ثبير والكفار يطلعونه فقال الجبل: انزل عني فإني أخاف أن تؤخذ عليّ فيعاقبني الله بذلك، فقال له جبل حرا: إليّ إليّ يا رسول الله.
وروي أنّ رسول الله ﷺ قال: «إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث وإني لأعرفه الآن».
وروي عن عليّ أنه قال: «كنا مع رسول الله ﷺ بمكة فرحنا في نواحيها خارجاً من مكة بين الجبال والشجر فلم يمرّ بشجر ولا جبل إلا قال: السلام عليك يا رسول الله».
وروي عن جابر أنه قال: كان النبيّ ﷺ إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد فلما صنع له المنبر فاستوى عليه اضطربت تلك السارية وحنت كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد حتى نزل رسول الله ﷺ فاعتنقها فسكتت، وقال مجاهد: لا ينزل حجر من أعلى إلى أسفل إلا من خشية الله ويشهد لذلك قوله تعالى: ﴿لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدّعاً من خشية الله﴾ (الحشر، ٢١) ﴿وما الله بغافل﴾ أي: بساه ﴿عما تعملون﴾ وعيد وتهديد، وقيل: بتارك عقوبة ما تعملون بل يجازيكم به، وقرأ ابن كثير بالياء على الغيبة، والباقون بالتاء على الخطاب.
﴿س٢ش٧٥/ش٧٨ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا؟ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ؟ مِن؟ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا؟ الَّذِينَءَامَنُوا؟ قَالُو؟ا؟ ءَامَنَّا وَإِذَا خَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُو؟ا؟ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ؟ عِندَ رَبِّكُمْ؟ أَفَ تَعْقِلُونَ * أَوَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِ؟ أَمَانِىَّ وَإِنْ هُمْ إِs يَظُنُّونَ﴾
﴿أفتطمعون﴾ أي: أفترجون أيها المؤمنون ﴿أن يؤمنوا﴾ أي: اليهود ﴿لكم﴾ أي: لأجل دعوتكم أو يصدّقوكم بما تخبرونهم به ﴿وقد كان فريق﴾ أي: طائفة ﴿منهم﴾ أي: أحبارهم ﴿يسمعون كلام الله﴾ أي: التوراة ﴿ثم يحرّفونه﴾ يغيرونه كنعت محمد ﷺ وآية الرجم، وقيل: هؤلاء من السبعين المختارين الذين سمعوا كلام الله حين كلم موسى عليه الصلاة والسلام بالطور ثم قالوا: سمعنا الله يقول في آخره إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا ﴿من بعد ما عقلوه﴾ أي: فهموه بعقولهم ولم يبق لهم فيه ريبة ﴿وهم يعلمون﴾ أنهم مفترون والهمزة للإنكار أي: لا تطمعوا في إيمانهم فلهم سابقة في الكفر.
﴿وإذا لقوا﴾ أي: منافقو اليهود ﴿الذين آمنوا قالوا آمنا﴾ بأنكم على الحق وإنّ رسولكم هو المبشر به في التوراة ﴿وإذا خلا﴾ أي: رجع ﴿بعضهم إلى بعض قالوا﴾ أي: رؤساؤهم الذين لم ينافقوا ككعب بن الأشرف وكعب بن أسد ووهب بن يهودا لمن نافق ﴿أتحدّثونهم﴾ أي: المؤمنين ﴿بما فتح الله عليكم﴾ بما بين لكم في التوراة من نعت محمد ﷺ ﴿ليحاجوكم﴾ أي: ليخاصموكم ﴿به عند ربكم﴾ أي: بما أنزل ربكم في كتابه ويقيموا عليكم الحجة في ترك اتباعه مع علمكم بصدقه جعلوا محاجتهم بكتاب الله محاجة عند الله كما يقال: عند الله كذا، ويراد به أنه في كتابه وحكمه، وقيل: بين يدي رسول ربكم، وقيل: عند ربكم في الآخرة، وقوله تعالى: ﴿أفلا تعقلون﴾ إمّا من تمام كلام اللائمين وهم خلص اليهود وتقديره أفلا تعقلون أنهم يحاجونكم فيحجونكم، وإمّا من خطاب الله للمؤمنين متصل بقوله تعالى: ﴿أفتطمعون﴾ والمعنى: أفلا تعقلون حالهم وأنه لا مطمع لكم في إيمانهم.
﴿أولا يعلمون﴾ أي: اللائمون أو المنافقون أو كلاهما ﴿إنّ الله يعلم ما يسرّون وما يعلنون﴾ من إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان وإخفاء ما فتح الله عليهم وإظهار غيره وغير ذلك فيرعووا عن ذلك.
﴿ومنهم﴾ أي: اليهود ﴿أمّيون﴾ أي: عوام جهلة ﴿لا يعلمون الكتاب﴾ أي: لا يعرفون التوراة أو الكتابة فيطالعوا التوراة ويتحققوا ما، فيها، وقوله تعالى: ﴿إلا أمانيّ﴾ استثناء منقطع، أي: لكن أكاذيب تلقوها من رؤسائهم فاعتمدوها
قوّة}، أي: طاقة ﴿أو آوي إلى ركن شديد﴾، أي: عشيرة تنصرني شبهت بركن الجبل في شدّته، وعنه ﷺ «رحم الله أخي لوطاً كان يأوي إلى ركن شديد»، والركن الشديد نصر الله ومعونته فكأن النبيّ ﷺ استغرب من لوط عليه السلام قوله: ﴿أو آوي إلى ركن شديد﴾ وعدّه نادرة إذ لا يمكن أشدّ من الركن الذي كان يأوي إليه، وجواب لو محذوف تقديره: لبطشت بكم أو لدفعتكم، روي أنه أغلق بابه دون أضيافه وأخذ يجادلهم من وراء الباب فتسوّروا الجدار فلما رأت الملائكة ما على لوط من الكرب.
﴿قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك﴾ بسوء فافتح الباب ودعنا وإياهم، ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبريل ربه في عقوبتهم فأذن له، فقام في الصورة التي يكون فيها فنشر جناحه، وله جناحان، وعليه وشاح من درّ منظوم وهو براق الثنايا، فضرب بجناحه وجوههم، فطمس أعينهم كما قال تعالى: ﴿فطمسنا أعينهم﴾ (القمر، ٣٧) فصاروا لا يعرفون الطريق ولا يهتدون إلى بيوتهم، فخرجوا وهم يقولون: النجاء النجاء، فإنّ في بيت لوط قوماً سحرة.
تنبيه: لن يصلوا إليك جملة موضحة للتي قبلها؛ لأنهم إذا كانوا رسل الله لن يصلوا إليه، ولن يقدروا على ضرره، ثم قالوا له: ﴿فأسر بأهلك بقطع﴾، أي: طائفة ﴿من الليل﴾ وقرأ نافع وابن كثير بعد الفاء بهمزة وصل من السرى والباقون بهمزة قطع من الإسراء. ﴿ولا يلتفت منكم أحد﴾، أي: لا ينظر إلى ورائه لئلا يرى عظيم ما نزل بهم. وقوله: ﴿إلا امرأتك﴾ قرأه ابن كثير وأبو عمرو برفع التاء على أنه بدل من أحد، والباقون بالنصب على أنه استثناء من الأهل، أي: فلا تسر بها ﴿إنه مصيبها ما أصابهم﴾ فلم يخرج بها، وقيل: خرجت والتفتت فقالت: واقوماه فجاءها حجر فقتلها. روي أنه قال لهم: متى موعد هلاكهم فقالوا له: ﴿إنّ موعدهم الصبح﴾ قال: أريد أسرع من ذلك فقالوا: ﴿أليس الصبح بقريب﴾، أي: فأسرع الخروج بمن أمرت بهم.
﴿فلما جاء أمرنا﴾، أي: عذابنا بهلاكهم ﴿جعلنا عاليها﴾، أي: قراهم ﴿سافلها﴾ روي أنّ جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحت قرى قوم لوط المؤتفكات المذكورة في سورة براءة، وكانت خمس مدائن، وفيها أربعمائة ألف، وقيل: أربعة آلاف، ألف فرفع المدائن كلها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونهيق الحمير ونباح الكلاب، لم يكفأ لهم إناء ولم ينتبه نائم، ثم أسقطها مقلوبة إلى الأرض. ﴿وأمطرنا عليها﴾، أي: المدن بعد قلبها، وقيل: على شُذّاذها وهو بضمّ الشين المعجمة وبذالين معجمتين أولاهما مشدّدة وهم الذين ليسوا من أهلها يكونون في القوم وليسوا منهم ﴿حجارة من سجيل﴾، أي: من طين طبخ بالنار كما قال تعالى في موضع آخر ﴿من طين﴾ وقيل مثل السجل وهو الدلو العظيمة. ﴿منضود﴾، أي: متتابع يتبع بعضها بعضاً.
﴿مسوّمة﴾، أي: معلمة عليها اسم من يرمى بها. وقال أبو صالح: رأيت منها عند أم هانئ، وهي حجارة فيها خطوط حمر على هيئة الجزع. وقال الحسن: عليها أمثال الخواتيم. وقال ابن جريج: كان عليها سيما يعلم بها أنها ليست من حجارة الأرض، وقوله تعالى: ﴿عند ربك﴾ ظرف لها ﴿وما هي﴾، أي: تلك الحجارة ﴿من الظالمين﴾، أي: مشركي مكة ﴿ببعيد﴾، أي: بشيء بعيداً وبمكان بعيد؛ لأنها وإن كانت في السماء وهي مكان بعيد إلا أنها إذا وقعت منها فهي أسرع شيء لحوقاً بالمرمي، فكأنها بمكان قريب منه، وفيه وعيد لهم،
من القبور كما كنا أوّل مرّة ﴿نحن وآباؤنا من قبل﴾ أي: قبل محمد فقد مرّت الدهور على هذا الوعد ولم يقع منه شيء فذلك دليل على أنه لا حقيقة له، فكأنه قيل: فما فائدة المراد به فقالوا ﴿إن﴾ أي: ما ﴿هذا إلا أساطير الأوّلين﴾ أي: أحاديثهم وأكاذيبهم التي كتبوها ولا حقيقة لها.
تنبيه: أساطير الأوّلين: جمع أسطورة بالضم أي: ما سطر من الكذب، فإن قيل: لم قدم في هذه الآية هذا، على نحن وآباؤنا، وفي آية أخرى قدم نحن وآباؤنا، على هذا؟ أجيب: بأنّ التقديم دليل على أنّ المقدّم هو الغرض المقصود بالذكر وأنّ الكلام إنما سيق لأجله، ففي إحدى الآيتين دل على أنّ إيجاد البعث هو الذي تعمد بالكلام وفي الأخرى على أنّ إيجاد المبعوث بذلك الصدد، ثم أمر الله تعالى نبيه ﷺ أن يرشدهم بما في صورة التهديد بقوله تعالى:
﴿قل سيروا في الأرض﴾ أي: أيها العمي الجاهلون ﴿فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين﴾ بإنكارهم وهي هلاكهم بالعذاب فإنكم إن نظرتم وتأمّلتم أخبارهم حق التأمّل أسرع بكم ذلك إلى التصديق فنجوتم وإلا هلكتم كما هلكوا، وأراد بالمجرمين الكافرين، فإن قيل: فلم لم يقل عاقبة الكافرين؟ أجيب: بأنّ هذا يحصل به التخويف لكل العصاة، ثم إنّ الله تعالى صبر نبيه ﷺ على ما يناله من جلافتهم وعماهم عن السبيل الذي هدى إليه الدليل بقوله تعالى:
﴿ولا تحزن عليهم﴾ أي: في عدم إيمانهم فإنما عليك البلاغ ﴿ولا تكن في ضيق مما يمكرون﴾ أي: لا تهتم بمكرهم عليك فأنا ناصرك عليهم وجاعل تدميرهم في تدبيرهم كطغاة قوم صالح، تنبيه: الضيق الحرج يقال ضاق الشيء ضيقاً وضيقاً بالفتح والكسر، ولهذا قرأ ابن كثير بكسر الضاد، والباقون بالفتح، ولما أشار تعالى إلى أنهم لم يبقوا في المبالغة في التكذيب بالساعة وجهاً أشار تعالى إلى أنهم في التكذيب بالوعيد بالساعة وغيرها من عذاب الله أشدّ مبالغة بقوله تعالى:
﴿ويقولون﴾ بالمضارع المؤذن بالتجدّد كل حين والاستمرار ﴿متى هذا الوعد﴾ أي: العذاب والبعث والمجازاة الموعود بها وسموه وعداً إظهاراً لمجيئه تهكماً به ﴿إن كنتم﴾ أي: أنت ومن تبعك ﴿صادقين﴾ فيه، ثم أمر الله تعالى نبيه ﷺ أن يجيبهم بقوله تعالى:
﴿قل﴾ لهم ﴿عسى أن يكون ردف لكم﴾ أي: تبعكم وردفكم ولحقكم، فاللام مزيدة على هذا للتأكيد كالباء في قوله ﴿ولا تلقوا بأيديكم﴾ (البقرة، ١٩٥)
ويصح أن يكون تضمن ردف معنى فعل فتعدى باللام نحو دنا وقرب وأردف وبهذا فسره ابن عباس، وقد عدّي بمن في قول القائل:

*فلما ردفنا من عمير وصحبه تولوا سراعاً والمنية تعنق*
يعني دنونا من عمير ﴿بعض الذي تستعجلون﴾ أي: فحصل لهم القتل ببدر وباقي العذاب يأتي بعد الموت، تنبيه: عسى ولعلّ وسوف في مواعيد الملوك كالجزم بها، وإنما يطلقون إظهاراً لوقارهم وإشعاراً بأنّ الرمز منهم كالتصريح من غيرهم وعليه جرى وعد الله ووعيد، ولما كان التقدير فإنّ ربك لا يعجل على هذا العاصي بالانتقام مع تمام قدرته عطف عليه.
﴿وإن ربك﴾ أي: المحسن إليك بالحلم على أمّتك ﴿لذو فضل﴾ أي: تفضل وإنعام ﴿على الناس﴾ أي: كافة ﴿ولكن أكثرهم لا يشكرون﴾ أي: لا يعرفون حق النعمة له ولا يشكرونه بل
﴿من ذكر وأنثى﴾ الآية مبين ومقرّر لما تقدّم، لأنّ السخرية من الغير وغيبته إن كان ذلك بسبب غير الدين والإيمان فلا يجوز لأنّ الناس بعمومهم كافرهم ومؤمنهم يشتركون فيما يفتخر به المفتخر، لأنّ التكبر والافتخار إن كان بسبب الغنى فالكافر قد يكون غنياً والمؤمن فقيراً وبالعكس.
وإن كان بسبب النسب فالكافر قد يكون نسيباً والمؤمن مولى وعبداً أسود وبالعكس، فالناس فيما ليس من الدين والتقوى متساوون ومتقاربون ولا يؤثر شيء من ذلك مع عدم التقوى. كما قال تعالى: ﴿إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ فقوله تعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى﴾ أي آدم وحوّاء فأنتم متساوون في النسب فلا تفاخر لبعض على بعض لكونهم أبناء رجل واحد وامرأة واحدة.
قال ابن عباس: «نزلت في ثابت بن قيس. وقوله للرجل الذي لم يفسح له ابن فلانة فقال النبيّ ﷺ من الذاكر فلانة. قال ثابت: أنا يا رسول الله فقال: انظر في وجوه القوم فنظر فقال: ما رأيت يا ثابت قال: رأيت أبيض وأحمر وأسود. قال: فإنك لا تفضلهم إلا في الدين والتقوى» فنزلت هذه الآية ونزل في الذي لم يفسح له ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس﴾ (المجادلة: ١١)
الآية وقال قتادة: «لما كان فتح مكة أمر رسول الله ﷺ بلالاً حتى علا على ظهر الكعبة فأذن فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص: الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم. وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد أغبر من هذا الغراب الأسود مؤذناً. وقال سهيل بن عمرو: إن يرد الله شيئاً يغيره وقال أبو سفيان: إني لا أقول شيئاً أخاف أن يخبره به رب العالمين رب السموات فأتى جبريل رسول الله ﷺ فأخبره بما قالوه فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا فأنزل الله تعالى في هذه الآية» وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والازدراء بالفقراء.
تنبيه: الحكمة في اختيار النسب مع أنّ غيره من جملة أسباب التفاخر ولم يذكر الأمور التي يفتخر بها في الدنيا وإن كانت كثيرة لأنّ النسب أعلاها لأنّ المال قد يحصل للفقير فيبطل افختار الغني المفتخر به عليه والسمن والحسن وغير ذلك لا يدوم. والنسب ثابت مستمر غير مقدوراً التحصيل لمن ليس له ذلك فاختاره الله تعالى للذكر وأبطل اعتباره بالنسبة إلى التقوى ليعلم منه بطلان غيره بطريق الأولى فإن قيل: إذا كان ورود الآية لبيان عدم جواز الافتخار بغير التقوى فما فائدة قوله تعالى: ﴿إنا خلقناكم﴾ أجيب: بأنّ فائدته أنّ كل شيء يترجح على غيره فأمّا أن يترجح بأمر فيه يلحقه ويرتب عليه بعد وجوده.
وأمّا أن يترجح عليه بأمر قبله فالذي بعده كالحسن والقوّة وغيرهما من الأوصاف المطلوبة من ذلك الشيء.
وأمّا الذي قبله فأما راجع إلى أصله الذي وجد فيه أو إلى الفاعل الذي أوجده فالأول كقولك هذا من نحاس وهذا من فضة، والثاني كقولك هذا عمل فلان وهذا عمل فلان. فقال تعالى: لا ترجيح بالنسبة إلى فاعلكم لأنكم كلكم خلق الله تعالى فإن كان عناكم تفاوت فهو بأمور تحصل لكم بعد وجودكم وأشرفها التقوى. ولما كان تفصيلهم إلى فرق كل منها يعرف به أمراً باهراً عبر فيه بنون العظمة فقال تعالى: ﴿وجعلناكم﴾ أي بعظمتنا ﴿شعوباً﴾ جمع شعب بفتح الشين وهو أعلى طبقات الإنسان مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج ﴿وقبائل﴾ أي: تحت


الصفحة التالية
Icon