معالي الأخلاق ﴿هوناً﴾ أي: هينين أو مشياً هيناً مصدر وصف به مبالغة والهون الرفق واللين، ومنه الحديث: «أحبب حبيبك هوناً ما»، وقوله: المؤمنون هينون، والمثل: إذا عز أخوك فهن، والمعنى إذا عاسر فياسر، والمعنى أنهم يمشون بسكينة وتواضع ووقار لا يضربون لوقارهم بأقدامهم ولا يخفقون بنعالهم أشراً وبطراً ولذلك كره بعض العلماء الركوب في الأسواق لقوله تعالى: ﴿ويمشون في الأسواق﴾ (الفرقان، ٣٠)
تنبيه: عباد مرفوع بالإبتداء وفي خبره وجهان؛ أحدها: الجملة الأخيرة في آخر السورة أولئك يجزون وبه بدأ الزمخشري والذين يمشون وما بعده صفات للمبتدأ، والثاني: أن الخبر الذين يمشون. الصفة الثانية ﴿وإذا خاطبهم الجاهلون﴾ أي: بما يكرهون ﴿قالوا سلاماً﴾ أي: تسلماً منكم لا نجاهلكم ومتاركة لا خير بيننا ولا شر أي: فنسلم منكم تسلماً فأقيم السلام مقام التسلم وقيل: قالوا: سداداً من القول أي: يسلمون فيه من الإثم والإيذاء وليس المراد التحية؛ لأن المؤمنين لم يؤمروا بالسلام على المشركين، وعن أبي العالية: نسختها آية القتال ولا حاجة إلى ادعاء النسخ بآية القتال ولا غيرها؛ لأن الإغضاء عن السفهاء وترك المقابلة مستحسن في الأدب والمروءة والشريعة أسلم للعرض والورع، وأطلق الخطاب إعلاماً بأن أكثر خصال الجاهل وهو الذي يخالف العلم والحكمة الجهل وهو السفه وقلة الأدب من قوله:
*ألا لا يجهلن أحد علينا
... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ولما ذكر تعالى ما بينهم وبين الخلق ذكر ما بينهم وبينه وهي الصفة الثالثة بقوله تعالى:
﴿والذين يبيتون﴾ من البيتوتة قال الزجاج: كل من أدركه الليل قيل: بات وإن لم ينم كما يقال: بات فلان قلقاً والمعنى يبيتون ﴿لربهم﴾ أي: المحسن إليهم ﴿سجداً﴾ على وجوههم في الصلاة وقدّمه لأنه أنهى الخضوع، وأخر عنه قوله تعالى: ﴿وقياماً﴾ أي: على أقدامهم وإن كان تطويل القيام أفضل للروي، وتخصيص البيتوتة؛ لأن العبادة في الليل أشق وأبعد من الرياء، قال الزمخشري: والظاهر أنه وصف لهم بإحياء الليل أو أكثره، وقيل: من قرأ شيئاً من القرآن في صلاة وإن قل فقد بات ساجداً وقائماً، وقال ابن عباس: من صلى بعد العشاء ركعتين فقد بات ساجداً وقائماً، وقيل: هما لركعتان بعد المغرب والركعتان بعد العشاء، وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ «من صلى عشاء الآخرة في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى الصبح في جماعة كان كقيام ليلة»، ولما ذكر تعالى تهذيبهم للخلق والخالق وصفهم الله تعالى أنهم مع ذلك خائفون وجلون وهي الصفة الرابعة بقوله تعالى:
﴿والذين يقولون ربنا﴾ أي: المحسن إلينا ﴿اصرف عنا عذاب جهنم﴾ قال ابن عباس: يقولون في سجودهم وقيامهم هذا القول، ثم علل سؤالهم بقوله تعالى: ﴿إن عذابها كان﴾ أي: كوناً جبلت عليه ﴿غراماً﴾ أي: هلاكاً وخسراناً ملحاً لازماً لا ينفك عنه كما قال:
*إن يعاقب يكن غراماً وإن يع
... ط جزيلاً فإنه لا يبالي
ومنه الغريم لملازمته وإلحاحه فهم يبتهلون إلى الله تعالى في صرف العذاب عنهم لعدم اعتدادهم بأعمالهم ووثوقهم على استمرار أحوالهم، ولما ثبت لهم هذا الوصف أنتج قوله تعالى.
﴿إنها ساءت﴾