﴿عن المسجد الحرام﴾ وقوله تعالى: ﴿أن تعتدوا﴾ أي: يشتد عدْوُكم عليهم بأن تنتقموا منهم بالقتل وغيره، ثاني مفعولي يجرمنكم فإنه يتعدّى إلى واحد وإلى اثنين ككسب ﴿وتعاونوا على البر والتقوى﴾ أي: بفعل ما أمرتم به ﴿ولا تعاونوا﴾ فيه حذف إحدى التاءين في الأصل ﴿على الإثم﴾ أي: المعاصي للتشفي ﴿والعدوان﴾ أي: التعدي في حدود الله للانتقام ﴿واتقوا الله﴾ أي: خافوا عقابه بأن تطيعوه ﴿إنّ الله شديد العقاب﴾ لمن خالفه فانتقامه أشد.
وقوله تعالى:
﴿حرمت عليكم الميتة﴾ أي: أكلها بيان ما يتلى عليكم والميتة ما فارقته الروح من غير ذكاة شرعية ﴿والدم﴾ أي: المسفوح قال تعالى: ﴿أو دماً مسفوحاً﴾ وكان أهل الجاهلية يصبونه في الأمعاء ويشوونها ﴿ولحم الخنزير﴾ قال العلماء: الغذاء يصير جزءاً من جوهر المتغذي ولا بد أن يحصل للمتغذي أخلاق وصفات من جنس ما كان حاصلاً في الغذاء، والخنزير مطبوع على حرص عظيم ورغبة شديدة في المنهيات فحرّم أكله على الإنسان لئلا يتكيّف بتلك الكيفية، ولذلك إن الفرنج لما واظبوا على أكل لحم الخنزير أورثهم الحرص العظيم والرغبة الشديدة في المنهيات، وأورثهم عدم الغيرة فإنّ الخنزير يرى الذكر من الخنازير ينزو على الأنثى التي له ولا يتعرّض له لعدم الغيرة.
﴿وما أهل لغير الله به﴾ أي: رفع الصوت به لغير الله بأن ذبح على اسم غيره، والإهلال: رفع الصوت ومنه يقال: فلان أهل بالحج إذا لبى وكانوا يقولون عند الذبح: باسم اللات والعزى، قال ابن عادل: وقدم هنا لفظ الجلالة في قوله لغير الله به وأخرت في البقرة لأنها هناك فاصلة أو تشبه الفاصلة بخلافها هنا لأنّ بعدها معطوفات ﴿والمنخنقة﴾ وهي التي ماتت بالخنق سواء أفعل بها ذلك آدميّ أم اتفق لها ذلك ﴿والموقوذة﴾ وهي التي وقذت أي: ضربت حتى ماتت ويدخل في الموقوذة ما رمي بالبندق فمات ﴿والمتردّية﴾ أي: الساقطة من علو بان سقطت من جبل أو مشرف أو في بئر فماتت، ولو رمى صيداً في الهواء بسهم فأصابه فسقط على الأرض ومات حلّ لأنّ الوقوع على الأرض من ضرورته وإن سقط على جبل أو شجر ثم تردى منه فمات لم يحل لأنه من المتردية إلا أن يكون السهم ذبحه في الهواء فيحل كيفما وقع لأنّ الذبح قد حصل قبل التردية.
تنبيه: دخلت الهاء في هذه الكلمات لأنّ المنخنقة هي الشاة المنخنقة كأنه قيل: حرّمت عليكم الشاة المنخنقة والموقوذة والمتردية وخصَّت الشاة لأنها من أعمّ ما يأكل الناس والكلام يُخرّج على الأعمّ ويكون المراد الكل وأما الهاء في قوله تعالى: ﴿والنطيحة﴾ وهي التي تنطحها أخرى فتموت فِللْنَّقل من الوصفية إلى الاسمية وإلا فكان من حقها أن لا تدخلها تاء التأنيث كقتيل وجريح، وما في قوله تعالى: ﴿وما أكل السبع﴾ بمعنى الذي وعائده محذوف أي: وما أكله السبع ولا بد من حذف، ولهذا قال الزمخشريّ: وما أكل بعضه السبع وهذا يدل على أنّ جوارح الصيد إذا أكلت ما اصطادته لم يحل أكله.
وقوله تعالى: ﴿إلا ما ذكيتم﴾ استثناء متصل أي: إلا ما أدركتم ذكاته وصار فيه حياة مستقرة من ذلك فهو حلال، وقيل: الاستثناء مخصوص بما أكل السبع وقيل: الاستثناء منقطع أي: ولكن ما ذكيتم من غيرها فحلال أو فكلوه، وكأنّ هذا القائل رأى أنها وصلت بهذه الأسباب إلى الموت أو إلى حالة قريبة منه فلم تفد تذكيتها عنده شيئاً، وقيل: الاستثناء
يعبد غير الله تعالى فيقتل فلما رأى ذلك أهل الشدّة في الإيمان جعلوا يسلمون أنفسهم للعذاب والقتل فيقتلون ويقطعون ثم جعل ما قطع من أجسامهم على سور المدينة من نواحيها وعلى كل باب من أبوابها حتى عظمت الفتنة فلما رأى ذلك الفتية حزنوا حزناً شديداً فقاموا واشتغلوا بالصلاة والصيام والدعاء والتسبيح وكانوا من أشراف المدينة ومن أشراف الروم وكانوا ثمانية نفر بكوا وتضرّعوا إلى الله تعالى وجعلوا يقولون ربنا اكشف عن عبادك المؤمنين هذه الفتنة وارفع عنهم هذا البلاء حتى يعلنوا عبادتك فبينما هم على ذلك وقد دخلوا مصلى لهم أدركهم الشرط فوجدوهم سجوداً على وجوههم يبكون ويتضرعون إلى الله تعالى فقالوا لهم: ما خلفكم عن أمر الملك انطلقوا إليه ثم خرجوا فرفعوا أمرهم إلى دقيانوس فقالوا: نجمع الناس للذبح لآلهتك وهؤلاء الفتية من أهل بيتك يستهزؤون بك ويعصون أمرك فلما سمع ذلك بعث إليهم فأتى بهم تفيض
أعينهم من الدمع معفرة وجوههم في التراب فقال لهم:
ما منعكم أن تشهدوا الذبح لآلهتنا التي تعبد في الأرض وتجعلوا أنفسكم بأسوة سراة أهل مدينتكم؟ اختاروا إمّا إن تذبحوا لآلهتنا وإمّا أن أقتلكم فقال له كبيرهم: واسمه مكسلمينا إنّ لنا إلهاً ملء السموات والأرض عظمته لن ندعو من دونه إلهاً أبداً له الحمد والتكبير والتسبيح من أنفسنا خالصاً ابداً إياه نعبد وإياه نسأل النجاة والخير، وأمّا الطواغيت فلن نعبدها أبداً، اصنع ما بدا لك وقال أصحابه مثل ما قال، فلما قالوا ذلك أمر الملك بنزع لباسهم، وحلية كانت عليهم من الذهب والفضة، وقال: سأفرغ لكم وأنجز لكم ما وعدتكم من العقوبة، وما يمنعي أن أعجل لكم ذلك إلا أني أراكم شباباً حديثة أسنانكم فلا أحب أن أهلككم حتى أجعل لكم أجلاً تذكرون فيه وترجعون إلى عقولكم ثم أمر بهم فأخرجوا من عنده وانطلق إلى مدينة أخرى قريبة منهم لبعض أموره فلما رأى الفتية خروجه بادروا قدومه وخافوا إذا قدم مدينتهم أن يذكرهم فائتمروا بينهم أن يأخذ كل واحد منهم نفقة من بيت أبيه فيتصدّقوا منها ويتزوّدوا بما بقي ثم ينطلقوا إلى كهف قريب من المدينة فمكثوا فيه ويعبدوا الله تعالى حتى إذا جاء دقيانوس أتوه فقاموا بين يديه فيصنع بهم ما يشاء فلما قال ذلك بعضهم لبعض عمد كل فتى منهم إلى بيت أبيه فاخذ نفقة فتصدق منها وانطلقوا بما بقي معهم واتبعهم كلب كان لهم حتى إذا أتوا ذلك الكهف فلبثوا فيه.
وقال كعب الأحبار: مرّوا بكلب فتبعهم فطردوه فعاد ففعلوا ذلك مراراً فقال لهم الكلب ما تريدون مني لا تخشوا جنايتي أنا أحب أحباب الله عز وجل فناموا حتى أحرسكم.
وقال ابن عباس: هربوا ليلاً من دقيانوس وكانوا سبعة، فمروا براع معه كلب فتبعهم على دينهم وتبعه كلبه فخرجوا من البلد إلى الكهف وهو قريب من البلد قال ابن اسحق فلبثوا فيه ليس لهم عمل غير الصلاة والصيام والتسبيح والتمجيد ابتغاء وجه الله تعالى وجعلوا نفقتهم إلى فتى منهم يقال له تمليخا فكان يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة سراً وكان من أجملهم وأجلدهم وكان إذا دخل المدينة يضع ثياباً كانت عليه حساناً ويأخذ ثياباً كثياب المساكين الذين يستطعمون فيها ثم ياخذ وَرِقه وينطلق إلى المدينة فيشتري لهم طعاماً وشراباً
ففيه وجوه.
الأول: أن المراد حملنا أولادهم إلى يوم القيامة في ذلك الفلك ولولا ذلك ما بقي للأب نسل ولا عقب وعلى هذا فقوله تعالى ﴿حملنا ذريتهم﴾ إشارة إلى كمال النعمة أي: لم تكن النعمة مقتصرة عليكم بل متعدية إلى أعقابكم إلى يوم القيامة وهذا قول الزمخشري قال ابن عادل: ويحتمل أن يقال: إنه تعالى إنما خص الذرية بالذكر؛ لأن الموجودين كانوا كفاراً لا فائدة في وجودهم فقال تعالى ﴿حملنا ذريتهم﴾ أي: لم يكن الحمل حملاً لهم وإنما كان حملاً لما في أصلابهم من المؤمنين كمن حمل صندوقاً لا قيمة له وفيه جواهر قيل: إنه لم يحمل الصندوق وإنما حمل ما فيه.
ثانيها: أن المراد بالذرية الجنس أي: حملنا أجناسهم؛ لأن ذلك الحيوان من جنسه ونوعه والذرية تطلق على الجنس ولذلك تطلق على النساء لنهي النبي ﷺ عن قتل الذراري أي: النساء لأن المرأة، وإن كانت صنفاً غير صنف الرجل لكنها من جنسه ونوعه يقال: ذرارينا أي: أمثالنا.
ثالثها: أن الضمير في قوله تعالى ﴿وآية لهم الليل﴾ للعباد وكذا ﴿وآية لهم أنا حملنا ذريتهم﴾ وإذا علم هذا فكأنه تعالى قال: وآية للعبادة أنا حملنا ذرية العباد ولا يلزم أن يكون المراد بالضمير في الموضعين أشخاصاً معينين كقوله تعالى ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾ (النساء: ٢٩)
﴿ويذيق بعضكم بأس بعض﴾ و (الأنعام: ٦٥)
لذلك إذا تقاتل قوم ومات الكل في القتال فقال هؤلاء القوم: هم قتلوا أنفسهم فهم في الموضعين يكون عائداً إلى القوم ولا يكون المراد أشخاصاً معينين بل المراد أن بعضهم قتل بعضهم فكذلك قوله تعالى ﴿وآية لهم﴾ أي: آية لكل بعض منهم أنا حملنا ذرية كل بعض منهم أو ذرية بعض منهم وإن قلنا المراد: جنس الفلك قال ابن عادل: وهو الأظهر؛ لأن سفينة نوح عليه السلام لم تكن بحضرتهم ولم يعلموا من حمل فيها فأما جنس الفلك فإنه ظاهر لكل أحد.
وقوله تعالى في سفينة نوح عليه السلام ﴿وجعلناها آية للعالمين﴾ (العنكبوت: ١٥)
أي: بوجود جنسها ومثلها ويؤيده قوله تعالى ﴿ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور﴾ (لقمان: ٣١)، فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى ﴿وآية لهم الأرض الميتة﴾ ﴿وآية لهم الليل﴾ ولم يقل: وآية لهم الفلك؟ أجيب: بأن حملهم في الفلك هو العجب أما نفس الفلك فليس بعجيب؛ لأنه كبيت مبني من خشب وأما نفس الأرض فعجيب ونفس الليل فعجيب لا قدرة لأحد عليهما إلا الله.
فإن قيل: قال تعالى ﴿وحملناكم في البر والبحر﴾ (الإسراء: ٧٠)
ولم يقل: ذريتكم مع أن المقصود في الموضعين بيان النعمة لا دفع النقمة. أجيب: بأنه تعالى لما قال ﴿في البر والبحر﴾ عم الخلق جميعاً؛ لأن ما من أحد إلا وحمل في البر والبحر، وأما الحمل في البحر فلم يعم فقال: إن كنا ما حملناكم بأنفسكم فقد حملنا من يهمكم أمره من الأولاد والأقارب والإخوان والأصدقاء، وقرأ نافع وابن عامر بألف بعد الياء التحتية وكسر الفوقانية على الجمع، والباقون بغير ألف وفتح الفوقانية على الإفراد واختلف في تفسير قوله تعالى:
﴿وخلقنا لهم من مثله﴾ أي: من مثل الفلك ﴿ما يركبون﴾ فقال ابن عباس: يعني الإبل فالإبل في البر كالسفن في البحر وقيل: أراد به السفن التي عملت بعد سفينة نوح عليه السلام على هيأتها، وقال قتادة والضحاك وغيرهما: أراد به السفن الصغار التي تجري في الأنهار كالفلك الكبار في البحار.
﴿وإن نشأ﴾ أي: لأجل ما لنا من القوة الشاملة والدرة التامة ﴿نغرقهم﴾ أي: مع أن هذا الماء الذي يركبونه ليس
بمجنون والنعمة لربك كقولهم: سبحانك اللهمّ وبحمدك، أي: والحمد لك.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أنه ﷺ غاب عن خديجة إلى حراء فطلبته فلم تجده، فإذا به ووجهه متغير امتلأ غباراً، فقالت له: ما لك فذكر جبريل عليه السلام وأنه قال له: ﴿اقرأ باسم ربك﴾ (العلق: ١) فهو أول ما نزل من القرآن قال: ثم نزل بي إلى قرار الأرض فتوضأ وتوضأت ثم صلى وصليت معه ركعتين وقال: هكذا الصلاة يا محمد، فذكر النبي ﷺ ذلك لخديجة فذهبت به خديجة إلى ورقة بن نوفل وهو ابن عمها وكان قد خالف دين قومه ودخل في النصرانية، فسألته فقال: أرسلي إلي محمداً فأرسلته، فقال: هل أمرك جبريل عليه السلام أن تدعو أحداً، قال: لا فقال: والله لئن بقيت إلى دعوتك لأنصرنك نصراً عزيزاً ثم مات قبل دعاء الرسول ﷺ ووقعت تلك الواقعة في ألسنة كفار قريش فقالوا: إنه مجنون، وأقسم الله تعالى على أنه ليس بمجنون وهو خمس آيات من أول هذه السورة.
وقال ابن عباس: أول ما نزل قوله تعالى: «سبح اسم ربك الأعلى»
(الأعلى: ١) وهذه الآية هي الثانية نقله الرازي، وذكر القرطبي أن المشركين كانوا يقولون للنبيّ ﷺ مجنون به شيطان وهو قولهم: ﴿يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون﴾ (الحجر: ٦) فأنزل الله تعالى رداً عليهم وتكذيباً لقولهم: ﴿ما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون﴾ (الطور: ٢٩)، أي: برحمة ربك والنعمة ههنا الرحمة، وقال عطاء وابن عباس: يريد بنعمة ربك عليك بالإيمان والنبوة، وقال القرطبي: يحتمل أن النعمة ههنا قسم تقديره ما أنت ونعمة ربك بمجنون لأن الواو والباء من حروف القسم.
وقال الرازي: إنه تعالى وصفه بصفات ثلاث:
الأولى: نفي الجنون عنه، ثم قرن بهذه الدعوى ما يكون كالدلالة القاطعة على صحتها، لأن قوله: ﴿بنعمة ربك﴾ يدل على أن نعم الله تعالى ظاهرة في حقه من الفصاحة التامة والعقل الكامل والسيرة المرضية والبراءة من كل عيب والاتصاف بكل مكرمة، وإذا كانت هذه النعم المحسوسة ظاهرة ووجودها ينافي حصول الجنون فالله تعالى نبه على أن هذه الدقيقة جارية مجرى الدلالة اليقينية على كذبهم في قولهم مجنون.
الصفة الثانية: قوله تعالى: ﴿وإنّ لك﴾ أي: على ما تحملت من أثقال النبوة وعلى صبرك عليهم فيما يرمونك به وهو تسلية له ﷺ ﴿لأجر﴾، أي: ثواباً ﴿غير ممنون﴾ أي: مقطوع ولا منقوص في دنيا ولا آخرة، يقال: مان الشيء إذا ضعف. ويقال: مننت الحبل إذا قطعته، وحبل منين إذا كان غير متين، قال لبيد:
*... عبساً كواسب لا يمنّ طعامها*
أي: لا يقطع، يصف كلاباً ضارية. ونظيره قوله تعالى: ﴿غير مجذوذ﴾ (هود: ١٠٨) وقال مجاهد ومقاتل والكلبي: غير ممنون، أي: غير محسوب عليك. قال الزمخشري: لأنه ثواب تستحقه على عملك وليس بتفضل ابتداء وإنما تمن الفواضل لا الأجور على الأعمال، انتهى. وهذا قول المعتزلة، فإن الله تعالى لا يجب عليه شيء. وقال الحسن: غير مكدر بالمن. وقال الضحاك رضي الله تعالى عنه: أجراً بغير عمل. واختلفوا في هذا الأجر على أي شيء حصل، فقيل: معناه ما مرّ وقيل: معناه أنّ لك على احتمال هذا الطعن والقول القبيح أجراً عظيماً دائماً، وقيل: إن لك في إظهار النبوة والمعجزات وفي دعاء الخلق إلى الله تعالى، وفي بيان الشرع لهم هذا الأجر الخالص الدائم فلا تمنعنك نسبتهم إياك إلى الجنون عن الاشتغال بهذا المهم العظيم، فإن لك بسببه المنزلة


الصفحة التالية
Icon