البارىء المصوّر الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذلّ السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العليّ الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القويّ المتين الوليّ الحميد المحصي المبدىء المعيد المحيي المميت الحيّ القيوم الواجد الماجد الواحد الأحد الفرد الصمد القادر المقتدر المقدّم المؤخر الأوّل الآخر الظاهر الباطن الوال المتعال البرّ التوّاب المنتقم العفوّ الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغنيّ المغني المانع الضارّ النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور»، رواه الترمذي.
قال النووي: اتفق العلماء على أنّ هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه تعالى وليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وقوله: «من أحصاها دخل الجنة» المراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في حديث آخر: «أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك» وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي عن بعضهم: «إنّ لله تعالى ألف اسم» قال ابن العربي: وهذا قليل وقوله ﷺ «من أحصاها دخل الجنة» قال البخاري: من حفظها، وهو قول أكثر المحققين، وتعضده الرواية الأخرى من حفظها دخل الجنة، وقيل: من أحضر بباله عند ذكرها معناها وتفكر في مدلولها، وقوله ﷺ «إنّ الله وتر يحب الوتر» الوتر الفرد، ومعناه في وصف الله تعالى: الواحد الذي لا شريك له ولا نظير واختلفوا هل الاسم الأعظم الله أو الحيّ القيوم وهل الاسم عين المسمى أو غيره؟ وفي ذلك خلاف، وقد حققت ذلك في مقدمتي على البسملة والحمدلة ﴿وذروا﴾ أي: اتركوا ﴿الذين يلحدون﴾ أي: يميلون عن الحق ﴿في أسمائه﴾ أي: حيث اشتقوا منها أسماء لآلهتهم كاللات من الله والعزى من العزيز، ومنات من المنان، وقال أهل المعاني: الإلحاد في أسمائه تعالى هو أن تسميه بما لم يسم الله به نفسه، ولم يرد فيه نص من كتاب ولا سنة؛ لأن أسماءه تعالى كلها توقيفية فيجوز أن يقال: يا جواد، ولا يجوز أن يقال: يا سخي، ويجوز أن يقال: يا عالم، ولا يجوز أن يقال: يا عاقل، ويجوز أن يقال: يا حكيم، ولا يجوز أن يقال: يا طبيب ﴿سيجزون﴾ أي: في الدنيا والآخرة ﴿ما كانوا يعملون﴾ في هذا وعيد شديد لمن ألحد في أسمائه تعالى وهذا قبل الأمر بالقتال، وقرأ حمزة: «يَلحَدون» بفتح الياء والحاء من لحد، والباقون بضم الياء وكسر الحاء من ألحد.
ولما ذكر سبحانه وتعالى إنه خلق للنار طائفة ضالين مضلين ملحدين عن الحق ذكر أنه خلق للجنة أمة هادين في الحق عادلين في الأمر بقوله تعالى:
﴿وممن خلقنا أمة﴾ أي: جماعة ﴿يهدون بالحق وبه﴾ أي: بالحق خاصة ﴿يعدلون﴾ أي: يجعلون الأمور متعادلة لا زيادة في شيء منها على ما ينبغي ولا نقص؛ لأنا وفقناهم فكشفنا عن أبصارهم حجاب الغفلة التي ألزمناها أولئك، واستدل بذلك على صحة الإجماع؛ لأنّ المراد منه إنّ في كلّ قرن طائفة بهذه الصفة، وأكثر المفسرين إنهم أمّة محمد صلى الله عليه
جهده ﴿في الله﴾ أي: في قدرته وما يجمعه هذا الاسم الشريف من صفاته بعد هذا البيان الذي لا مثل له ولا خفاء فيه ﴿بغير علم﴾ أتاه عن الله تعالى على لسان أحد من أصفيائه أعمّ من أن يكون كتاباً أو غيره ﴿ولا هدى﴾ أرشده إليه أعمّ من كونه بضرورة أو استدلال ﴿ولا كتاب منير﴾ له نور منه صح لديه أنه من الله تعالى، ومن المعلوم أنه بانتفاء هذه الثلاثة لا يكون جداله إلا بالباطل، وقيل: قوله تعالى: ﴿ومن الناس﴾ كرّر كما كرّرت سائر الأقاصيص، وقيل: الأوّل في المقلدين، وهذا في المقلدين، وقوله تعالى:
﴿ثاني عطفة﴾ حال أي: لاوي عنقه تكبراً عن الإيمان كما قال تعالى: ﴿وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً﴾ (لقمان، ٧)
والعطف في الأصل الجانب عن يمين أو شمال، وقوله تعالى: ﴿ليضلّ عن سبيل الله﴾ علة للجدال، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بضمها.
فإن قيل: على قراءة الضمّ ما كان غرضه في جداله الضلال لغيره عن سبيل الله، فكيف علل به وما كان على قراءة الفتح مهتدياً حتى إذا جادل خرج بالجدال عن الهدى إلى الضلال؟ أجيب عن الأوّل: بأن جداله لما أدّى إلى الضلال جعل كأنه غرضه، وعن الثاني: بأنّ الهدى لما كان معرّضاً له فتركه وأعرض عنه وأقبل على الجدال الباطل جعل كالخارج من الهدى إلى الضلال. ولما ذكر فعله وثمرته ذكر ما أعدّ له عليه في الدنيا بقوله تعالى: ﴿له في الدنيا خزي﴾ أي: إهانة وذل وإن طال زمن استدراجه بتنعيمه حق على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه، وما أعدّ له عليه في الآخرة بقوله تعالى: ﴿ونذيقه يوم القيامة﴾ الذي يجمع فيه الخلائق بالإحياء بعد الموت ﴿عذاب الحريق﴾ أي: الإحراق بالنار، وعن الحسن قال: بلغني أن أحدهم يحرق في اليوم سبعين ألف مرّة ويقال له حقيقة أو مجازاً.
﴿ذلك﴾ أي: العذاب العظيم ﴿بما قدمت يداك﴾ أي: بعملك، ولكن جرت عادة العرب أن تضيف الأعمال إلى اليد؛ لأنها آلة أكثر العمل وإضافة ما يؤدي إليهما أنكى ﴿وأنّ﴾ أي: وبسبب أنّ ﴿الله ليس بظلام﴾ أي: بذي ظلم ما ﴿للعبيد﴾ وإنما هو مجاز لهم على أعمالهم أو أن المبالغة لكثرة العبيد. ونزل في قوم من الأعراب كانوا يقدمون المدينة مهاجرين من باديتهم، فكان أحدهم إذا قدم المدينة فصح بها جسمه ونتجت بها فرسه مهراً وولدت امرأته غلاماً وكثر ماله قال هذا دين حسن وقد أصبت به خيراً، واطمأن به، وإن كان الأمر بخلافه قال: ما أصبت إلا شرّاً، فينقلب عن دينه
﴿ومن الناس من يعبد الله﴾ أي: يعمل على سبيل الاستمرار والتجدّد بما أمر الله به من طاعته ﴿على حرف﴾ فهو مزلزل كزلزلة من يكون على حرف شفير أو جبل أو غيره لا استقرار له، وكالذي على طرف من العسكر، فإن رأى غنيمة استمرّ، وإن توهم خوفاً طار وفرّ، وذلك معنى قوله تعالى: ﴿فإن أصابه خير﴾ أي: من الدنيا ﴿اطمأنّ به﴾ أي: بسببه وثبت على ما هو عليه ﴿وإن أصابته فتنة﴾ أي: محنة وسقم في نفسه وماله ﴿انقلب على وجهه﴾ أي: رجع إلى الكفر، وعن أبي سعيد الخدريّ: «أن رجلاً من اليهود أسلم فأصابته مصائب فتشاءم بالإسلام، فأتى النبي ﷺ فقال: أقلني، فقال: إن الإسلام لا يقال، فنزلت» ولما كان انقلابه هذا مفسدة لدنياه ولآخرته قال تعالى: ﴿خسر الدنيا﴾ بفوات ما أمّله منها ويكون ذلك سبب التقتير عليه قال تعالى: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل، وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا
«اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك وكبر» فلما فرغ من صلاته قال له علي رضي الله تعالى عنه: يا هذا إن سرعة الاستغفار باللسان توبة الكذابين فقال يا أمير المؤمنين ما التوبة؟ قال: اسم يقع على ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة ولتضييع الفرائض الإعادة ورد المظالم وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية وإذابتها في الطاعة كما ربيتها في المعصية والبكاء بدل كل ضحك ضحكته. وقال سهل بن عبد الله: التوبة الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال المحمودة. وقال بعضهم: هي الندم على الماضي والترك في الحال والعزم على أن لا يعود إليه في المستقبل. وعن أبي هريرة قال: «سمعت رسول الله ﷺ يقول: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة». وروي أنه ﷺ قال: «يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة». وعن أبي موسى الأشعري: أن رسول الله ﷺ قال: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها». وروى أنه ﷺ قال: «إن الله جعل في الغرب باباً عرضه مسيرة سبعين عاماً للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها». وروى: «أن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر».
ولما كان القبول قد يكون في المستقبل مع الأخذ بما مضى قال الله تعالى تفضلاً منه ورحمة: ﴿ويعفو عن السيئات﴾ أي: التي كانت التوبة منها صغيرة كانت أو كبيرة وعن غيرها فلا يؤاخذ بها إن شاء لأن التوبة تجب ما قبلها كما أن الإسلام الذي هو توبة خاصة يجب ما يكون قبله وروى أنس عن النبي ﷺ أنه قال: «لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان هو وراحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فآيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: «اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح» ﴿ويعلم﴾ أي: والحال أنه يعلم كل وقت ﴿ما تفعلون﴾ فيجازي ويتجاوز عن إتقان وحكمة، وقرأ حمزة والكسائي وحفص بتاء الخطاب إقبالاً على الناس عامة وهذا خطاب للمشركين، وقرأ الباقون بالغيبة نظراً إلى قوله تعالى عن عباده وقال تعالى بعد ﴿ويزيدهم من فضله﴾.
ولما رغب بالعفو زاد بالإكرام فقال تعالى:
﴿ويستجيب﴾ أي: يوجد بغاية العناية والطلب إجابة ﴿الذين آمنوا﴾ أي: دعاء الذين أقروا بالإيمان في كل ما دعوا به أو شفعوا عنده فيه لأنه لولا إرادته لهم الإكرام بالإيمان ما آمنوا، وعدي الفعل بنفسه ولم يقل: ﴿ويستجيب للذين آمنوا﴾ تنبيهاً على زيادة بره لهم ووصلهم به ﴿وعملوا﴾ تصديقاً لدعواهم الإيمان ﴿الصالحات﴾ فيثيبهم النعيم المقيم ﴿ويزيدهم﴾ أي: مع ما دعوا به لما لم يدعوا به ولم يخطر على قلوبهم ﴿من فضله﴾ أي: تفضلاً منه عليهم ويجوز أن يكون الموصول فاعلاً أي: يجيبون ربهم إذا دعاهم كقوله تعالى: ﴿استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم﴾ (الأنفال: ٢٤)
واستجاب كأجاب ومنه:

*وداع دعا يا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذلك مجيب*
وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: معناه ويثيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات
وهو من له مال أو كسب يقع موقعاً من كفايته، ولا يكفيه. ﴿ذا متربة﴾، أي: لصوق بالتراب لفقره. يقال: ترب إذا افتقر، ومعناه: التصق بالتراب وأما أترب فاستغنى، أي: صار ذا مال كالتراب في الكثرة كما قيل: أثرى. وعنه ﷺ في قوله تعالى: ﴿ذا متربة﴾ :«الذي مأواه المزابل» قال ابن عباس رضي الله عنهما: «هو المطروح على الطرق الذي لا بيت له». وقال مجاهد: وهو الذي لا يقيه من التراب لباس ولا غيره. وقال قتادة: أنه ذو العيال. واحتج بهذه الآية على أنّ المسكين يملك شيئاً لأنه لو كان لا يملك شيئاً لكان تقييده بقوله تعالى: ﴿ذا متربة﴾ تكريراً. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة برفع الكاف وجرّ رقبة وكسر همزة إطعام وفتح العين وبعدها ألف ورفع الميم منوّنة، والباقون فك بنصب الكاف رقبة بالنصب أطعم بفتح الهمزة والعين والميم بغير تنوين، ولا ألف بين العين والميم.
فإن قيل: قوله تعالى: ﴿فلا اقتحم العقبة﴾ إلى آخره ذكر لا مرّة واحدة. قال الفرّاء والزجاج: والعرب لا تكاد تفرد لا مع الفعل الماضي حتى تعيد لا كقوله تعالى: ﴿فلا صدّق ولا صلى﴾ (القيامة: ٣١).
أجيب: بأنه إنما أفردها لدلالة آخر الكلام على معناه فيجوز أن يكون قوله تعالى:
﴿ثم كان من الذين آمنوا﴾ قائماً مقام التكرير فكأنه قال: ﴿فلا اقتحم العقبة﴾ ولا آمن. وقال الزمخشري: هي متكرّرة في المعنى: لأنّ معنى فلا اقتحم العقبة فلا فك رقبة ولا أطعم مسكيناً، ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك. قال أبو حيان: ولا يتيم له هذا إلا على قراءة فك فعلاً ماضياً. وعن مجاهد: أنّ قوله تعالى: ﴿ثم كان من الذين آمنوا﴾ يدل على أن: لا بمعنى لم ولا يلزم التكرير مع لم فإن كرّرت لا كقوله تعالى ﴿فلا صدّق ولا صلى﴾ فهو كقوله تعالى: ﴿لم يسرفوا ولم يقتروا﴾ (الفرقان: ٦٧)
تنبيه: ثم كان معطوف على اقتحم وثم للترتيب، والمعنى: كان وقت الاقتحام من الذين آمنوا. وقال الزمخشري: جاء بثم لتراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة عن العتق والصدقة لا في الوقت، لأنّ الإيمان هو السابق المقدّم على غيره، ولا يثبت عمل صالح إلا به. ﴿وتواصوا﴾، أي: وصبروا وأوصى بعضهم بعضاً ﴿بالصبر﴾، أي: على الطاعة وعن المعصية والمحن التي يبتلى بها المؤمن.
﴿وتواصوا بالمرحمة﴾، أي: بالرحمة على عباده بأن يكونوا متراحمين متعاطفين، أي: بما يؤدّي إلى رحمة الله تعالى.
﴿أولئك﴾، أي: الموصوفون بهذه الصفات ﴿أصحاب الميمنة﴾، أي: الجانب الذي فيه اليمن والبركة والنجاة من كل هلكة. وقال محمد بن كعب: ، أي: الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم. وقال يحيى بن سلام: لأنهم ميامين على أنفسهم. وقال ابن زيد: لأنهم أخذوا من شق آدم الأيمن. وقال ميمون بن مهران: لأنّ منزلتهم عن اليمين. وقال الزمخشري: الميمنة اليمين أو اليمن.
﴿والذين كفروا﴾، أي: ستروا ما تظهر لهم مرائي بصائرهم من العلم ﴿بآياتنا﴾، أي: على ما لها من العظمة بالإضافة إلينا، والظهور الذي لا يمكن خفاؤه من القرآن وغيره ﴿هم أصحاب المشأمة﴾، أي: الخصلة المكسبة للشؤم والحرمان قال محمد بن كعب: ، أي: الذين يؤتون كتبهم بشمائلهم. وقال يحيى بن سلام: لأنهم مشائيم على أنفسهم. وقال ابن زيد: لأنهم أخذوا من شق آدم الأيسر عليه السلام. وقال ميمون: لأنّ منزلتهم عن اليسار. وقال الزمخشري: المشأمة الشمال أو الشؤم.
قال القرطبي: ويجمع هذه الأقوال أصحاب الميمنة هم أصحاب الجنة وأصحاب المشأمة هم أصحاب النار.
﴿عليهم﴾، أي: خاصة ﴿نار مؤصدة﴾، أي: مطبقة وقرأ أبو عمرو وحفص وحمزة بالهمزة، والباقون بغير


الصفحة التالية
Icon