فأين مجال الحديث الآخر: (حدثوا عن أهل الكتاب ولا حرج)؟ إن كان الأخذ عنهم فيما جاء به القرآن أو تحدث به الرسول فلا مانع ولا حرج. لأنه يكون مؤيدا لهما، وإن كانا فى غير حاجة لتأييد، لكنه استئناس على كل حال تقرّ به العيون.. إلا أنه ليس موضوع كلامنا.
إن كلامنا فيما سكت القرآن عن بيانه كما سبق، فجاء أهل الكتاب فبينوه، فقالوا لنا مثلا: لون الكلب أبيض أو أسود أو الخشب كان من الزان أو الساج مثلا؛ فهل الحديث الذى يقول «حدثوا عن أهل الكتاب ولا حرج» يبيح لنا أن نمشى وراء أهل الكتاب، عند ما نفسر القرآن، ونقول ما قالوه، فى هذا وذاك- ولو أنه لا يقدم ولا يؤخر لكنه ينسب الى تفسير القرآن، ويتناقله العلماء كأنه شىء ثابت. وهو لا أصل له يعتد به؟
هل الحديث يبيح لنا أن نحكى عنهم أن الموت يأتى فى صورة كبش، والحياة فى صورة فرس، كما نسب إلى ابن عباس فى بعض كتب التفسير؟!
هل الحديث يبيح لنا أن نفسر القرآن بما يحكونه- عن كتبهم- من أحوالهم وأعاجيبهم، ويكون معنى ذلك تصديقهم دون سند عندنا نستند إليه إلا كلامهم؟..
أعتقد.. لا. ولا.. لأن الرسول قال فى هذا: (لا تصدقوهم ولا تكذبوهم) ولكن يمكن أن تسمعوا، ولا تعلقوا، وكونوا على حذر. لا تصدقوهم، لأن تصديقهم خطر، ولا تكذبوهم، لأن ذلك ربما يؤدى إلى شقاق وخلاف، أنتم فى غنى عنه. وربما كان صحيحا فتكونون قد أنكرتم الصحيح وأنتم لا تعلمون وهذه هى منتهى العدالة فى العلم وفى الدين ومنتهى الحياد.
ولا يبقى عندنا- لقبول الحديثين- إلا أن نقول: معناه حدثوا عنهم فيما يتفق حديثهم فيه مع ما تعرفونه من كتابكم وسنة نبيكم. وهذا أقصى ما يمكن أن نهضمه حتى لا نرد الحديث.