وهذا الذى كان.. فقد اتخذ الرسول من بلاغة القرآن أقوى سلاح لدعوته..
فكان يحرص فى مجالات الدعوة للإيمان على أن يقرأ على المشركين العرب آيات منه، وهو مدرك تماما أنهم يتفاعلون مع تعبيراته، ويحسون ما فيها من روعة تفوق كل روعة يحسونها من كلام الخطباء وشعر الشعراء.. حتى كانوا يضطرون وهم فى ذروة معارضته، والحملة عليه إلى اعتراف بعضهم لبعض سرا، بأن هذا ليس من كلام
البشر، ولكنهم اتهموه أمام العامة بأنه سحر مبين، وأصدر زعماؤهم تحذيرا عاما من الاستماع إليه خوفا من تأثيره عليهم وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ٢٦ (١)
وقد وجدنا فى قصة إسلام عمر أن استماعه لآيات من سورة (طه) أطفأت ما فى نفسه من حمية جاهلية، وقلبته من رجل يتوعد الرسول، ويستعد لقتله، إلى رجل هادئ، وادع، يستسلم للرسول، ويؤمن به، ويعز الله الإسلام بجرأته.
هذا- وأمثاله كثير- يدلنا بلا شك على أن القرآن كان مفهوما للعرب بمجرد أن يسمعوه، إذ لو لم يفهموه لما تأثروا به، ولما سحرهم بقوة بيانه وبلاغته..
ولكن أى فهم كان؟
لقد نزل القرآن يتحدث عن العقائد، كما يتحدث عن التشريع، وعن قصص السابقين، وعن خلق الكون، وبعض مظاهره وذلك بأسلوب جديد عليهم فى قوته وبيانه، مستعملا الحقيقة والمجاز والكناية، وكثير من الموضوعات التى تحدث عنها جديدة عليهم، فإلى أى مدى كان فهمهم للآيات التى تتحدث عن هذا كله؟
هل كان فهمهم مستوعبا لكل آية، وكل كلمة وعبارة، وفى أى موضوع من الموضوعات التى تحدث عنها القرآن؟

(١) فصلت/ ٢٦.


الصفحة التالية
Icon