ببعض. وكنت أضيق ذرعا بكثرة استطراداته وانتقاله حين الكلام على فكرة أو موضوع، إلى كلام آخر بين كلامه، وإن كان له صلة به إلا أنه يمزق المعنى، ويشتت الفكر بين الفكرة الأصلية، وبين ما استطرد إليه وأضافه، حتى وجدت الجزء الأول من هذا التفسير المحقق، فسهل على كثيرا مما كنت أجده من صعوبة، كما وفر أيضا من الوقت.
ولأجل أن اشركك معى فى هذا.. أضع أمامك هذا النموذج من كلام الطبرى فى تفسير قوله تعالى «اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ» ومثله «يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ» و «نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ» بعد أن استعرض بعض الأقوال قال (١):
«والصواب فى ذلك من القول والتأويل عندنا: أن معنى الاستهزاء فى كلام العرب إظهار المستهزئ للمستهزئ به من القول والفعل ما يرضيه ظاهرا، وهو بذلك من قوله وفعله به مورثه مساءة باطنا. وكذلك معنى الخداع والمكر.
فاذا كان ذلك كذلك (٢) - وكان الله جل ثناؤه قد جعل لأهل النفاق فى الدنيا الاحكام. بما أظهروا بألسنتهم، من الاقرار بالله وبرسوله، وبما جاء به من عند الله المدخلهم فى عداد من يشمله اسم الاسلام، وان كانوا لغير ذلك مستبطنين- احكام المسلمين المصدقين اقرارهم بألسنة أنهم مصدقون، حتى ظنوا فى الآخرة أنهم إذا حشروا فى عداد من كانوا فى عدادهم فى الدنيا أنهم واردون موردهم وداخلون مدخلهم. «والله جل جلاله- مع اظهاره ما قد أظهر لهم من الأحكام الملحقة بهم فى عاجل الدنيا. وآجل الآخرة إلى حال تمييزه بينهم وبين أوليائه، وتفريقه بينهم- معدّ لهم من أليم عقابه ونكال عذابه ما أعد منه لأعدى أعدائه، وشر عباده، حتى ميز بينهم وبين أوليائه، فألحقهم من طبقات صحيحة بالدرك الأسفل- كان معلوما أنه جل ثناؤه بذلك من فعله بهم- وإن كان جزاء على أفعالهم، وعدلا ما فعل من ذلك بهم،
(٢) من هنا جملة اعتراضية استطرادية تطول نحو عشرة أسطر إلى قوله كان معلوما..