والنفقة وهو أن يقول الزوج لها: إنك قد دخلت في السن وإني أريد أن أتزوّج امرأة شابة جميلة أوثرها عليك في القسم ليلاً ونهاراً فإن رضيتي بهذا فأقيمي وإن كرهت خليت سبيلك، فإن رضيت كانت هي المحسنة، ولا تجبر على ذلك وإن لم ترض بدون حقها كان على الزوج أن يوفيها حقها من القسم والنفقة، أو يسرحها بإحسان، فإن أمسكها ووفاها حقها مع كراهته فهو المحسن، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بضم الياء وسكون الصاد ولا ألف من أصلح بين المتنازعين، والباقون بفتح الياء وفتح الصاد مع التشديد وألف بعدها وفتح اللام وفيه إدغام التاء في الأصل في الصاد، وغلظ ورش اللام من يصالحا بخلاف عنه ﴿والصلح﴾ بأن يترك كل منهما حقه أو بعض حقه ﴿خير﴾ من الفرقة والنشوز والإعراض.
كما «يروى أن سودة كانت امرأة كبيرة أراد النبيّ ﷺ أن يفارقها فقالت: لا تطلقني وإنما بي أن أبعث في نسائك وقد جعلت نوبتي لعائشة فأمسكها رسول الله ﷺ وكان يقسم لعائشة يومها ويوم سودة» ثم بين سبحانه وتعالى ما جبل عليه الإنسان بقوله: ﴿وأحضرت الأنفس الشح﴾ أي: جبلت عليه فكأنها حاضرة لا تغيب عنه، فلا تكاد المرأة تسمح بالإعراض عنها والتقصير في حقها ولا بنفسه بأن يمسكها ويقوم بحقها على ما بنبغي إذ الزوج لا يكاد يسمح بنفسه إذا كرهها وخصوصاً إذا أحب غيرها، والشح أقبح البخل وحقيقته الحرص على منع الخير ﴿وإن تحسنوا﴾ أي: في عشرة النساء وإن كنتم كارهين ﴿وتتقوا﴾ أي: النشوز والإعراض ونقص الحق ﴿فإنّ الله كان﴾ أزلاً وأبداً ﴿بما تعملون﴾ أي: من الإحسان والخصومة ﴿خبيراً﴾ أي: عليماً به وبالغرض منه فيجازيكم عليه.
﴿ولن تستطيعوا﴾ أي: توجدوا من أنفسكم طواعية بالغة دائمة ﴿إن تعدلوا﴾ أي: تسووا بين ﴿النساء﴾ أي: في المحبة؛ لأنّ العدل أن لا يقع ميل البتة وهو متعذر، ولذلك كان رسول الله ﷺ يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: «هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك» رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم ﴿ولو حرصتم﴾ على تحرّي ذلك وبالغتم فيه ﴿فلا تميلوا﴾ أي: إلى التي تحبونها ﴿كل الميل﴾ في القسم والنفقة فإنّ ما لا يدرك كله لا يترك كله ﴿فتذروها﴾ أي: تتركوا المرأة الممال عنها ﴿كالمعلقة﴾ أي: التي لا هي أيم ولا ذات بعل.
وعن النبيّ ﷺ «من كان له امرأتان يميل إلى إحداهما جاء يوم القيامة وإحدى شقيه مائل» رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم.
وروي أنّ عمر رضي الله تعالى عنه بعث إلى أزواج النبيّ ﷺ بمال فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: إلى كل أزواج النبيّ ﷺ بعث عمر مثل هذا قالوا: لا بعث إلى القرشيات بمثل هذا وإلى غيرهنّ بغيره فقالت: ارفع رأسك فإنّ رسول الله ﷺ كان يعدل بيننا في القسمة بماله ونفسه فرجع الرسول فأخبره فأتم لهنّ جميعاً، وكان لمعاذ رضي الله تعالى عنه امرأتان فإذا كان عند إحداهما لم يتوضأ في بيت الأخرى فماتتا في الطاعون فدفنهما في قبر واحد ﴿وإن تصلحوا﴾ أي: ما كنتم تفسدون من أمورهنّ ﴿وتتقوا﴾ فيما يستقبل ﴿فإنّ الله كان غفوراً﴾ أي: لما في قلوبكم من الميل ﴿رحيماً﴾ بكم في ذلك وغيره فإنه أرحم الراحمين.
﴿وإن يتفرّقا﴾ أي: يفترق كل من الزوجين من صاحبه بالطلاق ﴿يغن الله كلاً﴾ منهما عن الآخر ببدل بأن يرزقها زوجاً ويرزقه غيرها أو سلواً ﴿من سعته﴾ أي: من فضله وكرمه ﴿وكان الله واسعاً﴾ أي: واسع الفضل والرحمة بخلقه ﴿حكيماً﴾ أي: فيما دبره لهم، وفي قوله تعالى:
﴿وما في السموات وما في الأرض﴾ أي: ملكاً وعبيداً تنبيه على كمال سعته وقدرته ﴿ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب﴾ أي: جنس الكتب ﴿من قبلكم﴾ أي: اليهود والنصارى ومن قبلهم وقوله تعالى: ﴿وإياكم﴾ عطف على الذين وهو خطاب لأهل القرآن ﴿أن اتقوا الله﴾ أي: بأن اتقوا الله أي: خافوا عقابه بأن تطيعوه، وقوله تعالى: ﴿وإن تكفروا﴾ أي: بما وصيتم به ﴿فإنّ ما في السموات وما في الأرض﴾ على إرادة القول. قال التفتازاني: لأنّ الجملة الشرطية لا تصح أن تقع بعد أن المصدرية فلا يصح عطفها على الواقع بعدها أي: وقلنا لهم ولكم إن تكفروا فإنّ الله مالك الملك كله لا يتضرر بكفركم ومعاصيكم كما لا ينتفع بشكركم وتقواكم وإنما يوصيكم لرحمته لا لحاجته. ثم قرّر ذلك بقوله تعالى: ﴿وكان الله غنياً﴾ عن الخلق وعبادتهم ﴿حميداً﴾ في ذاته حمد أو لم يحمد.
﴿وما في السموات وما في الأرض وكفى با وكيلاً﴾ أي: شهيداً بأنّ ما فيهما له.
فإن قيل: ما فائدة تكرير لله ما في السموات وما في الأرض؟ أجيب: بأنّ لكل واحدة منها وجهاً أمّا الأوّل: فمعناه لله ما في السموات وما في الأرض وهو يوصيكم بالتقوى فاقبلوا وصيته، وأمّا الثاني: فمعناه لله ما في السموات وما في الأرض وكان الله غنياً حميداً أي: هو الغنيّ المطلق فاطلبوا منه ما تطلبون فإنه لا ينفد ما عنده، وأمّا الثالث: فمعناه لله ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً ولا تتوكلوا على غيره فذكرت كل مرّة دليلاً على شيء غير الذي قبله، وكررت؛ لأنّ الدليل الواحد إذا كان دالاً على مدلولات يحسن أن يستدل به على كل واحد منها وإعادته مع كل واحد أولى من الاكتفاء بذكره مرّة واحدة؛ لأنّ إعادته تحضر في الذهن ما يوجب العلم بالمدلول فيكون العلم الحاصل بذلك المدلول أقوى وأجل، وفي ختم كل جملة بصفة من الصفات الحسنى تنبيه الذهن بها إلى أنّ هذا الدليل محتوٍ على أسرار شريفة ومطالب جليلة لا تنحصر،
وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردّوه إليّ أصبر لأمر الله تعالى حتى يحكم
الله بيني وبينكم. فقالوا: يا محمد فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت أنه ليس أحد أضيق بلاداً وأشدّ عيشاً منا فسل لنا ربك الذي بعثك فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت ويبسط لنا بلادنا ويفجر فيها أنهاراً كأنهار الشأم والعراق وليبعث لنا من مضى من آبائنا وليكن منهم قصي بن كلاب فإنه كان شيخاً صدوقاً فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل فإن صدّقوك صدّقناك. فقال رسول الله ﷺ ما بهذا بعثت فقد بلغتكم ما أرسلت به وإن تقبلوه فهو حظكم وإن تردّوه أصبر لأمر الله. قالوا: فإن لم تفعل فسل ربك أن يبعث ملكاً يصدّقك وسله أن يجعل لك جناناً وقصوراً وكنوزاً من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك فإنا نقوم بالأسواق ونلتمس المعاش كما تلتمسه فقال ﷺ ما بعثت بهذا ولكنّ الله بعثني بشيراً ونذيراً. قالوا: فأسقط السماء كما زعمت إنّ ربك إن شاء فعل؟ فقال: ذاك إلى الله إن شاء فعل ذلك بكم. فقال قائل منهم: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً، فلما قالوا ذلك قام رسول الله ﷺ وقام معه عبد الله بن أمية وهو ابن عاتكة بنت عبد المطلب، وقال له: عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ثم سألوك أن تجعل ما تخوّفهم به من العذاب فلم تفعل فوالله لا أؤمن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً ترقى به، وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي بنسخة منشورة معك، ونفر من الملائكة يشهدون لك بما تقول وأيم الله لو فعلت ذلك لظننت أن لا أصدّقك فانصرف رسول الله ﷺ إلى أهله حزيناً لما رأى من مباعدتهم فأنزل الله هذه الآية» وفيها إشارة إلى أنه ليس من شرط كونه نبياً صادقاً تواتر المعجزات الكثيرة وتواليها إذ لو فتح هذا الباب لزم أن لا ينتهي الأمر فيه إلى مقطع وكلما أتى النبيّ ﷺ بمعجز اقترحوا عليه بمعجز آخر ولا ينتهي الأمر فيه إلى حدّ ينقطع عنه عناد المعاندين
وتعنت الجاهلين
مع أنه ﷺ أعطى من الآيات والمعجزات ما أغنى عن هذا كله مثل القرآن وانشقاق القمر وتفجير العيون من بين الأصابع وما أشبه ذلك.
ولما تمّ تعنتهم وكان لسان الحال طالباً من الله تعالى الجواب عنه أمر الله تعالى بجوابهم بقوله تعالى: ﴿قل﴾ أي: لهؤلاء البعداء والأشقياء: ﴿سبحان ربي﴾ أي: تعجباً من اقتراحاتهم وتنزيهاً لله من أن يأتي أو يتحكم عليه أو يشاركه أحد في القدرة. وقرأ ابن كثير وابن عامر بصيغة الماضي والباقون قل بصيغة الأمر و ﴿هل كنت إلا بشراً﴾ لا يقدر على غير ما يقدر عليه البشر ﴿رسولاً﴾ كما كان من قبلي من الرسل وكانوا لا يؤتون قومهم إلا بما يظهره الله تعالى على أيديهم بما يلائم حال قومهم ولم يكن أمر الآيات إليهم ولا لهم أن يتحكموا على الله حتى يتخيروها.
هذا هو الجواب المجمل، وأمّا التفصيلي فقد ذكر في آيات أخر كقوله تعالى: ﴿ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم﴾ (الأنعام، ٧)
﴿ولو فتحنا عليهم باباً﴾ (الحجر، ١٤)
ونحو ذلك. ولما أمر بما تضمن أنه كإخوانه من الرسل في كونه بشراً أتبعه قوله عطفاً على فأبى أو وقالوا:
﴿وما منع الناس﴾ أي: قريشاً ومن قال بقولهم لما لهم من الاضطراب ﴿أن يؤمنوا﴾ أي: لم يبق لهم مانع من الإيمان والجملة مفعول
وأدغم الباقون، وهي واو القسم أو العطف إن جعل يس مقسماً به، ثم وصف القرآن بقوله تعالى: ﴿الحكيم﴾ أي: المحكم بعظيم النظم وبديع المعاني، وقوله تعالى:
﴿إنك لمن المرسلين﴾ أي: الذين حكمت عقولهم على دواعي نفوسهم فصاروا بما وهبهم الله من القوة النورانية وبما تخلقوا به من أوامره ونواهيه كالملائكة الذين تقدم ذكرهم في السورة الماضية إنهم رسله جواب القسم وهو رد على الكفار حيث قالوا: لست مرسلاً، فإن قيل: المطلب يثبت بالدليل لا بالقسم فما الحكمة بالإقسام؟ أجيب: بأوجه: أولها: أن العرب كانوا يتقون الأيمان الفاجرة، وكانوا يقولون إن الأيمان الفاجرة توجب خراب العالم، وصحح النبي ﷺ ذلك بقوله: «اليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع» ثم إنهم كانوا يقولون: إن النبي ﷺ يصيبه من آلهتهم وهي الكواكب عذاب، والنبي ﷺ يحلف بأمر الله وإنزال كلامه عليه بأشياء مختلفة، وما كان يصيبه عذاب بل كان كل يوم أرفع شأناً وأمنع مكاناً فكان ذلك يوجب اعتقاد أنه ليس بكاذب.
ثانيها: أن المناظرين إذا وقع بينهما كلام وغلب أحدهما الآخر بتمشية دليله وأسكته يقول المغلوب: إنك قررت هذا بقوة جدالك وأنت خبير في نفسك بضعف مقالتك، وتعلم أن الأمر ليس كما تقول وإن أقمت عليه الدليل صورة وعجزت أنا على القدح فيه، وهذا كثير الوقوع بين المتناظرين فعند هذا لا يجوز أن يأتي هو بدليل آخر؛ لأن الساكت المنقطع يقول في الدليل الآخر ما قاله في الأول فلا يجد أمراً إلا اليمين، فكذلك النبي ﷺ أقام البراهين وقالت الكفرة ﴿ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد أباؤكم﴾ (سبأ: ٤٣)
﴿وقالوا ما هذا إلا أفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين﴾ (سبأ: ٤٣)
فالتمسك بالأيمان لعدم فائدة الدليل.
ثالثها: أن هذا ليس بمجرد الحلف بل دليل خرج في صورة اليمين؛ لأن القرآن معجزة، ودليل كونه مرسلاً هو المعجزة والقرآن كذلك، فإن قيل: لِمَ لم يذكر في صورة الدليل وما الحكمة في ذكر الدليل في صورة اليمين؟ أجيب: بأن الدليل إذا ذكر في صورة اليمين، واليمين لا يقع ولاسيما من العظيم الأعلى أمر عظيم والأمر العظيم تتوفر الدواعي على الإصغاء إليه فلصورة اليمين يقبل عليه السامع لكونه دليلاً شافياً يسر به الفؤاد فيقع في السمع وفي القلب وقوله تعالى:
﴿على صراط﴾ أي: طريق واسع واضح ﴿مستقيم﴾ أي: هو التوحيد والاستقامة في الأمر، يجوز أن يكون متعلقاً بالمرسلين تقول: أرسلت عليه كذا قال تعالى ﴿وأرسل عليهم طيراً أبابيل﴾ (الفيل: ٣)
وأن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه حال من الضمير المستكن في ﴿لمن المرسلين﴾ لوقوعه خبراً، وأن يكون حالاً من المرسلين، وأن يكون خبراً ثانياً لإنك.H
وقرأ قنبل «سراط» بالسين عوضاً عن الصاد، وخلف بالإشمام وهو بين الصاد والزاي، والباقون بالصاد الخالصة.
ولما كان كأنه قيل: ما هذا الذي أرسل به؟ كان كأنه قيل جواباً: هو القرآن الذي وقع الإقسام به وهو:
﴿تنزيل﴾ أو حال كونه تنزيل ﴿العزيز﴾ أي: المتصف بجميع صفات الجلال ﴿الرحيم﴾ أي: الحاوي لجميع صفات الإكرام الذي ينعم على من يشاء من عباده بعد الإنعام بإيجادهم فهو الواحد المنفرد في ملكه، وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي تنزيل بالنصب
وملك السموات في الدنيا والآخرة، وقال ابن عباس: بيده الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء ويحيي ويميت ويغني ويفقر ويعطي ويمنع. قال الرازي: وهذه الكلمة تستعمل لتأكيد كونه تعالى ملكاً ومالكاً كما يقال: بيد فلان الأمر والنهي والحل والعقد، وذكر اليد إنما هو تصوير للإحاطة ولتمام القدرة؛ لأنها محلها مع التنزه عن الجارحة وعن كل ما يفهم حاجة أو شبهها ﴿وهو على كل شيء﴾، أي: من الممكنات ﴿قدير﴾ أي: تام القدرة.
تنبيه: احتج أهل السنة بهذه الآية على أنه لا يؤثر إلا قدرة الله تعالى، وأبطلوا القول بالطبائع كقول الفلاسفة، وأبطلوا القول بالتولدات كقول المعتزلة، وأبطلوا القول بكون العبد موجداً لأفعال نفسه لقوله تعالى: ﴿وهو على كل شيء قدير﴾ ودلت هذه الآية على الوحدانية لأنا لو قدرنا إلهاً ثانياً فإمّا أن يقدر على إيجاد شيء أو لا، فإن لم يقدر على إيجاد شيء لم يكن إلهاً وإن قدر كان مقدور ذلك الإله الثاني شيئاً فيلزم كون ذلك الشيء مقدوراً للإله الأول لقوله: ﴿وهو على كل شيء قدير﴾ فيلزم وقوع مخلوق من خالقين وإنه محال، لأنه إذا كان كل واحد منهما مستقلاً بالإيجاد يلزم أن يستغني كل واحد منهما عن كل واحد منهما فيكون محتاجاً إليهما وغنياً عنهما وذلك محال. وقرأ: ﴿وهو على كل شيء قدير﴾ ﴿وهو العزيز الغفور﴾ ﴿وهو اللطيف﴾ وما أشبه ذلك أبو عمرو وقالون والكسائي بسكون الهاء والباقون بضمها، وخرج بقولنا من الممكنات أنه تعالى ليس قادراً على نفسه، وأجاب بعضهم بأن هذا عام مخصوص.
ودل على تمام قدرته قوله تعالى: ﴿الذي خلق﴾ أي: قدر وأوجد ﴿الموت والحياة﴾ قيل: خلق الموت في الدنيا والحياة في الآخرة، وقدم الموت على الحياة لأنّ الموت إلى القهر أقرب كما قدم البنات على البنين فقال: ﴿يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور﴾ (الشورى: ٤٩)
وقيل: قدمه لأنه أقدم، لأنّ الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنطف والتراب ونحوه. وقال قتادة: كان رسول الله ﷺ يقول: «إن الله أذل بني آدم بالموت وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء» وعن أبي الدرداء أن النبي ﷺ قال: «لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه الفقر والمرض والموت» وقيل: إنما قدم الموت على الحياة لأن من نصب الموت بين عينيه كان أقوى الدواعي إلى العمل، وحكي عن ابن عباس والكلبي ومقاتل أنّ الموت والحياة جسمان، والموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء وهي التي كان جبريل عليه السلام والأنبياء عليهم السلام يركبونها خطوتها مدّ البصر فوق الحمار ودون البغل لا تمر بشيء ولا يجد ريحها إلا حيي ولا تطأ على شيء إلا حيي وهي التي أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل فحيي، حكاه الثعلبي والقشيري عن ابن عباس.
وعن مقاتل: ﴿خلق الموت﴾ يعني: النطفة والعلقة والمضغة، وخلق الحياة يعني: خلق إنساناً فنفخ فيه الروح فصار إنساناً. قال القرطبي: وهذا حسن يدل عليه قوله تعالى: ﴿ليبلوكم﴾ أي: يعاملكم وهو أعلم بكم من أنفسكم معاملة المختبر لإظهار ما عندكم من العمل بالاختبار ﴿أيكم أحسن عملاً﴾ أي: من جهة العمل، أي: عمله أحسن من عمل غيره،


الصفحة التالية
Icon