الإنسان، ومظاهر الكون أمامهم، ولهذا لم يخوضوا فيها بتفصيل، ولم يتحدثوا عنها، وإنما كانوا يكتفون بالعبرة، يأخذونها من منطوق الآية ومن النظرة البسيطة إلى المظاهر الكونية أمامهم دون تعمق، فإذا جاء عنهم شىء فى ذلك فقد نقلوه من خارج البيئة الاسلامية، اسرائيلية أو غيرها..
وقد جاء القرآن الكريم يخاطب العرب فى حالتهم تلك، بالأسلوب المناسب لهذه الحالة، فيأخذون منه قدرا يحرك فى نفوسهم الاتعاظ بما يحدثهم عنه، ويخاطب من هم أعلى منهم علما، وأدق نظرا، على درجاتهم المتفاوتة فى العلم ودقة النظر، فيكتسبون العبرة الظاهرة التى استفادها العرب الأميون، ولكنهم يزيدون عليها تأملات جديدة فى الآية على ضوء ما وصلوا إليه من علوم يقينية يجدون فى الآية إشارة لها وتحتملها ألفاظها..
ومن هنا أرى أن أولى الناس بتفسير الآيات الكونية إنما هم أهل العلم فى الطب والفلك والجيولوجيا وما يشبه ذلك من علوم، على ألا يتحدثوا عن آية إلا باليقينيات من العلم، لا بالفروض والنظريات. أما أرباب النحو والبلاغة فقد فسروها كما تدل عليه ألفاظها مع ما عندهم من علم عن الكون، استفادوه بالنظرة السطحية التى تشبه نظرة الصحابة، مع تفتح جاءهم على مرور الزمن حسب الجو العلمى الذى كانوا يعيشون فيه..
وأعتقد أننا بهذا الذى أوردناه قد ألقينا ضوءا كاشفا عن حالة تفسير القرآن الكريم فى عصر الرسول، وعن المحصول الذى يمكن أن نخرج به من هذا، وعن العوامل المتعددة، التى جعلته محصولا يسيرا.
ومن يدرى.. لعل فى ذلك جوانب من الخير كثيرة، أهمها: ترك الباب مفتوحا للعقول وعلى مر الزمن لتجتهد فى فهم القرآن على ضوء خبرتها وعلمها، وتبرز لنا من أسرار الكون المكتشفة حديثا، ما أشارت الآيات إليه، ولم يدركه السابقون.. وهو خير يزيد المؤمنين إيمانا ويقينا..
ومن أراد أن يرجع إلى ما تركه الرسول صلى الله عليه من تفسير قليل.
فليرجع إلى أمهات كتب الحديث. باب التفسير ليقف على هذه الحصيلة القليلة، بجانب ما غصت به كتب التفسير بأجزائها ومجلداتها.