الحجارة وكلمها تطعك لعلهم يعتبرون وقوله تعالى: ﴿فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً﴾ متعلق بمحذوف أي: فضربه فانفجرت أي: سالت، قال أبو عمرو بن العلاء: انبجست: عرقت وانفجرت: سالت، وقال عطاء: كان يضربه موسى اثنتي عشرة ضربة فيظهر على كل موضع ضربة مثل ثدي المرأة فيعرق ثم تنفجر الأنهار ثم تسيل ﴿قد علم كل أناس﴾ أي: سبط منهم ﴿مشربهم﴾ أي: عينهم التي يشربون منها لا يدخل سبط على غيره في شربه وقلنا لهم: ﴿كلوا واشربوا من رزق الله﴾ أي: كلوا من المنّ والسلوى واشربوا من الماء فهذا كله من رزق الله الذي يأتيكم بلا مشقة ﴿ولا تعثوا﴾ أي: لا تعتدوا ﴿في الأرض مفسدين﴾ أي: حال إفسادكم وإنما قيده لأنه وإن غلب في الفساد قد يكون منه ما ليس بفساد كمقابلة الظالم المعتدي بفعله ومنه ما يتضمّن صلاحاً راجحاً على الفساد كقتل الخضر الغلام وخرقه السفينة.
تنبيه: من أنكر أمثال هذه المعجزات فلغاية جهله بالله تعالى وقلة تدبره في عجائب صنعه فإنه لما أمكن أن يكون من الأحجار ما يحلق الشعر كالنورة ويجذب الحديد كالمغناطيس وينفر الخل كالكهربان فإنه إذا وضع في إناء لا يحصل الخل في ذلك الإناء لم يمتنع أن يخلق الله حجراً يسخره لجذب الماء من تحت الأرض أو لجذب الهواء من الجوانب الأربعة ويصيره ماء بقوّة التدبير ونحو ذلك.
فإن قيل: له ذرية والملائكة لا ذرية لهم. أجيب: بأنّ ابن عباس روى أنّ من الملائكة نوعاً يتوالدون يقال لهم: الجن ومنهم إبليس، وقيل: إن الله تعالى لما أخرجه من الملائكة جعل له ذرية وأنّ من الملائكة من ليس بمعصوم وإن كان الغالب فيهم العصمة كما أنّ من الإنس معصومين وهم الأنبياء والغالب في الإنس عدم العصمة ولمن زعم أنه لم يكن من الملائكة أن يقول إنه كان جنياً نشأ بين أظهر الملائكة وكان مغموراً بالألوف منهم فغلبوا عليه لقوله تعالى: ﴿إلا إبليس كان من الجنّ ففسق عن أمر ربه﴾ (الكهف، ٥٠) وهو أصل الجنّ كما أنّ آدم أصل الإنس ولأنه خلق من النار والملائكة خلقوا من النور، قال البغوي: والأوّل أصح لأنّ خطاب السجود كان مع الملائكة وقوله تعالى: ﴿كان من الجنّ﴾ أي من الملائكة الذين هم خزنة الجنة، وقال سعيد بن جبير: من الذين يعملون في الجنة، وقال قوم: من الملائكة الذين كانوا يصوغون حلى الجنة وقيل: إنّ الجنّ أيضاً كانوا مأمورين مع الملائكة لكنه استغنى بذكر الملائكة عن ذكرهم فإذا علم أن الأكابر وهم الملائكة مأمورون بالتذلل لأحد والتوسل به علم أيضاً أن الأصاغر وهم الجنّ مأمورون به أيضاً والضمير في فسجدوا راجع للقبيلين فكأنه قال: فسجد المأمورون بالسجود إلا إبليس.
تنبيه: من فوائد الآية استقباح الاستكبار وأنه يفضي بصاحبه إلى الكفر والحث على الائتمار لأمره وترك الخوض فيما لا ينبغي في سر نفسه وأن الأمر للوجوب وأن الذي علم الله من حاله أنه يتوفى على الكفر هو الكافر على الحقيقة إذ العبرة بالخواتيم وإن كان بحكم الوقت الحاضر مؤمناً.
﴿مصراً﴾ من الأمصار، والمصر البلد العظيم
وفد على معاوية، فلما خرج تبعه بعض حجابه فقال: إني رجل ذو مال ولا يولد لي فعلمني شيئاً لعل الله يرزقني ولداً. فقال: عليك بالاستغفار. فكان يكثر الاستغفار حتى ربّما استغفر في يوم واحد سبعمائة مرّة فولد له عشر بنين، فبلغ ذلك معاوية فقال: هلا سألته ممّ قال ذلك؟ فوفد مرّة أخرى فسأله الرجل فقال: ألم تسمع قول هود: ﴿ويزدكم قوّة إلى قوّتكم﴾ وقول نوح: ﴿ويمددكم بأموالٍ وبنين﴾ (نوح، ١٣). ﴿ولا تتولوا﴾ أي: ولا تعرضوا عن قبول قولي ونصحي حالة كونكم ﴿مجرمين﴾ أي: مشركين. ولما حكى الله تعالى عن هود ما ذكره لقومه حكى أيضاً ما ذكره قومه له وهو أشياء: أوّلها: ذكره تعالى بقوله:
﴿قالوا يا هود ما جئتنا ببينة﴾ أي: بحجة تدل على صحة دعواك. وسميت بينة؛ لأنها تبين الحق، ومن المعلوم أنه عليه الصلاة والسلام كان قد أظهر لهم المعجزات إلا أن القوم لجهلهم أنكروها وزعموا أنه ما جاء بشيء من المعجزات. وثانيها: قولهم: ﴿وما نحن بتاركي آلهتنا﴾ أي: عبادتها، وقولهم: ﴿عن قولك﴾ أي: صادرين عن قولك حال من الضمير في تاركي، وهذا أيضاً من جهلهم فإنهم كانوا يعرفون أنّ النافع والضارّ هو الله تعالى وأن الأصنام لا تضر ولا تنفع وذلك حكم فطرة العقل وبديهة النفس، وثالثها: قولهم: ﴿وما نحن لك بمؤمنين﴾ أي: مصدّقين، وفي ذلك إقناط له من الإجابة والتصديق. ورابعها: قولهم:
﴿إن﴾ أي: ما ﴿نقول﴾ في شأنك ﴿إلا اعتراك﴾ أي: أصابك ﴿بعض آلهتنا بسوء﴾ لسبك إياها فجعلتك مجنوناً وأفسدت عقلك، ثم إنه تعالى ذكر أنهم لما قالوا ذلك ﴿قال﴾ هود عليه السلام مجيباً لهم: ﴿إني أشهد الله﴾ عليّ ﴿واشهدوا﴾ أنتم أيضاً عليّ ﴿أني بريء مما تشركون﴾. ﴿من دونه﴾ أي: الله وهو الأصنام التي كانوا يعبدونها ﴿فكيدوني﴾ أي: احتالوا في هلاكي ﴿جميعاً﴾ أنتم وأصنامكم التي تعتقدون أنها تضر وتنفع فإنها لا تضرّ ولا تنفع.
فائدة: اتفق القراء على إثبات الياء في كيدوني هنا وقفاً ووصلاً لثباتها في المصحف ﴿ثم لا تنظرون﴾ أي: تمهلون، وهذا فيه معجزة عظيمة لهود عليه السلام؛ لأنه كان وحيداً في قومه وقال لهم هذه المقالة ولم يهبهم ولم يخف منهم مع ما هم فيه من الكفر والجبروت ثقة بالله تعالى كما قال تعالى:
﴿إني توكلت على الله ربي وربكم﴾ أي: فوضت أمري إليه واعتمدت عليه ﴿ما من دابة﴾ تدب على الأرض ويدخل في هذا جميع بني آدم والحيوان؛ لأنّهم يدبون على الأرض. ﴿إلا هو آخذ بناصيتها﴾ أي: مالكها وقاهرها فلا يقع نفع ولا ضر إلا بإذنه والناصية كما قال الأزهري: عند العرب منبت الشعر في مقدّم الرأس، وسمي الشعر النابت هنا ناصية باسم منبته، والعرب إذا وصفوا إنساناً بالذلة والخضوع قالوا: ما ناصية فلان إلا بيد فلان، وكانوا إذا أسروا الأسير وأرادوا إطلاقه والمنّ عليه جزوا ناصيته ليكون ذلك علامة لقهره، فخوطبوا في القرآن بما يعرفون من كلامهم ﴿إن ربي على صرط مستقيم﴾ أي: طريق الحق والعدل فلا يظلمهم ولا يعمل إلا بالإحسان والإنصاف فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بعصيانه. وقوله تعالى:
﴿فإن تولّوا﴾ فيه حذف إحدى التاءين، أي: تعرضوا ﴿فقد أبلغتكم﴾ جميع ﴿ما أرسلت به إليكم﴾ فإن قيل: الإبلاغ كان قبل التولي فكيف وقع جزاء للشرط؟ أجيب: بأنّ معناه فإن تتولوا لم أعاتب على تقصير من جهتي وصرتم محجوجين؛ لأنكم أنتم
اليمن أن يطيعه فبنى له المصانع ولم يزل أميراً حتى مات سليمان عليه السلام، فلما أن حال الحول وتبينت الجنّ موت سليمان أقبل رجل منهم فسلك تهامة حتى إذا كان في جوف اليمن صرخ بأعلى صوته يا معشر الجنّ إنّ الملك سليمان قد مات فارفعوا أيديكم فرفعوا أيديهم وتفرّقوا وانقضى ملك ذي تبع وملك بلقيس مع ملك سليمان، وقيل: إنّ الملك وصل إلى سليمان وهو ابن ثلاثة عشر سنة ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة فسبحان من يدوم ملكه وبقاؤه.
ولما أتم سبحانه وتعالى قصة سليمان وداود عليهما السلام ذكر قصة صالح عليه السلام وهي القصة الثالثة بقوله تعالى:
﴿ولقد أرسلنا﴾ أي: بمالنا من العظمة ﴿إلى ثمود أخاهم﴾ أي: من القبيلة ﴿صالحاً﴾ ثم ذكر المقصود من الرسالة بما لا أعدل منه ولا أحسن بقوله: ﴿أن اعبدوا الله﴾ أي: الملك الأعظم وحده ولا تشركوا به شيئاً، ثم تعجب منهم بما أشارت إليه الفاء وإذا المفاجأة من المبادرة إلى الافتراق بما يدعو إلى الاجتماع بقوله: ﴿فإذا هم﴾ أي: ثمود ﴿فريقان﴾ وبين بقوله تعالى: ﴿يختصمون﴾ أنهم فرقة افتراق بكفر وإيمان لا فرقة اجتماع في هدى وعرفان، ففريق صدق صالحاً واتبعه وفريق استمرّ على شركه وكذبه وكل فريق يقول أنا على الحق وخصمي على الباطل، ثم استعطف صالح عليه السلام على المكذبين بأن.
﴿قال﴾ لهم ﴿يا قوم لم تستعجلون﴾ أي: تطلبون العجلة بالإتيان ﴿بالسيئة﴾ أي: التي مساءتها ثابتة وهي العقوبة التي أنذرت بها من كفر ﴿قبل﴾ الحالة ﴿الحسنة﴾ من الخيرات التي أبشركم بها في الدنيا والآخرة إن آمنتم، والاستعجال: طلب الإتيان بالأمر قبل الوقت المضروب، واستعجالهم لذلك بالإصرار على سببه وقولهم استهزاءً ﴿ائتنا بما تعدنا﴾ وكانوا يقولون إنّ العقوبة التي بعدها صالح إن وقعت على زعمه تبنا حينئذ واستغفرنا، فحينئذ يقبل الله تعالى توبتنا ويدفع العذاب عنا، فخاطبهم صالح عليه السلام على حسب عقولهم واعتقادهم فقال.
﴿لولا﴾ أي: هلا ولم لا ﴿تستغفرون الله﴾ أي: تطلبون غفرانه قبل نزول العذاب، فإنّ استعجال الخير أولى من استعجال الشرّ ﴿لعلكم ترحمون﴾ تنبيهاً لهم على الخطأ فيما قالوه فإنّ العذاب إذا نزل بهم لا تقبل توبتهم.
تنبيه: وصف العذاب بأنه سيئة مجازاً إمّا لأن العقاب من لوازمه أو لأنه يشبهه في كونه مكروهاً، وأمّا وصف الرحمة بأنها حسنة فقيل حقيقة وقيل مجاز، ثم إنّ صالحاً عليه السلام لما قرّر لهم هذا الكلام الحق أجابوه بكلام فاسد بأن.
﴿قالوا﴾ فظاظة وغلظة ﴿اطيرنا﴾ أي: تشاءمنا ﴿بك وبمن معك﴾ أي: وبمن آمن بك، وذلك أن الله تعالى قد أمسك عنهم المطر في ذلك الوقت وقحطوا، فقالوا حل بنا هذا الضرر والشدّة من شؤمك وشؤم أصحابك، قال الزمخشري: كان الرجل يخرج مسافراً فيمرّ بطائر فيزجره فإن مرّ سانحاً تيمن وإن مرّ بارحاً تشائم، قال الجوهريّ: السنيح والسانح ما ولاك ميامنه من ظبي أو طائر وغيرهما وبرح الظبي بروحاً إذا ولاك مياسره يمرّ من ميامنك إلى مياسرك والعرب تتطير بالبارح وتتفائل بالسانح، فلما نسبوا الخير والشرّ إلى الطائر استعير لما كان سببهما من قدر الله تعالى وقسمته تنبيه: أصل اطيرنا تطيرنا أدغمت التاء في الطاء واجتلبت
وبينهم عداوة في الجاهلية، فلما سمع به القوم تلقوه تعظيماً لأمر رسول الله ﷺ فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم فرجع من الطريق إلى رسول الله ﷺ وقال: إنهم منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلى. فغضب رسول الله ﷺ وهمّ أن يغزوهم فبلغ القوم رجوعه، فأتوا النبي ﷺ فقالوا: يا رسول الله سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله فبدا له في الرجوع، فخشينا أنه إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فاتهمهم رسول الله ﷺ وبعث خالد بن الوليد خفية في عسكره وأمره أن يخفي عليهم قدومه وقال: انظر فإن رأيت منهم ما يدل على إيمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم، وإن لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما تستعمل في الكفار. ففعل ذلك خالد ووافاهم فسمع منهم آذان صلاتي المغرب والعشاء فأخذ منهم صدقاتهم ولم ير منهم إلا الطاعة والخير وانصرف إلى رسول الله ﷺ وأخبره الخبر» فنزل قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا﴾ ﴿أن تصيبوا﴾ أي: بأذى ﴿قوماً﴾ أي: هم مع قوّتهم النافعة لأهل الإسلام برآء مما نسب إليهم ﴿بجهالة﴾ أي: مع الجهل بحال استحقاقهم لذلك ﴿فتصبحوا﴾ أي: فتصيروا ولكنه عبر بذلك لأن أشنع الندم ما استقبل الإنسان صباحاً وقت انتباهه وفراغه وإقباله على لذاته ﴿على ما فعلتم﴾ أي: من إصابتهم ﴿نادمين﴾ أي: غريقين في الأسف على ما
فات مما يوقع الله تعالى في نفوسكم من أمور ترجف القلوب. وقال الرازي: هذا ضعيف لأنّ الله تعالى لم يقل إني أنزلتها لكذا والنبيّ ﷺ لم ينقل عنه أنه قال وردت الآية لبيان ذلك حسب غاية ما في الباب أنها نزلت في ذلك الوقت وهو مثل تاريخ نزول الآية مما يصدق ذلك ويؤيده أنّ إطلاق لفظ الفاسق على الوليد بعيد لأنه توهم وظن فأخطأ والمخطئ لا يسمى فاسقاً فكيف والفاسق في أكثر المواضع المراد به من خرج عن رتبة الإيمان كقوله تعالى: ﴿إنّ الله لا يهدي القوم الفاسقين﴾ (المنافقون: ٦)
وقوله تعالى: ﴿ففسق عن أمر ربه﴾ (الكهف: ٥٠)
وقوله تعالى: ﴿وأما الذين فسقوا فمأواهم النار﴾ الآية إلى غير ذلك ا. هـ وقال ابن الخازن في تفسيره: وقيل هو عام نزلت لبيان التثبيت وترك الاعتماد على قول الفاسق وهذا أولى من حكم الآية على رجل بعينه.
تنبيه: قوله تعالى: ﴿أن تصيبوا﴾ مفعول له كقوله تعالى: ﴿أن تحبط﴾ (الحجرات: ٢)
قال الرازي: معناه على مذهب الكوفيين لئلا تصيبوا وعلى مذهب البصريين كراهة أن تصيبوا وقرأ حمزة والكسائي: بعد التاء المثناة بثاء مثلثة وبعد الباء الموحدة بتاء مثناة فوق من التثبت أي: فتوقفوا إلى أن يتبين لكم الحال. والباقون بعد التاء المثناة بباء موحدة وبعدها ياء تحتية وبعدها نون من البيان.
﴿واعلموا﴾ أي: أيتها الأمة ﴿أن فيكم﴾ أي: على وجه الاختصاص بكم ويا له من شرف ﴿رسول الله﴾ أي: الملك الأعظم المتصف بالجلال والإكرام فلا تقولوا الباطل فإنّ الله يخبره بالحال ﴿لو يطيعكم﴾ وهو لا يحب عنتكم ولا شيئاً يشق عليكم ﴿في كثير من الأمر﴾ أي: الذي تريدونه على فعله من أنه يعمل في الحوادث على مقتضى ما يعنّ لكم، وتستصوبونه ليكون فعله معكم فعل المطواع لغيره التابع له فينقلب حينئذ الحال ويصير المتبوع تابعاً، والمطاع طائعاً، ﴿لعنتم﴾ أي: