فرشوناه برداء وقلنا سل النبى ﷺ والأعرابى ليس بملتزم بما يلتزمه المقيمون مع الرسول.. والرشوة هنا ليست هى الرشوة المحرّمة طبعا، بل هى تحريض على خير يريدونه ولا يستطيعونه.
وروى مسلم أيضا عن النواسى بن سمعان قال: «أقمت مع رسول الله ﷺ سنة بالمدينة ما يمنعنى من الهجرة إلا المسألة، كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل النبى صلى الله عليه وسلم».
فلم يتخذ النواسى صفة المقيم بالمدينة حتى لا ينطبق عليه ما ينطبق على المقيمين مع الرسول من تحشم واحتياط فى الأسئلة، وظل سنة ضيفا، دون أن يأخذ حكم الإقامة،
لتكون له الحرية فى سؤال الرسول عما يريد. لأن الحرج كان خاصا بالمقيمين لا بالوافدين؟؟؟.. لأنهم يتزودون بالعلم ويرحلون، وتسامح معهم أكثر مما يتسامح مع المقيمين.
وروى أبو يعلى عن البراء «إن كان ليأتى على السنة، أريد أن أسأل رسول الله ﷺ عن الشيء فأتهيب، وإن كنا لنتمنى الأعراب، أى قدومهم، ليسألوا فيسمعوا هم الأجوبة عن أسئلة الأعراب فيستفيدوا منها..
إلى هذا الحد بلغ رد فعل هذا الدرس الذى فهموه من الآية: إحجام عن السؤال مع رغبتهم الشديدة فيه، حتى يحرضوا الأعرابى، ليسأل بدلهم، ويغروه بشيء فى مقابل السؤال، واستماعهم معه للجواب.. مبالغة فى الأدب، مع حرص شديد على الاستفادة..
ومع أن الآية- كما يفهم من مدلولها- لم تنههم عن السؤال أيا كان موضوعه، بل نهتهم عن أسئلة من نوع خاص، بينته لهم «إن تبد لكم تسؤكم» كما أن الحالة التى نزلت الآية تعالجها كانت مفهومة عندهم، أقول ومع ذلك أحدثت الآية فى نفوسهم رد فعل زائد عن الحد المطلوب فيها.
ولو أنهم- مع هذا المعروف عنهم- لم يغفلوا أول الأمر عما كان يجب عليهم من مراعاة مقام الرسول، والحفاظ على وقته الثمين، الذى يجب صرفه كله للأمور المهمة، لما حصل هذا كله.. ولكنه درس لهم، ولكل من أتى أو يأتى من بعدهم، حتى لا تشغلهم التوافه عن العظائم، ولا يتشددوا فيشدد الله