ذلك لأن لكل أمة قاعدة تنطلق منها إلى نهضتها، وإلى إثبات وجودها وقيمتها فى الحياة
والمسلمون لم يبدءوا حياتهم، ولم يخطوا الخطوة الأولى فى وجودهم، استجابة لفلسفة يضعها بشر، وإنما بدءوا حياتهم على أساس الإيمان بدين منزل من عند الله، وتوجيه رسول أرسله الله، وعلى هدى قرآن أنزله الله على رسوله.. واستمدوا من ذلك وجودهم وكيانهم وشخصيتهم، وبنوا عليه كل تحركاتهم وسكناتهم، وشكلوا على هديه كل مظاهر حياتهم..
فمن الضرورى والحالة هذه أن تكون عنايتهم الأولى مركزة على فهم دينهم، وفهم القرآن الذى يمثل العمود الفقرى فى حياتهم، وفهم ما يتصل بالعقيدة وسلامتها، وما يتصل بالأحكام فى العبادة والمعاملات، حتى تأتى أعمالهم طبقا لما يطلبه منهم دينهم..
وقد برزت هذه الناحية فى حياة المسلمين بصورة طبيعية، سواء من جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من جانبهم، فكانت عناية الرسول بتبليغهم ما أنزل عليه من القرآن أولا بأول، وتطبيقه على نفسه، وعلى من حوله من أصحابه، وشرح ما يحتاجون إليه من شرح وبيان.. وكانت عنايتهم كذلك بتلقى ما نزل من القرآن، وحفظه ما أمكن، والحرص على ملازمة الرسول، وفهم توجيهاته، حتى كانوا يتناوبون حضور دروسه، ومصاحبته، والحاضر منهم فى نوبته يبلغ الغائب ما سمعه وعرفه.. حتى لا يفوت الواحد منهم شىء نزل من القرآن، أو قاله الرسول.. مدفوعين إلى ذلك بقوة إيمانهم بالله ورسوله، وحرصهم على أن تكون حياتهم صورة حية لما جاء به نبيهم ورسولهم، وطبقا لتعاليم دينهم..
كان دينهم هو كل شىء هو زادهم فى حياتهم، وهو رفيقهم حين يلقون ربهم.. وكان القرآن- كما قلنا- يمثل العمود الفقرى لحياة المسلمين، فمن الطبيعى- والحالة هذه- ألا يغيب عنهم منه شىء، وكانوا يفهمون القرآن وتوجيهاته بسليقتهم العربية، فإذا أشكل عليهم منه أمر استوضحوه من رسول الله، أو سأل بعضهم من يظن أنه عارف به..