وكانوا يتفاوتون فى هذا الحفظ ويتفاضلون به، فحفظ كل منهم قدر ما يستطيع، على حسب ما يتيسر له، وإن كان هناك من الصحابة جمّ غفير عرف عنهم أنهم حفظوا القرآن كله فى عهد رسول الله.
ولا شك فى أن الواحد منهم إنما كان يعنى بتفسير ما يحفظ وفهمه، على قدر استطاعته، أو بالاستعانة بالرسول، أو بغيره من الصحابة، ممن يتوسم فيهم المعرفة. أما ما لا يحفظه فإننا لا نستطيع القول بأنه عنى بفهمه أو بتفهمه، اللهم إلا إذا سمع أحدا يقرؤه.
ومؤدى هذا كله أن الصحابة رضوان الله عليهم مع عنايتهم الشديدة بالقرآن، لم يتيسر لجمهرتهم حفظه كله، كما لم يتوفر لهم بالتالى تفسيره وفهمه تفصيلا، وإن كان هناك من خواصهم من تيسر لهم حفظه، وتوفر على فهمه قدر استطاعته.
وفى ذلك نروى ما قاله مسروق ((جالست أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام فوجدتهم كالإخاذ- يعنى الغدير- فالإخاذ يروى الرجل، والإخاذ يروى الرجلين، والإخاذ يروى العشرة، والإخاذ يروى المائة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم)) يعنى يرويهم. يعبر بذلك عن اختلاف مستوياتهم العلمية، ومحصولهم من فهم القرآن، كما تختلف الآبار فى كمية مياهها..
ويقول ابن قتيبة: إن العرب لا تستوى فى المعرفة بجميع ما فى القرآن من الغريب والمتشابه، بل أن بعضها يفضل بعضا فى ذلك..
وهذا أمر طبيعى كما سبق أن قررناه.. وقلنا إنه يرجع إلى استعداداتهم الفطرية، كما يرجع إلى قربهم من الرسول.. - مصدر الإشعاع- وبعدهم عنه.. وإن كان من الممكن أن نقول: أنه كان هناك قدر مشترك بينهم فى فهمهم العام لما يقرءون، أو يسمعون من القرآن، باعتبار أنهم عرب.. كما قررنا من قبل..
وإذا كانت الدعوة الجديدة قد أخذت من الرسول ﷺ والمؤمنين معه، جهدا ووقتا فى دعوة الناس إليها، وفى الدفاع عنها بالحجة أو