالسرج، وقيل: أول بدعة أحدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجمعة. وعن ابن مسعود: أنه بكر فرأى ثلاثة نفر سبقوه فاغتم وأخذ يعاتب نفسه ويقول: أراك رابع أربعة، وما رابع أربعة بسعيد. وعن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ـ أي: مثل غسلها ـ ثم راح في الساعة الأولى كان كمن قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة كأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يسمعون الذكر» وروى النسائي «في الخامسة كالذي يهدي عصفوراً، وفي السادسة بيضة، فمن جاء في أول ساعة منها، ومن جاء في آخرها مشتركان في تحصيل البدنة مثلاً، لكن بدنة الأول أكمل من بدنة الآخر، وبدنة المتوسط متوسطة» وهذا في حق غير الإمام أما هو فيسن له التأخير إلى وقت الخطبة اتباعاً للنبي ﷺ وخلفائه، ويسن إكثار الدعاء يومها وليلتها، أما يومها فلرجاء أن يصادف ساعة الإجابة، وهي ساعة خفية وإرجاها من جلوس الخطيب إلى آخر الصلاة كما في خبر مسلم. قال النووي: وأما خبر: «يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة فيه ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، فالتمسوها آخر
ساعة بعد العصر فيحتمل أن هذه الساعة منتقلة تكون يوماً في وقت، ويوماً في آخر كما هو المختار في ليلة القدر.
وأما ليلتها فبالقياس على يومها، وقد قال الشافعي: بلغني أن الدعاء يستجاب في ليلة الجمعة، ويسن إكثار الصلاة على النبي ﷺ في يومها وليلتها لخبر: «أكثروا علي من الصلاة ليلة الجمعة ويوم الجمعة فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً» وإكثار قراءة سورة الكهف يومها وليلتها لخبر: «من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق» وخبر: «من قرأها يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين» وفي هذا القدر كفاية.
ولما حث على الصلاة وأرشد إلى أن وقتها لا يصلح لطلب شيء غيرها بين لهم وقت المعاش بقوله تعالى:
﴿فإذا قضيت الصلاة﴾ أي: وقع الفراغ منها على أيّ وجه كان ﴿فانتشروا﴾ أي: فدبوا وتفرقوا مجتهدين ﴿في الأرض﴾ أي: جميعها للتجارة والتصرف في حوائجكم إن شئتم لا جناح عليكم ولا حرج رخصة من الله تعالى لكم ﴿وابتغوا﴾ أي: اطلبوا الرزق ﴿من فضل الله﴾ أي: الذي بيده كل شيء ولا شيء لغيره، وهذا أمر إباحة كقوله تعالى: ﴿وإذا حللتم فاصطادوا﴾ (المائدة: ٢)
قال ابن عباس: إن شئت فاخرج، وإن شئت فاقعد، وإن شئت فصل إلى العصر. وقيل: فانتشروا في الأرض ليس لطلب دنيا، ولكن لعيادة مريض وحضور جنازة، وزيارة أخ في الله تعالى. وقال الحسن، وسعيد بن جبير ومكحول ﴿وابتغوا من فضل الله﴾ هو طلب العلم ﴿واذكروا الله﴾ أي: الذي له الأمر كله ﴿كثيراً﴾ أي: بحيث لا تغفلون عنه بقلوبكم أصلاً ولا بألسنتكم حتى عند الدخول إلى الخلاء وعند أول الجماع، واستثني من الثاني وقت التلبس بالقذر كوقت قضاء الحاجة والجماع ﴿لعلكم تفلحون﴾ أي: تفوزون بالجنة والنظر إلى وجهه الكريم وعن جابر بن عبد الله «أن النبي ﷺ كان يخطب قائماً يوم الجمعة