ثم قال «فلو كان فهم اللفظ الافرادى يتوقف عليه فهم التركيبى لم يكن تكلفا (أى لم يكن السؤال تكلفا) بل هو مضطر إليه، كما روى عن عمر نفسه فى قوله تعالى «أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ» فإنه سأل عنه على المنبر، فقال له رجل من هذيل: التخوف عندنا هو التنقص. ثم أنشد:

تخوف الرحل منها تامكا قردا كما تخوف عود النبعة السفن (١)
(أى أن رحل الناقة أخذ من سنامها المتلبد- تنقص منه- كما يأخذ المبرد وينقص من العود، بمعنى أزال بعضه فقال عمر: أيها الناس تمسكوا بديوان شعركم فى الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم.. )
ومع الدلالة التى أوردنا هذه الرواية لها.. نأخذ دلالة أخرى تؤكد ما سبق أن أوردناه.. وهو أن بعض الألفاظ من غير المتشابه ظلت غير مفهومة لحفاظ القرآن حتى توفى الرسول لعدم ورودها فى لهجتهم دون أن يسألوه عنها مع ملازمتهم له أو قربهم منه عليه الصلاة والسلام خوفا من رميهم بالتكلف، والاشتباه فى إيمانهم، مكتفين بفهم المعنى العام التركيبى.
وهذا بالتالى يدلنا على أنه ليس بلازم للصحابى- وإن كان فى المقدمة- أن يحيط علما بكل المعانى الدقيقة لألفاظ القرآن.. كما نظن نحن الآن.. وليس هذا ماسا بهم، لأنهم كانت لهم شواغلهم وأعمالهم، وكانوا يفهمون منه ما يتصل بالعقائد من الألفاظ الظاهرة المحكمة، وما يتصل بالتكاليف. فهذا أمر ضرورى.. ويفهمون مما عدا ذلك كثيرا أو قليلا، كل على قدر استعداده.. ووقته فهما إجماليا. علما بأن القرآن عربى وهم عرب، وأقدر الناس على فهمه.. لكن هذا لم يمنع أن تكون هناك ألفاظ لها معان خفيت على بعضهم، أو لها مراد لم تصل إليه عقولهم لأنها تتحدث عن أمور لم يألفوها، ولم يسألوا عنها، تحاشيا من الوقوع فى التكلف الذى نهوا عنه، أو من الاشتباه فيهم...
(١) التامك: المرتفع من السنام. القرد: المتلبد. النبعة: شجر. والسفن: المبرد ونحوه.


الصفحة التالية
Icon