والرياضة، يقول عنه المستشرق الألمانى الذى نشر كتبه: إن البيرونى هو أعظم عقلية ظهرت فى التاريخ، لا فى الشرق وحده، ولا فى الغرب وحده، ولا فى القديم وحده، ولا فى العصور المتوسطة ولا العصور الحديثة، إنه أكبر عقلية ظهرت فى التاريخ.
هذا العالم الفذ الذى سبق الأفكار كلها فى عالم الرياضة والفلك، كان من كبار العلماء المشتغلين بعلوم الدين أيضا، حتى ليروى أحد أصدقائه أنه ذهب ليزوره، وهو على فراش الموت وفى النزع الأخير، فحين رآه قال له: لقد كنا نتحدث فى يوم من الأيام عن الجدات الفاسدات (اصطلاح فقهى للجدود من ناحية الأم)، فإلام انتهينا من أمرها؟
فقال له صاحبه: أفى هذه الحالة، وهذه الظروف تسأل عن الجدات الفاسدات؟
فقال له البيرونى لأن ألقى الله وأنا من العالمين بها، خير من أن ألقاه وأنابها من الجاهلين»
وتحدثا سويا فى الموضوع ثم خرج الزائر الصديق، ولم يبعد إلا قليلا عن البيت، حتى سمع الصراخ لموت البيرونى.
هذه الواقعة التى كانت آخر تحرك علمى فى حياته، ترينا لماذا كان أعظم عقلية، وأعظم عالم فى التاريخ.. ثم ترينا الحافز الدينى الذى كان يدفعه ويدفع أمثاله إلى العبّ
من العلم بكل أنواعه.. فكان مع نبوغه فى الفلك والرياضيات وغيرها، متبحرا كذلك فى العلوم المتصلة بدينه وأحكامه، لأنه لم يكن هناك أى حاجز بينها، بل كان بعضها يغذى بعضا ويقويه..
وكان «الكندى» أبو يوسف يعقوب بن إسحاق ١٨٥ هـ ٨٠١ م المتوفى سنة ٢٥١ هـ- ٨٦٥ م، الفيلسوف العربى المولود بالكوفة، كان ملما بعلوم الدين، بجوار اشتهاره بالفلسفة والرياضيات والطبيعيات والفلك، والطب والجغرافيا، والموسيقى وكان لحبه لدينه وغرامه بالفلسفة معنيا بالتوفيق بينهما.
يقول عنه الغربيون الذين درسوا كتبه: «إنه أحد ثمانية هم على وجه الإطلاق النابغون فى العالم».


الصفحة التالية
Icon