النون، فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا [هود: ١٤] فرد بغير نون، أظهر حرف الشرط في الأول لأن جوابه المترتب عليه بالفاء هو: فَاعْلَمْ [القصص: ٥٠] متعلق بشيء ملكوتي ظاهر، سفلي وهو اتباعهم أهواءهم، وأخفى في الثاني لأن جوابه المترتب عليه بالفاء هو علم متعلق بشيء ملكوتي خفي، علوي وهو إنزال القرآن بالعلم والتوحيد.
٨ - ومن ذلك: «أن لن» كله مفصول إلا حرفان: أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً [الكهف: ٤٨] أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ [القيامة: ٣] سقطت النون منهما في الخط تنبيها على أن ما زعموا وحسبوا هو باطل في الوجود وحكم ما ليس بمعلوم نسبوه إلى الحي القيوم، فأدغم حرف توكيدهم الكذب في حرف النفي السالب هو، بخلاف قوله: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا [التغابن: ٧] فهؤلاء لم ينسبوا ذلك لفاعل، إذ ركب الفعل لما لم يسم فاعله، وأقيموا فيه مقام الفاعل، فعدم بعثهم تصوروه من أنفسهم، وحكموا به عليها توهما، فهو كاذب من حيث حكموا به على مستقبل الآخرة، ولكونه حقا بالنسبة إلى دار الدنيا الظاهرة ثبت التوكيد ظاهرا وأدغم في حرف النفي من حيث الفعل المستقبل الذي هو فيه كاذب.
٩ - ومن ذلك كل ما في القرآن «أن لا» فهو موصول إلا عشرة مواضع فهي مفصولة تكتب النون فيها باتفاق، وذلك حيث ظهر في الوجود صحة توكيد القضية ولزومها:
أولها: أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ [الأعراف: ١٠٥]، أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ [الأعراف: ١٦٩]. وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ [التوبة: ١١٨] وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [هود: ١٤]، و: أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ [هود: ٢٦] أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً [الحج: ٢٦] أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ [يس: ٦٠] وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ [الدخان: ١٩] أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً [الممتحنة: ١٢] أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا [القلم: ٢٤]. وواحد فيه خلاف أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ [الأنبياء: ٨٧].


الصفحة التالية
Icon