ولم نجد له عزماً} (طه، ١١٥) ولكن عوقب بترك التحفظ عن أسباب النسيان إذ رفع الإثم بالنسيان من خصائص هذه الأمّة كما ثبت في الأخبار الصحيحة كخبر الشيخين: «رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان».
وروى الترمذيّ وصححه: «أشدّ الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل» رواه الحاكم بلفظ «أشدّ الناس بلاءً الأنبياء ثم العلماء ثم الصالحون.
الرابع: أنه عليه الصلاة والسلام أقدم عليه بسبب اجتهاد أخطأ فيه فإنه ظنّ أن النهي للتنزيه أو الإشارة إلى عين تلك الشجرة فتناول من غيرها من نوعها، وكان المراد بالإشارة الإشارة إلى النوع لا إلى شجرة معينة كما روى أبو داود وغيره «أنه عليه الصلاة والسلام أخذ حريراً وذهباً بيده وقال: هذان حرام على ذكور أمّتي حلّ لإناثها»
.
فإن قيل: المجتهد إن أخطأ لا يؤاخذ. أجيب: بأنه إنما عوتب على ذلك تعظيماً لشأن الخطيئة ليجتنبها أولاده. وقرأ ورش بإمالة ألف النار بين بين، وقرأ أبو عمرو والدوري عن الكسائي بالامالة المحضة، والباقون بالفتح.
﴿يا بني إسرائيل﴾ أي: أولاد يعقوب وإسرائيل لقبه، ومعنى إسرا بالعبرانية عبد وإيل الله فمعناه: عبد الله، وقيل: صفوة الله ﷺ ﴿اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم﴾ أي: بالتكثر فيها والقيام بشكرها، والذكر يكون بالقلب ويكون باللسان، وتقييد النعمة بهم لأن الإنسان غيور حسود بالطبع فإذا نظر إلى ما أنعم الله على غيره حمله الغيرة والحسد على الكفران والسخط وإن نظر إلى ما أنعم به عليه حمله حب النعمة على الرضا والشكر لله، وقيل: أراد بها ما أنعم على آبائهم من فلق البحر وإنجائهم من فرعون بإغراقه وتظليل الغمام عليهم في التيه وإنزال المنّ والسلوى وغير ذلك من النعم التي لا تحصى قال الله تعالى: ﴿وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها﴾ (إبراهيم، ٣٤) (النحل، ١٨) ﴿وأوفوا بعهدي﴾ أي: بامتثال أمري ومنه ما عهدت إليكم من الإيمان بمحمد ﷺ ﴿أوف بعهدكم﴾ أي: الذي عهدته إليكم من الثواب عليه بدخول الجنة.
تنبيه: للوفاء بالعهد درجات كثيرة: فأوّل مراتبه منا هو الإتيان بكلمتي الشهادتين، ومن الله تعالى حقن الدماء والمال، وآخرها منا الاستغراق في بحر التوحيد بحيث يغفل عن نفسه فضلاً عن غيره، ومن الله تعالى الفوز بالغنى الدائم، وأمّا ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن ﴿أوفوا بعهدي﴾ في اتباع محمد ﴿أوف بعهدكم﴾ في رفع الآصار أي: الأثقال والأغلال، وعن غير ابن عباس: أوفوا بأداء الفرائض وترك الكبائر أوف بالمغفرة والثواب، أو أوفوا بالاستقامة على الطريق المستقيم أوف بالكرامة والنعيمم المقيم فبالنظر إلى الوسايط ﴿وإياي فارهبون﴾ فيما تأتون وتذرون وخصوصاً في نقض العهد، والرهبة خوف مع تحرز.
تنبيه: الآية متضمنة للوعد والوعيد دالة على وجوب الشكر والوفاء بالعهد وأنّ المؤمن ينبغي أن لا يخاف أحداً إلا الله.
﴿وآمنوا بما أنزلت﴾ من القرآن، وقوله تعالى: ﴿مصدّقاً﴾ حال مؤكدة مما أنزلت أو من ضميره المحذوف ﴿لما معكم﴾ من التوراة بموافقته له ولغيره من الكتب الإلهية في القصص ونعت النبيّ ﷺ والمواعيد والدعاء إلى التوحيد والأمر بالعبادة والعدل بين الناس والنهي عن المعاصي والفواحش وفيما يخالفها من جزئيات الأحكام بسبب تفاوت الأعصار في المصالح من حيث أن كل واحد منها
إلا بشراً مثلنا} هذه الشبهة الأولى، أي: أنك بشر مثلنا لا مزية لك علينا تخصك بالنبوّة ووجوب الطاعة، وإنما قالوا هذه المقالة وتمسكوا بهذه الشبهة جهلاً منهم؛ لأنّ الله تعالى إذا اصطفى عبداً من عباده وأكرمه بنبوّته ورسالته وجب على من أرسله إليهم اتباعه. الشبهة الثانية: ما ذكره الله تعالى عنهم بقوله تعالى: ﴿وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا﴾ أي: أسافلنا كالحاكة وأهل الصنائع الخسيسة، وهو جمع أرذل بفتح الهمزة كقوله تعالى: ﴿أكابر مجرميها﴾ (الأنعام، ١٢٣) وقوله ﷺ «أحاسنكم أخلاقاً» أو جمع أرذل بضم الذال جمع رذل بسكونها، فهو على الأوّل جمع مفرد وعلى الثاني جمع جمع، ثم قالوا: ولو كنت صادقاً لاتبعك الأكابر من الناس والأشراف منهم، وإنما قالوا ذلك جهلاً منهم أيضاً؛ لأنّ الرفعة بالدين واتباع الرسول لا بالمناصب العالية والمال ﴿بادي الرأي﴾ أي: اتبعوك في أوّل الرأي من غير تثبت وتفكر في أمرك ولو تفكروا ما اتبعوك. ونصبه على الظرف، أي: وقت حدوث أوّل رأيهم. وقرأ أبو عمرو بادئ بهمزة مفتوحة بعد الدال والباقون بياء مفتوحة، وأبدل السوسي همزة الرأي ألفاً وقفاً ووصلاً. وأمّا حمزة فأبدلها وقفاً لا وصلاً. الشبهة الثالثة: ماذكره الله تعالى عنهم في قوله تعالى: ﴿وما نرى لكم﴾ أي: لك ولمن اتبعك ﴿علينا من فضل﴾ أي: بالمال والشرف والجاه تستحقون به الاتباع منا وهذا أيضاً جهل منهم؛ لأنّ الفضيلة المعتبرة عند الله تعالى بالإيمان والطاعة لا بالشرف والرياسة. وقولهم: ﴿بل نظنكم كاذبين﴾ خطاب لنوح عليه السلام في دعوى الرّسالة وأدرجوا قومه معه في الخطاب. وقيل: خاطبوه بلفظ الجمع على سبيل التعظيم. وقيل: كذبوه في دعوى النبوّة وكذبوا قومه في دعوى العلم بصدقه، فغلب المخاطب على الغائبين. ولما ذكروا هذه الشبهة لنوح عليه السلام.
﴿قال﴾ لهم ﴿يا قوم أرأيتم﴾ أي: أخبروني ﴿إن كنت على بينة﴾ أي: نبوّة ورسالة ﴿من ربي وآتاني رحمة﴾ أي: نبوّة ورسالة ﴿من عنده﴾ من فضله وإحسانه ﴿فعميت﴾ أي: خفيت والتبست ﴿عليكم﴾ ووحد الضمير إمّا لأنّ البينة في نفسها هي الرحمة وإمّا لأنه لكل واحدة منهما. وقرأ حفص وحمزة والكسائي بضم العين وتشديد الميم والباقون بفتح العين وتخفيف الميم ﴿أنلزمكموها﴾ أي: أنكرهكم على قبولها ﴿وأنتم لها كارهون﴾ أي: لا تختارونها ولا تتأمّلون فيها لا نقدر على ذلك. قال قتادة: والله لو استطاع نبيّ الله لألزمها قومه ولكنه لا يملك ذلك، واتفق القراء على ضم النون من أنلزمكموها لاتصالها باللام رسماً، وحيث اجتمع ضميران وليس أحدهما مرفوعاً وقدم الأعرف منهما جاز في الثاني الوصل كما في الآية، والفصل كأن يقال: أنلزمكم إياها.
﴿ويا قوم لا أسألكم عليه﴾ أي: على تبليغ الرسالة وهو وإن لم يذكر معلوم مما ذكر ﴿مالاً﴾ أي: جعلا تعطونيه ﴿إن﴾ أي: ما ﴿أجري إلا على الله﴾ أي: ما ثواب تبليغي إلا عليه فإنه المأمول منه تعالى. وقرأ ابن كثير وشعبة وحمزة والكسائي بسكون الياء والباقون بالفتح. وقول نوح عليه السلام: ﴿وما أنا بطارد الذين آمنوا﴾ جواب لهم حين طلبوا طردهم، فإنهم طلبوا من نوح عليه السلام قبل أن يطرد الذين آمنوا وهم الأرذلون في زعمهم فقال: ما يجوز لي ذلك. ﴿إنهم ملاقوا ربهم﴾ أي: بالبعث فيخاصمون طاردهم عنده ويأخذ لهم ممن
العقاب قد أتيتك به يا نبيّ الله.
﴿فمكث﴾ أي: الهدهد، وقوله تعالى: ﴿غير بعيد﴾ صفة للمصدر، أي: مكثاً غير بعيد، فلما قرب الهدهد منه رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعاً لسليمان، فلما دنا منه أخذ برأسه فمدّه إليه، وقال له أين كنت؟ لأعذبنك عذاباً شديداً فقال له الهدهد: يا نبيّ الله اذكر وقوفك بين يدي الله تعالى، فلما سمع سليمان ذلك ارتعد وعفا عنه، ثم سأله فقال ما الذي أبطأك عني ﴿فقال أحطت﴾ أي: علماً ﴿بما لم تحط به﴾ أي: أنت مع اتساع علمك وامتداد ملكك، ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام على ما أوتي من فضل النبوّة والحكمة والعلوم الجمة والإحاطة بالمعلومات الكثيرة ابتلاء له في علمه، وتنبيهاً له على أن في أدنى خلقه وأضعفه من أحاط علماً بما لم يحط به، لتتحاقر إليه نفسه ويتصاغر إليه علمه ويكون لطفاً في ترك الإعجاب الذي هو فتنة العلماء والإحاطة بالشيء علماً أن يعلم من جميع جهاته لا يخفى منه معلوم، قالوا:
وفيه دليل على بطلان قول الروافضة أنّ الإمام لا يخفى عليه شيء ولا يكون في زمانه أحد أعلم منه، وقيل: الضمير في مكث لسليمان، وقيل: غير بعيد صفة للزمان أي: زماناً غير بعيد، وقرأ عاصم بفتح الكاف، والباقون بضمها، وهما لغتان إلا أنّ الفتح أشهر، ﴿وجئتك﴾ أي: الآن ﴿من سبأ بنبأ﴾ أي: خبر عظيم ﴿يقين﴾ أي: محقق، وقرأ أبو عمرو والبزيّ سبأ بفتح الهمزة من غير تنوين، جعلاه اسماً للقبيلة أو البقعة فمنعاه من الصرف للعلمية والتأنيث، والباقون بالجر والتنوين جعلوه اسماً للحيّ أو المكان، قال البغوي: وجاء في الحديث أنّ النبيّ ﷺ سئل عن سبأ فقال: «رجلاً كان له عشرة من البنين تيامن منهم ستة وتشاءم أربعة» فقال سليمان وما ذاك قال:
﴿إني وجدت امرأة تملكهم﴾ وهي بلقيس بنت شراحيل من نسل يعرب بن قحطان، وكان أبوها ملكاً عظيم الشأن قد ولد له أربعون ملكاً هو آخرهم، وكان يملك أرض اليمن كلها، وكان يقول لملوك الأطراف ليس أحد منكم كفؤاً لي، وأبى أن يتزوج منهم فزوجوه بامرأة من الجنّ يقال لها ريحانة بنت السكن، فولدت بلقيس ولم يكن له ولد غيرها.
قال البغوي: وجاء في الحديث «أنّ أحد أبوي بلقيس كان جنياً فلما مات أبو بلقيس طمعت في الملك، فطلبت من قومها أن يبايعوها فأطاعها قوم وعصاها آخرون، وملكوا عليهم رجلاً وافترقوا فرقتين كل فرقة استولت على طرف من أرض اليمن، ثم إنّ الرجل الذي ملكوه أساء السير في أهل مملكته حتى كان يمد يده إلى حرم رعيته ويفجر بهنّ، فأراد قومه خلعه فلم يقدروا عليه، فلما رأت بلقيس ذلك أدركتها الغيرة فأرسلت إليه تعرض نفسها عليه، فأجابها، وقال: ما منعني أن أبتدئك بالخطبة إلا إياسي منك، فقالت لا أرغب عنك أنت كفؤ كريم، فاجمع رجال قومي واخطبني منهم، فجمعهم وخطبها إليهم، فقالوا لا نراها تفعل ذلك، فقال لهم إنها قد ابتدأتني وأنا أحبّ أن تسمعوا قولها، فجاؤها فذكروا لها قالت نعم أحببت الولد فزوجوها منه، فلما زفت إليه خرجت في أناس كثير من حشمها، فلما جاءته أسقته الخمر حتى سكر، ثم جزت رأسه وانصرفت من الليل إلى منزلها، فلما أصبح الناس رأوا الملك قتيلاً ورأسه منصوب على باب دارها، فعلموا أنّ تلك المناكحة كانت حيلة مكر وخديعة منها، فاجتمعوا إليها وقالوا أنت
﴿أن يبلغ محله﴾ أي: مكانه الذي ينحر فيه عادة وهو الحرم بدل اشتمال ﴿ولولا رجال﴾ أي: مقيمون بين أظهر الكفار بمكة ﴿مؤمنون﴾ أي: غريقون في الإيمان فكانوا لذلك أهلاً للوصف بالرجولية ﴿ونساء مؤمنات﴾ أي: كذلك حبس الكل عن الهجرة العذر لأنّ الكفار لكثرتهم استضعفوهم فمنعوهم الهجرة، على أنّ ذلك شامل لمن جبله الله تعالى على الخير وعلم منه الإيمان وإن كان في ذلك الوقت كافراً ﴿لم تعلموهم﴾ أي: لم يحط علمكم بهم من جميع الوجوه لتميزوهم بأعيانهم عن المشركين لأنهم ليس لهم قوّة التمييز منهم وأنتم لا تعرفون أماكنهم لتعاملوهم بما هم له أهل ولا سيما في حال الحرب والطعن والضرب ثم أبدل من الرجال والنساء قوله تعالى: ﴿أن تطؤهم﴾ أي تؤذوهم بالقتل أو ما يقاربه من الجراح والضرب والنهب ونحو ذلك.
ومنه قوله ﷺ «اللهمّ أشدد وطأتك على مضر» ﴿فتصيبكم﴾ أي: فيتسبب عن هذا الوطء أن تصيبكم ﴿منهم﴾ أي: من جهتهم وبسببهم ﴿معرّة﴾ أي: مكروه كوجوب الدية والكفارة بقتلهم والتأسف عليهم وتغيير الكفار بذلك والإثم بالتقصير في البحث مفعلة من عرّه إذا عراه ما يكرهه وقوله تعالى: ﴿بغير علم﴾ متعلق بأن تطؤوهم أي: غير عالمين بهم وجواب لولا محذوف لدلالة الكلام عليه.
والمعنى ولولا كراهة أن تهلكوا أناساً مؤمنين بين أظهر الكافرين جاهلين بهم فيصيبكم بإهلاكهم مكروه لما كف أيديكم عنهم.
فإن قيل: أي: معرة تصيبهم إذا قتلوهم وهم لا يعلمون، أجيب: بأنهم يصيبهم وجوب الدية والكفارة وسوء قالة المشركين إنهم فعلوا بأهل دينهم مثل ما فعلوا بنا من غير تمييز والمأثم إذا جرى منهم بعض التقصير.
وقوله تعالى: ﴿ليدخل الله﴾ أي: الذي له جميع صفات الكمال متعلق بمقدّر أي كان انتفاء التسليط على أهل مكة وانتفاء العذاب ليدخل الله. قال البغوي: اللام في ﴿ليدخل﴾ متعلق بمحذوف دل عليه معنى الكلام يعني ليدخل الله ﴿في رحمته﴾ أي: في إكرامه وإنعامه ﴿من يشاء﴾ بعد الصلح قبل أن يدخولها من المشركين بأن يعطفهم إلى الإسلام، ومن المؤمنين بأن يستنقذهم منهم على أرفق وجه. وقوله تعالى: ﴿لو تزيلوا﴾ يجوز أن يعود على المؤمنين فقط أو على الكافرين أو على الفريقين والمعنى لو تميز هؤلاء من هؤلاء ﴿لعذبنا﴾ أي: بأيديكم بتسليطنا لكم عليهم بالقتل والسبي ﴿الذين كفروا﴾ أي: أوقعوا ستر الإيمان ﴿منهم﴾ أي: أهل مكة ﴿عذاباً أليماً﴾ أي شديد الإيجاع. قال قتادة: في الآية أنّ الله تعالى يدفع بالمؤمنين عن الكافرين كما دفع بالمستضعفين من المؤمنين عن مشركي مكة ولما بين شرط استحقاقهم للعذاب بين وقته وفيه بيان العلة.
فقال تعالى: ﴿إذ﴾ أي: حين ﴿جعل الذين كفروا﴾ أي: ستروا ما تراءى من الحق في مرائي عقولهم وقوله تعالى: ﴿في قلوبهم﴾ أي: في قلوب أنفسهم يجوز أن يتعلق بجعل على أنها بمعنى ألقى فتتعدّى لواحد أي إذ ألقى الكافرون في قلوبهم الحمية وأن يتعلق بمحذوف على أنه مفعول ثان قدّم على أنها بمعنى صير ﴿الحمية﴾ أي: المنع الشديد والإباء الذي هو في شدّة حرّه ونفوذه في أشدّ الأجسام كالسمّ والنار وأنشدوا:

*إلا إنني منهم وعرضي عرضهم كذا الرأس يحمي أنفه أن يهشما*
وقرأ أبو عمر وفي الوصل بكسر الهاء والميم وحمزة والكسائي: بضم الهاء والميم والباقون: بكسر


الصفحة التالية
Icon