فما دام منهج الاعتماد على الروايات قد جرحه المعتزلة هذا التجريح، وأصبحت الثقة به ضعيفة، فليعتمد هؤلاء على منهج جديد، يلبى حاجة العقول فى عصرهم ولا يعتمد على الرواية، بل يعتمد على اللغة العربية والمعانى المستخرجة من حقيقتها ومجازها، بالاضافة إلى ما استفادوه من علم المنطق وغيره..
وأقبلوا على القرآن يفسرونه بهذا المنهج، وينصرون مذهبهم الاعتزالى بتأويل القرآن وإنزاله عليه كلما جاءت مناسبة تمس مذهب السنة، أو الاعتزال، واستعملوا مهارتهم الكلامية فى ذلك، حتى أو غلوا فى التعسف فى تأويل بعض الآيات وفى الوقت الذى ساد فيه مذهب الاعتزال، وسانده الحلفاء العباسيون، كان هؤلاء يعتقدون أنهم فرسان الحلبة فى تفسير القرآن، وعلم الكلام.
بينما أهل السنة ممن يؤثرون التفسير بالماثور وقفوا منهم موقف المعارض الذى يعتقد أن المعتزلة بمنهجهم هذا يعتدون على كلام الله، وبعدت بينهم الشقة من هذه الناحية أيضا..
ولكن بدأ جو المعتزلة فى الانكماش بعد تخلى الخلفاء عنهم، وبعد ظهور أبى موسى الأشعرى الذى وقف بعلم وعناد ضد مذهبهم.
وبدأ أهل السنة فى العمل فى مجال التفسير وغيره بقوة، فكان من ذلك مؤلفات فى التفسير وغيره لعلماء فى المغرب والمشرق.. لا سيما بعد أن أقبلوا على بضاعة المعتزلة من علم المنطق والفلسفة وغيرهما، ليتخذوا منها أسلحة لبيان معانى القرآن، ولتأييد آرائهم.. وللرد على مخالفيهم.
وفى هذا الجو ظهر الامام فخر الدين محمد بن عمر بن الخطيب الرازى الشافعى. وقدم فيما قدم من مؤلفات تفسيره الذى سماه «مفاتيح الغيب» فكان أساسا وعمدة لأهل التفسير بالرأى من غير المعتزلة، كما كان الطبرى أساسا وعمدة لأهل التفسير بالمأثور.
ويصبح من حقهما وحق القراء علىّ أن أذكر نبذة عنهما وعن تفسيرهما فيما بعد..