ذكر تعالى ما تحلوا به من أصول الطاعات أتبعه بذكر ما تخلوا عنه من أمهات المعاصي التي هي الفحشاء والمنكر وهو الصفة السادسة بقوله تعالى:
﴿والذين لا يدعون﴾ أي: رحمة لأنفسهم واستعمالاً للعدل ﴿مع الله﴾ أي: الذي اختص بصفات الكمال ﴿إلهاً آخر﴾ أي: دعاءً جلياً بالعبادة ولا خفياً بالرياء، ولما نفى عنهم ما يوجب قتل أنفسهم بخسارتهم إياها أتبعه نفي قتل غيرهم بقوله سبحانه: ﴿ولا يقتلون النفس﴾ رحمة للخلق وطاعة للخالق ولما كان من الأنفس ما لا حرمة له بين المراد بقوله تعالى: ﴿التي حرم الله﴾ أي: منع من قتلها ﴿إلا بالحق﴾ أي: بأن تعمل بما يبيح قتلها، ولما ذكر القتل الجلي أتبعه الخفي بتضييع نسب الولد بقوله تعالى: ﴿ولا يزنون﴾ أي: رحمة للمزني بها ولأقاربها أن تنهتك حرماتهم مع رحمته لنفسه على أن الزنا أيضاً جار إلى القتل والفتن وفيه التسبب إلى إيجاد نفس بالباطل كما أن القتل سبب إلى إعدامها بذلك، وقد روي في الصحيح عن عبد الله بن مسعود أنه سأل النبي ﷺ أي الذنب أعظم وفي رواية أكبر عند الله؟ قال: «أن تدعو لله نداً وهو خلقك قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك» فأنزل الله تصديق ذلك، ﴿والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر﴾ الآية.
وقد استشكل تصديق هذه الآية للخبر من حيث أن الذي فيه قتل خاص وزنا خاص، والتقييد بكونه أكبر والذي فيها مطلق القتل والزنا من غير تعرض لعظم؟ وأجيب: بدفع الإشكال بأنها نطقت بتعظيم ذلك من سبعة أوجه؛ الأول: الاعتراض من بين المبتدأ الذي هو وعباد الرحمن وما عطف عليه والخبر الذي هو أولئك يجزون الغرفة على إحدى الروايتين بذكر هذه الثلاثة خاصة وذلك دال على مزيد الاهتمام الدال على الإعظام، الثاني: الإشارة بأداة البعد في قوله تعالى: ﴿ومن يفعل ذلك﴾ أي: هذا الفعل العظيم القبيح مع قرب المذكورات فدل على أن البعد من رتبتها فهو إشارة إلى جميع ما تقدم؛ لأنه بمعنى ما ذكر، فلذلك وحده وأدغم لام يفعل في الذال أبو الحارث والباقون بالإظهار، الثالث: التعبير باللقي مع المصدر المزيد الدال على زيادة المعنى في قوله: ﴿يلق أثاماً﴾ دون يأثم ويلق إثماً أي: جزاء إثمه، الرابع: التقييد بالمضاعفة في قوله تعالى مستأنفاً:
﴿يضاعف﴾ بأسهل أمر ﴿له العذاب﴾ جزاء ما أتبع نفسه هواها، الخامس: التهويل بقوله تعالى: ﴿يوم القيامة﴾ الذي هو أهول من غيره بما لا يقاس، السادس: الإخبار بالخلود الذي أقل درجاته أن يكون مكثاً طويلاً بقوله تعالى: ﴿ويخلد فيه﴾ وقرأ يضاعف ويخلد ابن عامر وشعبة برفع الفاء والدال، والباقون بجزمهما وأسقط الألف من يضاعف مع تشديد العين ابن كثير وابن عامر فالجزم على أنهما بدلان من يلق بدل اشتمال، والرفع على الاستئناف، السابع: التصريح بقوله تعالى: ﴿مهاناً﴾ فلما أعظم الأمر من هذه الأوجه علم أن كلاً من هذه الذنوب كبير، وإذا كان الأعم كبيراً كان الأخص المذكور أعظم من مطلق الأعم؛ لأنه زاد عليه بما صار به خاصاً فثبت بهذا أنها كبائر وإن قتل الولد والزنا بحليلة الجار أكبر ما ذكر فوجد تصديق الآية للخبر.
وقرأ حفص مع ابن كثير بصلة الهاء بالياء من فيه قبل مهاناً، فإن قيل: ذكر أن من صفات عباد الرحمن صفات حسنة فكيف يليق بعد ذلك أن يطهرهم عن الأمور العظيمة مثل الشرك والقتل