الماء، واختلف في عود الهاء في قوله تعالى:
﴿ولقد صرفناه بينهم﴾ على ثلاثة أوجه: أولها: قال الجمهور: إنها ترجع إلى المطر أي: صرفنا نزول الماء من وابل وطل وغير ذلك مرة ببلد ومرة ببلدة أخرى، قال ابن عباس: ما عام بأمطر من عام آخر، ولكن الله تعالى يصرفه في الأرض، وقرأ هذه الآية وهذا كما روي مرفوعاً «ما من ساعة من ليل أو نهار إلا والسماء تمطر فيها فيصرفه الله تعالى حيث يشاء»، وروي عن ابن مسعود يرفعه قال: «ليس من سنة بأمطر من أخرى ولكن الله تعالى قسم هذه الأرزاق فجعلها في السماء في هذا القطر ينزل منه كل سنة بكيل معلوم ووزن معلوم، وإذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم، فإذا عصوا جميعاً صرف الله ذلك إلى الفيافي والبحار»، وروي أن الملائكة يعرفون عدد المطر مقداره في كل عام لأنه لا يختلف ولكن تختلف فيه البلاد، ثانيها: قال أبو مسلم: الضمير راجع إلى المطر والسحاب والظلال، وسائر ما ذكره الله من الأدلة، ثالثها: صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن وفي سائر الكتب والصحف التي أنزلت على الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو ذكر إنشاء السحاب وإنزال المطر ﴿ليذكروا﴾ أي: ليتفكروا ويعملوا كمال القدرة وحق النعمة، ويقوموا بشكره.
تنبيه: أصل يذكروا يتذكروا أدغمت التاء في الذال وقرأ حمزة والكسائي بسكون الذال ورفع الكاف مخففة، والباقون بفتح الذال والكاف مشددتين ﴿فأبى﴾ أي: لم يرد ﴿أكثر الناس﴾ أي: بعبادتهم ﴿إلا كفوراً﴾ أي: جحوداً للنعمة وقلة الاكتراث بها وكفرانهم هو أنهم إذا مطروا قالوا: مطرنا بنوء كذا وهو بفتح النون وهمزة آخره وقت النجم الفلاني على عادة العرب في إضافة المطر إلى الأنواء فيكره أن يقول ذلك لإيهامه أن النوء فاعل المطر حقيقة، فإن اعتقد أنه الفاعل له حقيقة كفر، روى زيد بن خالد الجهني قال: «صلى بنا رسول الله ﷺ صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: قال أصبح من عبادي من هو مؤمن بي وكافر بي، فأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي وكافر بالكواكب»، وأفاد تعليق الحكم بالباء أنه لو قال: مطرنا في نوء كذا لم يكره، ونقل الشافعي عن بعض الصحابة أنه كان يقول عند المطر: مطرنا بنوء الفتح، ثم يقرأ: ﴿ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها﴾ (فاطر، ٢)
﴿ولو شئنا لبعثنا﴾ أي: بما لنا من العظمة ونفوذ الكلمة ﴿في كل قرية نذيراً﴾ أي: رسولاً ينذرهم من البشر أو الملائكة أو غيرهم كما قسمنا المطر عليها وإنما قصرنا الأمر عليك وعظمناك به، وأجللناك وفضلناك على سائر الرسل.
﴿فلا تطع الكافرين﴾ فيما قصدوا من التنفير عن الدعاء بما يبدونه من المقترحات أو يظهرون لك من المداهنة أو من القلق من صادع الإنذار ويخيلون لك أنك لو أقللت منه رجوا أن يوافقوك وقابل ذلك بالتشدد والتصبر ﴿وجاهدهم﴾ أي: بالدعاء ﴿به﴾ أي: القرآن الذي تقدم التحدث عنه في قوله تعالى: ولقد صرفناه، أو بترك طاعتهم المدلول عليه بقوله تعالى: فلا تطع أو بالسيف والأقرب الأول؛ لأن السورة مكية، والأمر بالقتال ورد بعد الهجرة بزمان ﴿جهاداً كبيراً﴾ أي: جامعاً لكل المجاهدات الظاهرة والباطنة؛ لأن في ذلك إقبال كثير