وأبو عمرو وشعبة ﴿إنّ الله كان﴾ أي: ولم يزل ولا يزال ﴿سميعاً﴾ لكل ما يقال ﴿بصيراً﴾ بكلّ ما يفعل.
﴿يأيها الذين آمنوا﴾ أي: أقروا بالإيمان، وبدأ بما هو العمدة في الحمل على ذلك فقال: ﴿أطيعوا الله﴾ أي: فيما أمركم به ﴿وأطيعوا الرسول﴾ أي: فيما بينه لكم ﴿و﴾ أطيعوا ﴿أولي﴾ أي: أصحاب ﴿الأمر﴾ أي: الولاة ﴿منكم﴾ أي: إذا أمروكم بإطاعة الله ورسوله، وسواء كان ذلك في عهد رسول الله ﷺ أم بعده، ويندرج فيهم الخلفاء والقضاة وأمراء السرية.
روي أنه ﷺ قال: «السمع والطاعة على المرء فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة».
وروي أنه ﷺ خطب في حجة الوداع فقال: «اتقوا الله وصلوا رحمكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدّوا زكاة أموالكم وأطيعوا إذا أمركم تدخلوا جنة ربكم». وقيل: «المراد بأولي الأمر أبو بكر وعمر لقوله ﷺ «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» وقال عطاء هم المهاجرون والأنصار والتابعون لهم بإحسان بدليل قوله تعالى: ﴿والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان﴾ (التوبة، ١٠٠)
روي أنه ﷺ قال: «مثل أصحابي وأمّتي كالملح في الطعام ولا يصلح الطعام إلا بالملح»، قال الحسن: فقد ذهب ملحنا فكيف نصلح وقيل: المراد علماء الشرع لقوله تعالى: ﴿ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستبطونه منهم﴾ (النساء، ٨٣)
﴿فإن تنازعتم﴾ أي: اختلفتم ﴿في شيء فردوه إلى الله﴾ أي: كتابه ﴿والرسول﴾ أي: مدّة حياته وبعد وفاته إلى سنته أي: اكشفوا عليه منهما والردّ إلى الكتاب والسنة واجب إن وجد فيهما، فإن لم يوجد فسبيله الاجتهاد. وقيل: الرد إلى الله والرسول أن يقول لما لا يعلم: الله ورسوله أعلم ﴿إن كنتم تؤمنون با واليوم الآخر﴾ أي: فإن الإيمان يوجب هذا ﴿ذلك﴾ أي: من الردّ إليهما ﴿خير﴾ لكم من التنازع والقول بالرأي ﴿وأحسن تأويلاً﴾ أي: تأويلكم بلا رد أو عاقبة.
﴿س٤ش٦٠/ش٦٥ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْءَامَنُوا؟ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُو؟ا؟ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُو؟ا؟ أَن يَكْفُرُوا؟ بِهِ؟ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَا؟ بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوا؟ إِلَى مَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةُ؟ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَآ إِ؟ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا * أُو؟لَا؟؟ـ؟ِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِى؟ أَنفُسِهِمْ قَوْ؟ بَلِيغًا * وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِs لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ؟ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُو؟ا؟ أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا؟ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا؟ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا * فَ وَرَبِّكَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَجِدُوا؟ فِى؟ أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا؟ تَسْلِيمًا﴾
﴿ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا﴾ أي: أوجدوا هذه الحقيقة وأوقعوها في أنفسهم ﴿بما أنزل إليك﴾ أي: القرآن ﴿وما أنزل من قبلك﴾ أي: التوراة والإنجيل، قال الأصبهاني: ولا يستعمل أي: الزعم في الأكثر إلا في القول الذي لا يتحقق يقال: زعم فلان كذا إذا شك فيه فلا يعرف كذبه أو صدقه ﴿يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت﴾ أي: الباطل المغرق في البطلان، وقيل: هو كعب بن الأشرف.
روي عن ابن عباس أنّ بشراً المنافق خاصم يهودياً فقال اليهودي: ننطلق إلى محمد ﷺ وقال المنافق: بل إلى كعب بن الأشرف فأبى اليهودي أن يخاصمه إلا إلى رسول الله ﷺ فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله ﷺ فقضى رسول الله ﷺ لليهودي فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال: انطلق بنا إلى عمر رضي الله تعالى عنه فأتيا عمر فقال اليهودي: اختصمت أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه وزعم أنه يخاصم إليك فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ فقال: نعم فقال لهما عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما، فدخل وأخذ سيفه ثم خرج فضرب عنق المنافق، وقال: هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله، فنزلت هذه الآية، وقال جبريل عليه السلام: إنّ عمر فرق بين الحق والباطل فقال له النبيّ ﷺ «أنت الفاروق».
والطاغوت على هذا هو كعب بن الأشرف سمي بذلك
عن البداءة فهي لا تعجز عن الإعادة ﴿فسينغضون﴾ أي: يحركون ﴿إليك رؤوسهم﴾ تعجباً واستهزاء كأنهم في شدة جهلهم على غاية البصيرة من العلم بما يقولون والنغض والإنغاض تحريك بارتفاع وانخفاض ﴿ويقولون﴾ استهزاء ﴿متى هو﴾ أي: البعث والقيامة. قال الرازي: واعلم أنّ هذا السؤال فاسد لأنهم حكموا بامتناع الحشر والنشر بناء على الشبهة التي تقدمت ثم إنّ الله تعالى بيَّن بالبرهان الباهر كونه ممكناً في نفسه فقولهم متى هو كلام لا تعلق له بالمبحث فإنه لما ثبت بالدليل العقلي كونه ممكن الوجود في نفسه وجب الاعتراف بإمكانه فأما أنه متى يوجد فذلك لا يمكن إثباته من طريق العقل بل إنما يمكن إثباته بالدليل السمعي فإن أخبر الله تعالى عن ذلك الوقت المعين عرف وإلا فلا سبيل إلى معرفته لأنه تعالى بين في القرآن انه لا يطلع احداً من الخلق على وقته المعين فقال تعالى: ﴿إنّ الله عنده علم الساعة﴾ (لقمان، ٣٤)
وقال: ﴿إنما علمها عند ربي﴾ (الأعراف، ١٨٧)
. وقال تعالى: ﴿إنّ الساعة آتية اكاد أخفيها﴾ (طه، ١٥)
فلا جرم. قال تعالى: ﴿قل عسى أن يكون قريباً﴾ قال المفسرون: عسى من الله واجب ومعناه أنه قريب إذ كل آت قريب وأمال متى وعسى حمزة والكسائي إمالة محضة وورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح وقوله تعالى:
﴿يوم يدعوكم﴾ بدل من قريباً والمعنى عسى أن يكون البعث يوم يدعوكم، أي: بالنداء الذي يسمعكم وهو النفخة الأخيرة كما قال تعالى: ﴿يوم ينادي المنادي من مكان قريب﴾ (ق، ٤١)
. روي أنّ إسرافيل ينادي أيها الأجسام البالية والعظام النخرة والأجزاء المتفرّقة عودي كما كنتِ. ﴿فتستجيبون﴾ أي: تجيبون والاستجابة موافقة الداعي فيما دعا إليه وهي الإجابة إلا أنّ الاستجابة تقتضي طلب الموافقة فهي آكد من الإجابة واختلف في معنى قوله تعالى: ﴿بحمده﴾ فقال ابن عباس: بأمره. وقال سعيد بن جبير: يخرجون من قبورهم وينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون سبحانك اللهمّ وبحمدك فيحمدونه حين لا ينفعهم الحمد. وقال قتادة: بمعرفته وطاعته. وقال أهل المعاني: تستجيبون بحمده، أي: تستجيبون حامدين كما تقول جاء بغضبه، أي: جاء غضبان وركب الأمير بسيفه، أي: وسيفه معه. وقال الزمخشريّ: بحمده حال منهم، أي: حامدين وهي مبالغة في انقيادهم للبعث كقولك لمن تأمره بركوب ما يشق عليه فيأبى ويمتنع ستركبه وأنت حامد شاكر يعني أنك تحمل عليه وتقسر عليه قسراً حتى إنك تلين لين المستميح الراغب فيه الحامد عليه ﴿وتظنون أن﴾ أي: ما ﴿لبثتم إلا قليلاً﴾ أي: مع استجابتكم وطول لبثكم وشدّة ما ترون من الهول فعندها تستقصرون مدّة لبثكم في الدنيا وتحسبونها يوماً أو بعض يوم. وعن قتادة تحاقرت الدنيا في أنفسهم حين عاينوا الآخرة وقال الحسن: معناه تقريب وقت البعث فكأنك بالدنيا ولم تكن وبالآخرة ولم تزل فهذا يرجع إلى استقلال مدّة اللبث في الدنيا وقيل المراد استقلال مدّة لبثهم في برزخ القيامة لأنه لما كان عاقبة أمرهم الدخول في النار استقصروا لبثهم في برزخ القيامة. وقرأ نافع وابن كثير وعاصم بإظهار الثاء المثلثة عند التاء المثناة والباقون بالإدغام. ولما ذكر تعالى الحجة اليقينية في صحة المعاد وهو قوله تعالى: ﴿قل الذي فطركم أوّل مرّة﴾ قال تعالى:
﴿وقل﴾ يا محمد ﴿لعبادي﴾ أي: المؤمنين لأنّ لفظ العباد في أكثر
لا يعدمه من يود أنه لم يحصل، ولو قدر على إزالته لأزاله ولا يقدر على تأثير ما فيه ﴿وما يمسك فلا مرسل له﴾ يطلقه، واختلاف الضميرين، لأن الموصول الأول مفسر بالرحمة، والثاني مطلق يتناولها والغضب وفي ذلك إشعار بأن رحمته سبقت غضبه.
ولما كان ربما ادعى أحد فجوراً حال إمساك الرحمة أو النعمة أنه هو الممسك قال تعالى ﴿من بعده﴾ أي: إمساكه وإرساله ﴿وهو﴾ أي: هو فاعل ذلك، والحال أنه هو وحده ﴿العزيز﴾ أي: القادر على الإمساك والإرسال الغالب على كل شيء، ولا غالب له ﴿الحكيم﴾ أي: الذي يفعل في كل من الإمساك والإرسال وغيرهما ما يقتضيه علمه به ويتقن ما أراده على قوانين الحكمة فلا يستطاع نقض شيء منه.
ولما بيَّن بما يشاهده كل أحد في نفسه أنه المنعم وحده أمر بذكر نعمته بالاعتراف أنها منه، فإن الذكر يعود إلى الشكر وهو قيد الموجود وصيد المعدوم المفقود قال:
﴿يا أيها الناس﴾ أي: الجميع؛ لأن جميعهم مغمورون في نعمة الله تعالى، وعن ابن عباس يريد يا أهل مكة ﴿اذكروا﴾ بالقلب واللسان ﴿نعمت الله﴾ أي: الذي لا منعم في الحقيقة سواه ﴿عليكم﴾ أي: في دفع ما دفع عنكم من المحن وصنع ما صنع لكم من المنن لتشكروه ولا تكفروه.
تنبيه: ﴿نعمت﴾ هنا مجرورة في الرسم وقف عليها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالهاء، والباقون بالتاء، وإذا وقف الكسائي أمال الهاء.
ولما أمر بذكر نعمته أكد التعريف بأنها منه وحده على وجه بين عزته وحكمته بقوله تعالى منبهاً لمن غفل موبخاً لمن جحد ورادَّاً على أهل القدر الذين يدعون أنهم يخلقون أفعالهم ومنبهاً على نعمة الإيجاد الأول ﴿هل من خالق﴾ أي: للنعم وغيرها ﴿غير الله﴾ أي: فليس لغيره في ذلك مدخل يستحق أن يشرك به، وقرأ حمزة والكسائي بكسر الراء نعتاً لخالق على اللفظ ومن خالق مبتدأ مزاد فيه من، والباقون بالرفع وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه خبر المبتدأ، والثاني: أنه صفة لخالق على الموضع والخبر إما محذوف وإما يرزقكم. والثالث: أنه مرفوع باسم الفاعل على جهة الفاعلية؛ لأن اسم الفاعل قد اعتمد على أداة الاستفهام.
ولما كان جواب الاستفهام قطعاً لا بل هو الخالق وحده قال منبهاً على نعمة الإبقاء الأول بقوله تعالى: ﴿يرزقكم﴾ أي: وحده فنعمة الله تعالى مع كثرتها منحصرة في قسمين: نعمة الإيجاد، ونعمة الإبقاء.
ولما كانت كثرة الرزق كما هو مشاهد مع وحدة المنبع أدل على العظمة قال ﴿من السماء﴾ أي: بالمطر وغيره ﴿والأرض﴾ أي: بالنبات وغيره.
ولما بين تعالى أنه الرازق وحده قال ﴿لا إله إلا هو فأنىَّ تُؤفكون﴾ أي: من أين تصرفون عن توحيده مع إقراركم بأنه الخالق الرازق وتشركون المنحوت بمن له الملكوت.
ولما بين تعالى الأصل الأول وهو التوحيد ذكر الأصل الثاني وهو الرسالة بقوله تعالى:
﴿وإن يكذبوك﴾ أي: يا أشرف الخلق في مجيئك بالتوحيد والبعث والحساب والعقاب وغير ذلك ﴿فقد كذبت رسل من قبلك﴾ في ذلك، فإن قيل: فما وجه صحة جزاء الشرط ومن حق الجزاء أن يعقب الشرط وهذا سابق له؟ أجيب: بأن معناه وإن يكذبوك فتأس بتكذيب الرسل من قبلك فوضع ﴿فقد كذبت رسل من قبلك﴾ موضع «فتأس» استغناء بالسبب عن المسبب أعني
حتى يبلغ الكتاب أجله، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً» صححه الترمذي وغيره.
وقرأ ابن كثير وأبو بكر بفتح الياء التحتية، والباقون بكسرها ﴿وتلك﴾ أي: الأحكام العالية جداً لما فيها من الجلالة وبانتسابها إلى الملك الأعلى من هذا الذي ذكر في هذه السورة وغيرها ﴿حدود الله﴾ أي: الملك الأعظم ﴿ومن يتعد﴾ أي: يقع منه في وقت من الأوقات أنه تعمد أن يعدو ﴿حدود الله﴾ أي: الملك الذي لا كفء له أو بعضها كأن طلق بدعياً ﴿فقد ظلم نفسه﴾ أي: عرضها للعقاب.
وقرأ قالون وابن كثير وعاصم بإظهار الدال عند الظاء، والباقون بالإدغام ﴿لا تدري﴾ أي: نفس، أو أنت أيها النبي، أو المطلق ﴿لعل الله﴾ أي: الذي بيده القلوب ومقاليد جميع الأمور ﴿يحدث﴾ أي: يوجد شيئاً حادثاً لم يكن إيجاداً ثابتاً لا تقدر الخلق على التسبب في زواله ﴿بعد ذلك﴾ أي: الحادث من الإساءة والبغض ﴿أمراً﴾ بأن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه فيراجعها.
وقال أكثر المفسرين: أراد بالأمر هنا الرغبة في الرجعة، ومعنى الكلام التحريض على طلاق الواحدة والنهي عن الثلاث، وهذا أحسن الطلاق وأحله في السنة وأبعده عن الندم..
ويدل عليه ما روي عن ابراهيم النخعي أن أصحاب رسول الله ﷺ كانوا يستحبون أن لا يطلقوا للسنة إلا واحدة، ثم لا يطلقون غير ذلك حتى تنقضي العدة، وكان أحسن عندهم من أن يطلق الرجل ثلاثاً في ثلاثة أطهار. وقال مالك بن أنس: لا أعرف طلاق السنة إلا واحدة، وكان يكره الثلاث مجموعة كانت أو مفرقة. وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنما كرهوا ما زاد على الواحدة في طهر واحد، فأما مفرقاً في الأطهار فلا لما روي عن النبي ﷺ أنه قال لابن عمر حين طلق امرأته وهي حائض: «ما هكذا أمر الله إنما السنة أن تستقبل الطهر استقبالاً وتطلقها لكل قرء تطليقة» وروي أنه قال لعمر: «مر ابنك فليراجعها ثم ليدعها تحيض، ثم تطهر ثم ليطلقها إن شاء فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» وعند الشافعي لا بأس بإرسال الثلاث وقال: لا أعرف في عدد الطلاق سنة ولا بدعة، وهو مباح. ومالك يراعي في طلاق السنة الواحدة والوقت، وأبو حنيفة يراعي التفريق والوقت، والشافعي يراعي الوقت وحده.
قال الزمخشري: فإن قلت: هل يقع الطلاق المخالف للسنة؟ قلت: نعم وهو آثم لما روي عن النبي ﷺ «أن رجلاً طلق امرأته ثلاثاً بين يديه فقال: أتلعبون بكتاب الله وأنا بين أظهركم» وفي حديث ابن عمر أنه قال: يا رسول الله أرأيت لو طلقتها ثلاثاً فقال له: قال: «إذاً عصيت وبانت منك امرأتك».
وعن عمر رضي الله عنه أنه كان لايؤتى برجل طلق امرأته ثلاثاً إلا أوجعه ضرباً، وأجاز ذلك عليه. وعن سعيد بن المسيب وجماعة من التابعين أن من خالف السنة في الطلاق فأوقعه في حيض أو ثلاث لم يقع، وشبهوه بمن وكل غيره بطلاق السنة فخالف.
فإن قيل: قوله تعالى: ﴿إذا طلقتم النساء﴾ عام يتناول المدخول بهن وغير المدخول بهن من ذوات الأقراء والآيسات والصغائر والحوامل، فكيف صح تخصيصه بذوات الأقراء المدخول بهن؟.
أجيب: بأنه لا عموم ثم ولا خصوص، ولكن النساء اسم جنس للإناث من الإنس، وهذه الجنسية معنى قائم في كلهن


الصفحة التالية
Icon