السورة، وقال: هما أحدث الآيات بالله عهداً وما رواه البيضاويّ رحمه الله تعالى تبعاً للكشاف من أنه ﷺ قال: «ما أنزل عليّ القرآن إلا آية آية وحرفاً حرفاً ما خلا سورة براءة وقل هو الله أحد فإنهما أنزلا عليّ ومعهما سبعون ألف صف من الملائكة» حديث منكر ومخالف لما مرّ عن أبيّ من أنّ آخر ما نزل الآيتان، انتهى. والله سبحانه وتعالى أعلم.
شديد الخذلان يورده ثم يسلمه إلى أكره ما يكون لا ينصره ولو أراد ما استطاع بل هو في شر من ذلك؛ لأن عليه إثمه في نفسه، ومثل إثم من أضله.
تنبيه: حكم هذه الآية عام في كل خليلين ومتحابين اجتمعا على معصية الله تعالى قال ﷺ «مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة» وقال ﷺ «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» وقال ﷺ «لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي»، ولما ذكر تعالى أقوال الكفار ذكر قول رسوله محمد ﷺ بقوله تعالى:
﴿وقال الرسول يا رب﴾ أي: أيها المحسن إليّ بأنواع الإحسان وعبر بأداة البعد هضماً لنفسه، ومبالغة في التضرع ﴿إن قومي﴾ أي: قريشاً الذين لهم قوة ومنعة ﴿اتخذوا هذا القرآن﴾ أي: المقتضي للإجماع عليه والمبادرة إليه ﴿مهجوراً﴾ أي: متروكاً بعيداً لم يؤمنوا به ولم يقبلوه، وأعرضوا عن استماعه.
تنبيه: أشار بصيغة الافتعال إلى أنهم عالجوا أنفسهم في تركه علاجاً كثيراً لما يرون من حسن نظمه ويذوقون من لذيذ معانيه ورائق أساليبه، ولطيف عجائبه وبديع غرائبه، وأكثر المفسرين على أن هذا القول وقع من النبي ﷺ وقال أبو مسلم: بل المراد أنه يقوله في الآخرة كقوله تعالى: ﴿فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد﴾ (النساء، ٤١)
الآية، والأول أولى؛ لأن قوله تعالى:
﴿وكذلك﴾ أي: كما جعلنا لك عدواً من مشركي قومك ﴿جعلنا لكل نبي﴾ من الأنبياء قبلك رفعة لدرجاتهم ﴿عدواً من المجرمين﴾ أي: من المشركين تسليةً له ﷺ كأنه تعالى يقول له: فاصبر كما صبروا، ولا يكون ذلك إلا إذا وقع القول منه ﴿وكفى بربك﴾ أي: المحسن إليك ﴿هادياً﴾ أي: يهدي بك من قضى بسعادته ﴿ونصيراً﴾ أي: ينصرك على من حكم بشقاوته.
تنبيه: احتج أهل السنة بهذه الآية على أنه تعالى خلق الخير والشر؛ لأن قوله تعالى: ﴿لكل نبي عدواً﴾ يدل على أن تلك العداوة من جعل الله تعالى وتلك العداوة كفر، فإن قيل: قوله تعالى: ﴿يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً﴾ كقول نوح عليه السلام: ﴿رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعائي إلا فراراً﴾ (نوح: ٥، ٦)
فكما أن المقصود من هذا إنزال العذاب، فكذلك ما هنا فكيف يليق هذا بمن وصفه الله تعالى بالرحمة في قوله تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ (الأنبياء، ١٠٧)
أجيب: بأن نوحاً عليه السلام لما ذكر ذلك دعا عليهم، وأما النبي ﷺ لما ذكر هذا لم يدع عليهم، بل انتظر فلما قال تعالى: ﴿وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً﴾ كان ذلك كالأمر له بالصبر على ذلك وترك الدعاء عليهم فافترقا.
الشبهة الخامسة: لمنكري النبوة ما حكاه الله تعالى عنهم بقوله تعالى:
﴿وقال الذين كفروا﴾ أي: الذين غطوا عداوة وحسداً ما تشهد عقولهم بصحته من أن القرآن كلام الله تعالى لإعجازه لهم مفرقاً فضلاً عن كونه مجتمعاً ﴿لولا﴾ أي: هلا ﴿نزل عليه القرآن﴾ أي: أنزل كخير بمعنى أخير؛ لئلا يناقض قولهم ﴿جملة﴾ وأكدوا بقولهم ﴿واحدة﴾ أي: من أوله إلى آخره كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود لتحقق أنه من عند الله تعالى، ويزول عنا ما نتوهمه من أنه الذي يرتبه قليلاً قليلاً، وهذا


الصفحة التالية
Icon