ينتظر لها فيصلي بها ثانية، فإذا جلس للتشهد قامت وأتت بركعة وتلحقه، ويسلم بها ويصلي الثلاثية بفرقة ركعتين وبالثانية ركعة، وهو أفضل من عكسه ويصلي الرباعية بكل فرقة ركعتين.
وبقي نوع رابع: تقدّم عند قوله تعالى: ﴿فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً﴾ (البقرة، ٢٣٩)
﴿ود﴾ أي: تمنى ﴿الذين كفروا لو تغفلون﴾ إذا قمتم إلى الصلاة ﴿عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة﴾ بأن يحملوا عليكم فيأخذوكم وهذه علة الأمر بأخذ السلاح.
ولما كان الله تعالى قد تفضل على هذه الأمة ورفع عنها الحرج وكان المطر والمرض يشقان قال: ﴿ولا جناح﴾ أي: حرج ﴿عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم﴾ ؛ لأنّ حمل السلاح في المطر يكون سبباً لبله، وفي المرض يزيد حملها المريض وهناً، وهذا يفيد إيجاب حملها عند عدم العذر وهو أحد قولي الشافعي، والثاني: أنه سنة ورجح بشرط أن لا يؤذي ولا يحصل بترك حمله خطر ولا يمنع صحة الصلاة، فإن أذى كرمح وسط الصف كره حمله بل إن غلب على ظنه ذلك حرم، وإن حصل بتركه خطر وجب حمله ويمكن حمل الآية على هذه الحالة وكحمله وضعه بين يديه إن سهل مدّ يده إليه بل يتعين إن منع حمله الصحة من نجس أو غيره ﴿وخذوا حذركم﴾ من العدوّ أي: احترزوا منه ما استطعتم كيلا يهجم عليكم.
فإن قيل: كيف طابق الأمر بالحذر قوله تعالى: ﴿إنّ الله أعدّ للكافرين عذاباً﴾ أي: قتلاً وأسراً ونهباً في الدنيا ﴿مهيناً﴾ أي: ذا إهانة؟ أجيب: بأنّ الأمر بالحذر من العدوّ يوهم توقع غلبته واغتراره فنفى عنهم ذلك الإيهام بإخبارهم أن الله تعالى يهين عدوّهم ويخذله وينصرهم عليه لتقوى قلوبهم ويعلموا أنّ الأمر بالحذر ليس لذلك وإنما هو تعبد من الله تعالى كما قال تعالى: ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ (البقرة، ١٩٥).
ولما أعلمهم بما يفعلون في الصلاة حال الخوف اتبع ذلك ما يفعلون بعدها لئلا يظن أنها تغني عن مجرّد الذكر فقال مشيراً إلى تعقيبه.
﴿فإذا قضيتم الصلاة﴾ أي: فرغتم من فعلها وأدّيتموها على حالة الخوف أو غيرها ﴿فاذكروا الله﴾ أي: بالتهليل والتسبيح والتحميد والتمجيد ﴿قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم﴾ أي: مضطجعين أي: اذكروه في كل حال، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «كان رسول الله ﷺ يذكر الله على كل أحيانه» وقيل: صلوا قياماً في حال الصحة وقعوداً في حال المرض وعلى جنوبكم عند الحرج والزمانة ﴿فإذا اطمأننتم﴾ أي: أمنتم بما كنتم فيه من الخوف ﴿فأقيموا الصلاة﴾ أي: أدّوها بحقوقها على الحالة التي كنتم تفعلونها قبل الخوف ﴿إنّ الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً﴾ أي: مكتوباً أي: مفروضاً ﴿موقوتاً﴾ أي: مقدّراً وقتها لا تؤخر عنه ولا تقدّم عليه، قال ﷺ «أمني جبريل عند البيت مرّتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس، والعصر حين كان ظله أي الشيء مثله، والمغرب حين أفطر الصائم أي: دخل وقت إفطاره، والعشاء حين غاب الشفق الأحمر، والفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله والعصر حين كان ظله مثليه والمغرب حين أفطر الصائم والعشاء إلى ثلث الليل، والفجر فأسفر وقال: هذا وقت الأنبياء من قبلك»، رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم وغيره، وقوله ﷺ «فصلى الظهر حين صار ظله مثله» أي: فرغ منها حينئذٍ كما شرع في العصر في اليوم الأوّل حينئذٍ قاله
أن نراه نائماً إلا رأيناه» وفي رواية غيره قال: وكان يصوم من الشهر حتى نقول لا يفطر منه شيئاً ويفطر حتى نقول لا يصوم منه شيئاً ثم قال تعالى: ﴿عسى أن يبعثك ربك﴾ أي: المحسن إليك ﴿مقاماً محموداً﴾ أتفق المفسرون على أنّ كلمة عسى من الله واجب. قال أهل المعاني: لأن لفظة عسى تفيد الأطماع
ومن أطمع إنساناً في شيء ثم حرمه كان عاراً والله أكرم من أن يطمع أحدنا في شيء ثم لا يعطيه ذلك.
وأمّا المقام المحمود فقال الواحدي: أجمع المفسرون على أنه مقام الشفاعة كما قال ﷺ في هذه الآية: «هو المقام الذي أشفع فيه لأمّتي». وقال حذيفة: يجمع الناس في صعيد واحد فلا تتكلم نفس فأوّل مدعو محمد ﷺ فيقول: «لبيك وسعديك والشر ليس إليك، والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت». فقال هذا هو المراد من قوله تعالى: ﴿عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً﴾.
ويدل للأوّل أحاديث؛ منها ما روي عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله ﷺ «لكل نبيّ دعوة مستجابة وإني اختبأت دعوتي شفاعتي لأمتي وهي نائلة منكم إن شاء الله تعالى من مات لا يشرك بالله شيئاً». ومنها ما روي عن جابر أنه قال: أنّ رسول الله ﷺ قال: «من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته. حلت له شفاعتي يوم القيامة». ومنها ما روي عن أنس أنّ النبي ﷺ قال: «يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهموا بذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا فيأتون آدم فيقولون أنت آدم أبو البشر خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب أكله من الشجرة وقد نهي عنها ولكن ائتوا نوحاً أوّل نبيّ بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتون نوحاً فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب بسؤال ربه بغير علم ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن فيأتون إبراهيم فيقول لست هناكم ويذكر ثلاث كذبات كذبهنّ ولكن ائتوا موسى عبداً آتاه الله التوراة وكلمه وقربه نجياً. قال: فيأتون موسى فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب قتله النفس ولكن ائتوا عيسى عبد الله وكلمته قال: فيأتون عيسى فيقول لست هناكم ولكن ائتوا محمداً عبداً غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر قال: فيأتوني فاستأذن على ربي فيؤذن لي فإذا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله أن يدعني فيقول: ارفع رأسك يا محمد وقل تسمع واشفع تشفع وسل تعطه. قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء يعلمنيه قال ثم أشفع فيحدّ لي حدّاً فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود فأقع ساجداً فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول ارفع يا محمد وقل تسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال: فأرفع
رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه قال: ثم أشفع فيحد لي حدّاً فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة قال: فلا أدري في الثالثة أو الرابعة فأقول: يا رب ما بقي إلا من حبسه القرآن، أي: وجب عليه الخلود». وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: مقاماً محموداً يحمدك فيه الأولون والآخرون وتشرف
الخروج منها، وقرأ أبو عمرو بضم الياء وفتح الخاء، والباقون بفتح الياء وضم الخاء.
ولما كان الداخل إلى مكان أول ما ينظر إلى ما فيه من النفائس قال تعالى ﴿يحلون فيها﴾ أي: يلبسون على سبيل التزين والتحلي ﴿من أساور﴾ أي: بعض أساور ﴿من ذهب﴾ فمن الأولى للتبعيض، والثانية للتبيين وقوله تعالى ﴿ولؤلؤ﴾ عطف على ذهب أي: من ذهب مرصع باللؤلؤ، أو من ذهب في صفاء اللؤلؤ، وقرأ عاصم ونافع بالنصب عطفاً على محل من أساور، والباقون بالجر.
تنبيه: أساور جمع أسورة وهي جمع سوار، وذكر الأساور من بين سائر الحلي في مواضع كثيرة كقوله تعالى ﴿وحلوا أساور من فضة﴾ (الإنسان: ٢١)
يدل على كون المتحلي غير مبتذل في الأشغال؛ لأن كثرة الأعمال باليد فإذا حليت بالأساور على الفراغ من الأعمال، ولما كانت هذه الزينة لا تليق إلا على اللباس الفاخر قال تعالى ﴿ولباسهم فيها حرير﴾.
﴿وقالوا﴾ أي: ويقولون عند دخولهم، وعبر عنه بالماضي تحقيقاً له ﴿الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن﴾ قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: حزن النار، وقال قتادة: حزن الموت وقال مقاتل: لأنهم كانوا لا يدرون ما يصنع بهم، وقال عكرمة: حزن السيئات والذنوب وخوف رد الطاعات، وقال القاسم: حزن زوال النعم وخوف العاقبة، وقيل: حزن أهوال القيامة، وقال الكلبي: ما كان يحزنهم في الدنيا من أمر يوم القيامة، وقال سعيد بن جبير: الحزن في الدنيا، وقيل: همّ المعيشة، وقال الزجاج: أذهب الله تعالى عن أهل الجنة كل الأحزان ما كان منها لمعاش أو معاد أي: وهذا أولى الكل قال عليه الصلاة والسلام: «ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في منشرهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون: «الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن».
ثم قالوا ﴿إن ربنا﴾ أي: المحسن إلينا مع إساءتنا ﴿لغفور﴾ أي: محّاء للذنوب عيناً وأثراً للصنفين الأولين ولغيرهما من المذنبين ﴿شكور﴾ للصنف الثالث ولغيره من المطيعين.
تنبيه: ذكر الله تعالى عن هذه الثلاثة ثلاثة أمور كلها تفيد الكرامة، الأول: قولهم ﴿الحمد لله﴾ فإن الحامد يثاب. الثاني: قولهم ﴿ربنا﴾ فإن الله تعالى إذا نودي بهذا اللفظ استجاب للمنادي ما لم يكن يطلب ما لا يجوز. الثالث: قولهم ﴿غفور شكور﴾ والغفور إشارة إلى ما غفر لهم في الآخرة بحمدهم في الدنيا، والشكور إشارة إلى ما يعطيهم الله ويزيدهم بسبب حمدهم في الآخرة. وقولهم:
﴿الذي أحلنا دار المقامة﴾ أي: الإقامة إشارة إلى أن الدنيا منزلة ينزلها المكلف ويرتحل منها إلى منزلة القبور، ومن القبور إلى منزلة العرصة التي فيها الجمع ومنها التفريق إلى دار البقاء، إما إلى الجنة، وإما إلى النار أجارنا الله تعالى ومحبينا منها. وقولهم ﴿من فضله﴾ أي: بلا عمل منا فإن حسناتنا إنما كانت مناً منه تعالى إذ لا واجب عليه، متعلق بأحلنا، ومن إما للعلة، وإما لابتداء الغاية.
وقولهم ﴿لا يمسنا فيها﴾ أي: في وقت من الأوقات ﴿نصب ولا يمسنا فيها لغوب﴾ حال من مفعول أحلنا الأول أو الثاني، لأن الجملة مشتملة على ضمير كل منهما، وإن كان الحال من الأول أظهر، والنصب التعب والمشقة، واللغوب الفتور الناشئ عنه، وعلى هذا فيقال: إذا انتفى السبب انتفى المسبب، فإذا قيل: لم آكل فيعلم التغاء الشبع فلا حاجة إلى قوله ثانياً فلم أشبع بخلاف العكس، ألا ترى أنه يجوز لم أشبع ولم آكل والآية
المسجد ونادى بأعلى صوته لم يطلق رسول الله ﷺ نساءه».
شرح بعض ألفاظ هذا الحديث:
قوله: فعدلت معه أي: فملت معه، بالأداوة أي: الركوة، والعوالي جمع عالية، وهي أماكن بأعلى أرض المدينة. وقوله: لا يغرنك إن كانت جارتك يريد بها الضرة وهي عائشة، وأوسم منك أي: أكثر حسناً، وقوله: فكنا نتناوب النزول: التناوب هو ما يفعله الإنسان مرة، ويفعله آخر بعده، والمشربة بضم الراء وفتحها الغرفة. وقوله: فإذا هو متكئ على رمال حصير: يقال: رملت الحصير إذا ظفرته ونسجته، والمراد أنه لم يكن على السرير وطاء سوى الحصير. وقوله: ما رأيت فيه مايرد البصر إلا أهبة ثلاث: الأهبة والأهب جمع إهاب، وهو الجلد. وقوله: من شدة موجدته: الموجدة الغضب.
وقرأ: ﴿وإن تظاهرا﴾ الكوفيون بتخفيف الظاء، والباقون بتشديدها أي: تتعاونا ﴿عليه﴾ أي: النبي ﷺ فيما يكرهه ﴿فإن الله﴾ الملك الأعظم الذي لا كفء له، وقوله تعالى: ﴿هو﴾ يجوز أن يكون فصلاً، وقوله: ﴿مولاه﴾ الخبر، وأن يكون مبتدأ ومولاه خبره، والجملة خبر إن، والمعنى فإن الله وليه وناصره فلا يضره ذلك التظاهر منهما.Y
وقوله تعالى: ﴿وجبريل وصالح المؤمنين﴾ معطوف على محل اسم إن فيكونون ناصريه، ويجوز أن يكون جبريل مبتدأ وما بعده عطف عليه وظهير خبر الجميع فتختص الولاية بالله.
واختلف في صالح المؤمنين، فقال عكرمة: هو أبو بكر وعمر، وقال المسيب بن شريك: هو أبو بكر. وقال سعيد بن جبير: هو عمر، وعن أسماء بنت عميس: هو علي بن أبي طالب. وقال الطبري: هو خيار المؤمنين. وصالح اسم جنس كقوله تعالى: ﴿إن الإنسان لفي خسر﴾ (العصر: ٢) وقال قتادة: هم الأنبياء. وقال ابن زيد: هم الملائكة. وقال السدي: هم أصحاب محمد ﷺ والأولى أن يشمل هذه الأقوال كلها ﴿والملائكة﴾ أي: كلهم ﴿بعد ذلك﴾ أي: الأمر العظيم الذي تقدم ذكره ﴿ظهير﴾ أي: ظهراء أعوان له في نصره عليكما.
تنبيه: أخبر عن الجمع باسم الجنس إشارة إلى أنهم على كلمة واحدة، ومنهم جبريل عليه السلام فهو مذكور خصوصاً وعموماً ثلاث مرات على القول بأن صالح المؤمنين هم الملائكة إن قلنا بالعموم، وذلك إظهار لشدة محبته وموالاته للنبي ﷺ وهذه الأية عكس آية البقرة، وهي قوله تعالى: ﴿من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال﴾ (البقرة: ٩٨) فإنه ذكر الخاص بعد العام تشريفاً له، وهنا ذكر العام بعد الخاص. قال ابن عادل: ولم يذكر الناس إلا القسم الأول، وفي جبريل لغات تقدم ذكرها في البقرة.
ولما كان أشد ما على المرأة أن تطلق، ثم إذا طلقت أن يستبدل بها، ثم يكون البدل خيراً منها قال تعالى محذراً لهن:
وإن تظاهرا عليه} (التحريم: ٤)
» الآية. وفي رواية «أنه استأذن رسول الله ﷺ أن يخبر الناس أنه لم يطلق نساءه فأذن له، وإنه قام على باب المسجد ونادى بأعلى صوته لم يطلق رسول الله ﷺ نساءه».
شرح بعض ألفاظ هذا الحديث:
قوله: فعدلت معه أي: فملت معه، بالأداوة أي: الركوة، والعوالي جمع عالية، وهي أماكن بأعلى أرض المدينة. وقوله: لا يغرنك إن كانت جارتك يريد بها الضرة وهي عائشة، وأوسم منك أي: أكثر حسناً، وقوله: فكنا نتناوب النزول: التناوب هو ما يفعله الإنسان مرة، ويفعله آخر بعده، والمشربة بضم الراء وفتحها الغرفة. وقوله: فإذا هو متكئ على رمال حصير: يقال: رملت الحصير إذا ظفرته ونسجته، والمراد أنه لم يكن على السرير وطاء سوى الحصير. وقوله: ما رأيت فيه مايرد البصر إلا أهبة ثلاث: الأهبة والأهب جمع إهاب، وهو الجلد. وقوله: من شدة موجدته: الموجدة الغضب.
وقرأ: ﴿وإن تظاهرا﴾ الكوفيون بتخفيف الظاء، والباقون بتشديدها أي: تتعاونا ﴿عليه﴾ أي: النبي ﷺ فيما يكرهه ﴿فإن الله﴾ الملك الأعظم الذي لا كفء له، وقوله تعالى: ﴿هو﴾ يجوز أن يكون فصلاً، وقوله: ﴿مولاه﴾ الخبر، وأن يكون مبتدأ ومولاه خبره، والجملة خبر إن، والمعنى فإن الله وليه وناصره فلا يضره ذلك التظاهر منهما.Y
وقوله تعالى: ﴿وجبريل وصالح المؤمنين﴾ معطوف على محل اسم إن فيكونون ناصريه، ويجوز أن يكون جبريل مبتدأ وما بعده عطف عليه وظهير خبر الجميع فتختص الولاية بالله.
واختلف في صالح المؤمنين، فقال عكرمة: هو أبو بكر وعمر، وقال المسيب بن شريك: هو أبو بكر. وقال سعيد بن جبير: هو عمر، وعن أسماء بنت عميس: هو علي بن أبي طالب. وقال الطبري: هو خيار المؤمنين. وصالح اسم جنس كقوله تعالى: ﴿إن الإنسان لفي خسر﴾ (العصر: ٢) وقال قتادة: هم الأنبياء. وقال ابن زيد: هم الملائكة. وقال السدي: هم أصحاب محمد ﷺ والأولى أن يشمل هذه الأقوال كلها ﴿والملائكة﴾ أي: كلهم ﴿بعد ذلك﴾ أي: الأمر العظيم الذي تقدم ذكره ﴿ظهير﴾ أي: ظهراء أعوان له في نصره عليكما.
تنبيه: أخبر عن الجمع باسم الجنس إشارة إلى أنهم على كلمة واحدة، ومنهم جبريل عليه السلام فهو مذكور خصوصاً وعموماً ثلاث مرات على القول بأن صالح المؤمنين هم الملائكة إن قلنا بالعموم، وذلك إظهار لشدة محبته وموالاته للنبي ﷺ وهذه الأية عكس آية البقرة، وهي قوله تعالى: ﴿من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال﴾ (البقرة: ٩٨) فإنه ذكر الخاص بعد العام تشريفاً له، وهنا ذكر العام بعد الخاص. قال ابن عادل: ولم يذكر الناس إلا القسم الأول، وفي جبريل لغات تقدم ذكرها في البقرة.
ولما كان أشد ما على المرأة أن تطلق، ثم إذا طلقت أن يستبدل بها، ثم يكون البدل خيراً منها قال تعالى محذراً لهن:
﴿عسى ربه﴾ أي: المحسن إليه بجميع أنواع الإحسان التي عرفتموها، وما لم تعرفوه منها أكثر جدير وحقيق ووسط بين عسى وخبرها اهتماماً وتخويفاً قوله تعالى: ﴿إن طلقكن﴾ أي: بنفسه من غير اعتراض عليه جميعكن أو بعضكن.
قيل: كل عسى في القرآن واجب إلا هذه الآية، وقيل: هو واجب ولكن الله تعالى علقه بشرط، وهو التطليق ولم يطلقهن فإن طلقكن شرط معترض بين اسم عسى وخبرها وجوابه محذوف أو متقدم أي: إن طلقكن فعسى ربه وقوله تعالى ﴿أن يبدله﴾ أي: بمجرد طلاقه. وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الباء وتشديد الدال، والباقون بسكون الموحدة وتخفيف الدال. ﴿أزواجاً خيراً منكن﴾ خبر عسى، والجملة جواب الشرط ولم يقع التبدل