بل وحياتهم. فلم يكن من المعقول فى هذا الظرف أن تثور مناقشات نظرية حول هذه المتشابهات التى نزل أكثرها بمكة..
وقضى رسول الله فى المدينة نحو عشر سنوات كذلك، قضاها كلها فى دفاع وحروب مستمرة فرضها عليه أعداؤه.. فكانت كلها سنوات طوارئ بلغتنا الحديثة.. وفى حالات الطوارئ لا يقبل فيها من الكلام والمناقشات ما يقبل عادة فى حالات الأمن والرخاء.. بل تفرض التعبئة العامة جوها على الحياة وعلى الأفكار..
هل يكون من المقبول والمستساغ لدينا- إذا كنا فى حالة حرب أو طوارئ وتعبئة- أن نثير فى الصحف بحوثا ومجالات نظرية تشغل الأفكار وتمزقها، ولو حول بعض المسائل الدينية البعيدة عن جونا الذى نعيش فيه؟
هل يستساغ أن نثير فى مثل هذه الحالة بحثا حول جواز ترجمة القرآن مثلا، أو عدم جوازها؟ أو حول من كان أحق بالخلافة. أبو بكر أم على؟. أو حول المراد من الحروف المقطعة التى بدئت بها بعض السور؟ أو حول القضاء والقدر؟
وهل الإنسان مسير أو مخير؟ - أو حول القرآن، وهل هو مخلوق، أو غير مخلوق؟. أو نثير بحثا حول الشعر القديم والشعر الحديث؟. أو نعيد سيرة البيزنطيين فنتناقش: أيهما الأصل: البيضة أم الدجاجة؟!!
وإذا كنا لا نستسيغ ذلك حاليا مع شهوتنا الملحة دائما فى الكلام والجدل، فكيف يمكن أن نطلب من الرسول.. وصحابته وقد كانوا فى حالة طوارئ مستمرة، وحالة حرب، وخطر الحرب، أن يسألوا ويبحثوا فى أشياء نظرية، وبعضها قد يثير الاضطراب الفكرى، ويبعثر الجهود، ويشتت الأفكار، ويؤدى إلى الدخول فى التيه؟..
ولكن أليس فى فهم معنى يد الله وسمعه وبصره اتصال بالعقيدة؟
نعم.. كان له اتصال.. ولكنهم فهموه فهما إجماليا وتركوه، واكتفوا بهذا ولم ينساقوا الى ما وراءه مما أثير بعد ذلك.. اكتفوا واكتفى منهم الرسول بأنهم مؤمنون بالله وبصفاته كما جاء فى كتابه، وليس لهم أن يشغلوا أنفسهم وأفكارهم بالبحث


الصفحة التالية
Icon