فمثلا.. حين نزل قوله تعالى من سورة الأنعام وهى مكية الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ٨٢ (١) شق ذلك على أصحاب رسول الله وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ليس بالذى تعنون. ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح:
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ١٣ (٢) يعنى لقمان كما جاء فى سورته.
فهذا الذى فهموه أولا من الآية السابقة أزعجهم، لأنه يتصل بحياتهم فى الآخرة، وهم يحرصون على أن تكون حياة طيبة، فسألوا رسول الله، فبين لهم أن معنى الظلم فى الآية هو الإشراك، وأحالهم على آية أخرى حكت عن لقمان قوله لابنه: (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) وبهذا انتهى الإشكال.
والسيدة عائشة رضى الله عنها لما سمعت الرسول ﷺ يقول:
«من حوسب عذب»، رأت أن هذا القول فى ظاهره، يخالف قوله تعالى:
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ٧ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ٨ وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً ٩ (٣)
فهناك إذن من يحاسب، ثم يلقى أهله مسرورا فى الآخرة، ولا يلحقه عذاب. والحديث يقول بصيغة التعميم (من حوسب عذب) فتلجأ إلى الرسول، وتحتج بالآية، وكأنها تعارضه. فتقول له: «أو ليس يقول الله عز وجل فسوف يحاسب حسابا يسيرا، فقال لها الرسول ﷺ (إنما ذلك العرض) وفى رواية ليس ذاك بالحساب ولكن ذلك العرض، أى عرض
(٢) انظر تفسير ابن كثير ج ٢ سورة الأنعام. تفسير الآية المتقدمة.. وآية لقمان ١٣.
(٣) سورة الانشقاق ٧ - ٩.