ويقول: «فاستدلال الطبرى بما ينكره المنكرون، لم يكن إلا استظهارا للمعانى التى تدل عليها ألفاظ هذا الكتاب الكريم، كما يستظهر بالشعر على معانيها، فهو إذن استدلال يكاد يكون لغويا.. الخ».
وهذا الذى يقوله العلامة محمود شاكر لا بأس به فى الدفاع، لكنه مع ذلك ليس قاطعا..
فما كان أغنانا عن هذه الروايات، وعندنا ما يكفى فى الدلالة على معناها من كلام العرب من شعر ونثر، على أن الاسرائيليات- وما شابهها- لا تقطع بمعنى لفظ فى القرآن الكريم.. وفيها ما فيها من الخطر على فهمه، ثم إننا نجد الروايات الإسرائيلية على ما فيها من تناقض تتدخل لفهم شىء مغيب عنا، لم يعن القرآن ببيانه فجاءت هذه الروايات تفسر المراد منه، وهو ليس من باب الاستدلال على معنى الكلمة عند العرب، كما يستدل بالشعر.. واكتفى هنا بمثال.
ما المراد بالشجرة:
ففي ص ٥١٨ من الجزء الأول يروى الطبرى عن ابن عباس قولا فى المراد بالشجرة فى قوله تعالى (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ)، بأنها: البر، او السنبلة.
ويعدد الروايات عن ذلك القول، ويروى فى احداها صراحة أن أهل التوراة يقولون: هى البر، ثم روى روايات أخرى عن المراد بالشجرة، ومنها رواية ثانية عن ابن عباس نفسه بأنها: الكرمة (ص ٥١٩ فقرة ٧٣٠ وما بعدها)، ثم يروى رواية ثالثة وأخيرة بأنها: التينة ص ٥٢٠ فقرة ٧٤٠.
وقد أتى بهذه الروايات التى شغلت حيزا كبيرا بعد ما ذكر قبلها: «الشجرة فى كلام العرب: كل ما قام على ساق ومنه قوله جل ثناؤه «وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ» يعنى بالنجم ما نجم من الأرض من نبت، وبالشجر ما استقل على ساق» فذكر بذلك المراد بالشجرة فى كلام العرب. ثم بدأ فى بيان المراد منها عند أهل التأويل، وذكر هذه الروايات الغريبة التى تعتبر كلها خبطا بدون دليل ولا بينة.