قولين؛ أحدهما: أنها على بابها وهي متعلقة بالسؤال، والمراد بقوله: ﴿خبيراً﴾ أي: عالماً يخبرك بحقيقته هو الله تعالى، ويكون من التجريد كقوله: رأيت به أسداً والمعنى: فاسأل الله الخبير بالأشياء قال الزمخشري: أو فاسأل بسؤاله خبيراً كقولك: رأيت به أسداً أي: برؤيته انتهى. فقال الكلبي: فقوله به يعود إلى ما ذكر من خلق السموات والأرض والاستواء على العرش، والباء من صلة الخبير وذلك الخبير هو الله تعالى، لأنه لا دليل في العقل على كيفية خلق السموات والأرض، والاستواء على العرش، ولا يعلمها أحد إلا الله تعالى، والثاني: أن تكون الباء بمعنى عن إما مطلقاً وإما مع السؤال خاصة كهذه الآية، وكقول علقمة بن عبيدة:
*فإن تسألوني بالنساء فإنني
... خبير بأدواء النساء طبيب
والضمير في به لله وخبيراً من صفات الملك وهو جبريل عليه السلام، فعن ابن عباس أن ذلك الخبير هو جبريل وإنما قدم لرؤوس الآي وحسن النظم، وقال ابن جرير: الباء في به صلة والمعنى: فاسأله خبيراً، وخبيراً نصب على الحال وقيل: به يجري مجرى القسم كقوله تعالى: ﴿واتقوا الله الذي تساءلون به﴾، وقيل: فاسأل بهذا الاسم من يخبرك من أهل الكتاب حتى تعرف من ينكره ومن ثم كانوا يقولون: ما نعرف الرحمن إلا الذي باليمامة يعنون مسيلمة الكذاب، وكان يقال له: رحمن اليمامة، وقيل: فاسأل بسبب سؤالك إياه خبيراً عن هذه الأمور وكل أمر تريده فيخبرك بحقيقة أمره ابتداءً وحالاً ومآلاً، فلا يضيق صدرك بسبب هؤلاء المدعوين، فإنه ما أرسلك إلا وهو عالم بهم فسيعلي كعبك عليهم ويحسن لك العاقبة، وقرأ ابن كثير والكسائي بالنقل، وكذا يقرأ حمزة في الوقف، والباقون بسكون السين وفتح الهمزة، ولما ذكر تعالى إحسانه إليهم وإنعامه عليهم ذكر ما أبدوه من كفرهم في موضع شكرهم بقوله:
﴿وإذا قيل لهم﴾ : أي: من أي قائل قال لهؤلاء الذين يتقلبون في نعمه: ﴿اسجدوا﴾ أي: اخضعوا بالصلاة وغيرها ﴿للرحمن﴾ أي: الذي لا نعمة لكم إلا منه ﴿قالوا وما الرحمن﴾ متجاهلين في معرفته فضلاً عن كفر نعمته معبرين بأداة ما لا يعقل، وقال ابن عربي: إنما عبروا بذلك إشارة إلى جهلهم بالصفة دون الموصوف، ثم عجبوا من أمره بذلك منكرين عليه بقولهم: ﴿أنسجد لما تأمرنا﴾ فعبروا عنه بعد التجاهل في أمره، والإنكار على الداعي إليه أيضاً بأداة ما لا يعقل ﴿وزادهم﴾ أي: هذا الأمر الواضح المقتضي للإقبال والسكون شكراً للنعمة وطمعاً في الزيادة ﴿نفوراً﴾ أي: عن الإيمان والسجود.
تنبيه: هذه السجدة من عزائم سجود التلاوة يسن للقارئ والمستمع والسامع أن يسجد عند قراءتها أو سماعها، وقرأ وإذا قيل لهم هشام والكسائي بالإشمام وضم القاف مع سكون الياء والباقون بكسر القاف، وقرأ لما يأمرنا حمزة والكسائي بالياء التحتية والباقون بالتاء الفوقية، وأبدل ورش والسوسي الهمزة وقفاً ووصلاً وحمزة وقفاً لا وصلاً، ولما حكى تعالى عن الكفار مزيد النفرة عن السجود وذكر ما لو تفكروا فيه لعرفوا وجوب السجود والعبادة للرحمن قال عز من قائل:
﴿تبارك﴾ أي: ثبت ثباتاً لا نظير له ﴿الذي جعل في السماء﴾ التي تقدم أنه اخترعها، واختلف في معنى قوله: ﴿بروجاً﴾ فقال الزجاج ومجاهد وقتادة: هي النجوم الكبار سميت بروجاً